يهدد وباء الكوليرا حياة أكثر من 20 مليونا و800 ألف شخص هم سكان المحافظات اليمنية، التي جرى فيها اكتشاف ذلك الوباء القاتل حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي؛ وهو ما يزيد من معاناة سكان البلد العربي، البالغ عددهم قرابة 26 مليون نسمة، جراء الحرب الدائرة منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
حتى الآن سقط قرابة نحو عشرة آلاف قتيل في تلك الحرب، وفق منظمة الأمم المتحدة، وفي المقابل، سجلت منظمة الصحة العالمية، حتى منتصف الشهر الماضي، 10 آلاف و184 حالة مشتبه في إصابتهم بالكوليرا، بينها 92 حالة وفاة، و156 حالة مؤكدة مختبريا في 15 محافظة من أصل 22 محافظة.
وربما لصعوبة وصول فرق الطوارئ إلى بعض المناطق، لاسيما تلك المشتعلة بالمواجهات المسلحة، مثل محافظتي تعز (جنوب غرب) وصعدة (شمال)، فإنه من الصعب الوصول إلى إحصائيات دقيقة بشأن انتشار الكوليرا في اليمن؛ الذي يكابد سكانه أوضاعا إنسانيا وصحية مأساوية؛ بسبب الحرب الدائرة بين القوات الحكومية وتحالف جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) والرئيس علي عبد الله صالح.
خطة عمل مشتركة
علي الوليدي، وكيل وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية، التابعة للحكومة الشرعية، قال إن “عدد الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا يبلغ 7 آلاف و730 حالة حتى نهاية نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، منها 122 حالة مؤكدة مختبريا”.
الوليدي، وفي تصريح لوكالة للأناضول التركيه المواليه لجماعة الاخوان المسلمين ، مضى قائلا إن “الأوضاع المتردية سياسيا وعسكريا في اليمن ساهمت في انتشار الكوليرا، ومنعت فرق الطوارئ والمنظمات الصحية، وحتى الإغاثية، من ممارسة مهامها ونشاطها كما يجب؛ مما أدى إلى تعذر الحصول على أرقام دقيقة بشأن انتشار الوباء”.
وفي مواجهة الكوليرا، أضاف المسؤول اليمني، “عملت وزارة الصحة، خلال الشهرين الماضيين، على احتواء تفشي الوباء، بدعم وتنسيق مشترك مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف”).
وموضحا، تابع أن “أهم عناصر خطة العمل المشتركة، هي الاكتشاف المبكر لحالات الإصابة بالكوليرا، وتقوية نظام الترصد الوبائي، وتعزيز إمكانيات مختبرات التشخيص في المحافظات التي تم اكتشاف المرض فيها، وهي 15 محافظة”.
الوليدي تابع بقوله إنه “جرى في مدينة عدن العاصمة المؤقتة لليمن (الحكومة الشرعية) تشكيل فريق طوارئ لمتابعة ورصد الوباء في المحافظات كافة، فضلا عن فرق طوارئ فرعية في محافظات عدة”.
انحسار كبير للوباء
حول نتائج هذه المواجهة المشتركة للكوليرا، قال وكيل وزارة الصحة العامة والسكان إن “المرض في حالة انحسار كبير، بعدما سجلت المستشفيات المختلفة وصول من 5 إلى 6 حالات يوميا، وهي أرقام متواضعة جدا، مقارنة بعدد الحالات التي كانت تصل مع بدء ظهور المرض في صنعاء وتعز وعدن”.
لكن الوليدي اعتبر أنه “من المبكر الحديث عن القضاء على الوباء نهائيا، لكننا استطعنا، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ويونسيف، السيطرة عليه والحد من انتشاره، لاسيما وأن الخطة المشتركة شملت معالجة الحالات فورا بعد أخذ العينات، بل ومعالجة المخالطين للحالات المؤكدة”.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 7 ملايين و600 ألف شخص يعيشون في مناطق متأثرة بمرض الكوليرا، عبر ظهور حالات الإسهال المائي الحاد، إضافة إلى أن ما يزيد عن 3 ملايين نازح معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا، مشددة على أن الظروف الصحية للسكان تفاقمت نتيجة نقص الغذاء وازدياد حالات سوء التغذية وانعدام فرص الحصول على خدمات صحية ملائمة.
تداعيات الحرب
من بين 22 محافظة يمنية، فإن محافظات صنعاء، وتعز، وعدن، والحديدة وصعدة، هي الأكثر اكتشافا لمرض الكوليرا.
بهذا الخصوص، قالت رئيس قسم الإسهالات في مستشفى الجمهورية بعدن، الدكتورة منال عبد الملك، إن “الحرب سهّلت انتشار أوبئة، مثل الكوليرا؛ بسبب ضعف القطاع الصحي ومؤسسات الدولة والاقتصاد وانخفاض مستوى دخل الأسرة، وكلها عوامل أثرت سلبا على الصحة العامة”.
د. منال تابعت، في تصريح للأناضول، أن “ندرة المياه في بعض المناطق ساهمت في زيادة حالات الإصابة بالكوليرا، لا سيما بين من أجبروا على النزوح من منازلهم، جراء الحرب، فضلا عن تلوث مياه الشرب، وتكدس القاذورات والقمامة”.
برك الصرف الصحي
ومنذ ظهور المرض، تابعت الطبيبة اليمنية، “استقبل مستشفى الجمهورية 161 حالة من عدن ومحافظات مجاورة، بينها جنسيات صومالية وإثيوبية، تم التعامل معها بشكل جيد، ولم تسجل إلا حالة وفاة واحدة بين 18 حالة وفاة في مستشفيات أخرى بالمحافظة”، مضيفة أنه “جرى تجهيز خمسة مراكز أخرى في عدن لاستقبال الحالات المصابة بالكوليرا أو المشتبه بها”.
وبشأن الانتشار السريع للوباء في عدن، قالت د. منال إن “السبب هو انتشار برك الصرف الصحي (غير المعالج) في أغلب شوارع وأحياء العاصمة المؤقتة.. ومؤخرا تتركز حالات الإصابة في منطقتي حي كاستر في المعلا ودار سعد؛ نظرا لانتشار برك مياه الصرف الصحي ولجوء بعض الأسر إلى الشرب من الآبار المفتوحة، وهي مياه عادة غير مكلورة (مطهرة) وتفتقد إلى أبسط شروط النظافة”.
وإجمالا، أرجعت الطبيبة اليمنية الانتشار السريع لوباء الكوليرا إلى “افتقار معظم الأسر إلى الإصحاح البيئي”، في إشارة إلى ضرورة توافر البيئة الصحية بكل روافدها وعناصرها، من سلامة الغذاء والماء، والتعامل مع النفايات والمخلفات والصرف الصحي والمصادر البيئية للأمراض.
وقبل أيام، حذر ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، الدكتور أحمد شادول، في مقابلة مع الأناضول، من أن القطاع الصحي في هذا البلد العربي يواجه خطر الانهيار خلال عام 2017؛ في حال استمرار الحرب وتوقف الدعم الدولي لذلك القطاع؛ مما يعرض حياة الملايين من اليمنيين للخطر، بينهم أطفال ومرضى بأمراض مزمنة.