عارف أبوحاتم:
في اليوم الأخير من مايو 2007 دوى الانفجار “الفضيحة” في صنعاء والتفت الناس غرباً إلى مخازن الأسلحة في كهوف جبل نقم المطل على العاصمة.. وقبل غروب ذلك اليوم كانت قيادات أمنية وعسكرية تطلب من زميل يجلس إلى جواري البحث عن صيغة تلفيقية لغسل تلك الفضيحة في وسائل الإعلام، فنسج الزميل كذبة عن تسرب مياه الأمطار عبر شقوق الكهوف وأدت إلى احتكاك صواعق القذائف ببعضها مما تسبب بالانفجار!
لم يمر ذلك الأسبوع عليّ هادئا، فقد بحثت بطرق شتى وتوصلت إلى نتيجة مؤكدة، وهي شكوى قيادات عسكرية رفيعة عن تسريب أسلحة ضخمة من مخازن وكهوف جبل نقم إلى يد الحوثيين بصعدة، وأن هناك احتمالين إما بوجود خيانة من ضباط كبار، أو أن نجله أحمد من يقف وراء تلك الفضيحة بغية إطالة أمد الحرب بين الحوثيين وقوات اللواء علي محسن على أراضي صعدة، فذهب الرئيس صالح بنفسه للتحقق من الفضيحة وحين وجد بعض المخازن غير منتظمة، وفيها ما يؤكد خروج كميات من صناديق الأسلحة وجه بتشكيل لجنة للجرد والتحقيق، وقبل أن يصل بوابة قصر الرئاسة عائدا، كانت الانفجارات تتصاعد من داخل مخازن “نُقْم”.. ما يعني أحد أمرين إما أنها متعمدة من أجل تعقيد عمل لجنة الحصر والتحقيق، أو أن ميعاد الانفجار تأخر وكان الهدف هو صالح، وفي الحالتين تم إغلاق ملف تسريب السلاح للحوثيين.
لطالما اشتكى الرئيس هادي من هذا الوغد اللئيم الذي ما ترك علاقة مع أحد إلا وخانه ولا جميل إلا وشوهه، ولا فرصة إلا واستثمرها في إطالة أمده في الحكم والسيطرة على مقدرات الشعب اليمني..
كانت جرائم علي عبدالله صالح بلا سقف، مثلما خياناته بلا نهاية.. وعلاقته بالناس كان معيارها مدى طاعتهم له، وتنفيذهم لتوجيهاته.. يعشق النفوس الدنيئة والألسن المادحة، والوجوه المرنة، والرؤوس الفارغة القابلة للتوجيه، والتدوير كبلاستيك خام، فيشكلها بالكيفية التي أراد ولا ينسى أن يجعلها منحنية بالقدر الذي يشبع رغبته التسلطية.
في مقابلة سابقة أجراها الرئيس هادي مع “الجزيرة” في نيويورك، توعّد صالح بإخراج ملفاته السوداء وأشار لنتف صغير منها، تتعلق بتسريب أسلحة الجيش اليمني للحوثيين خلال الحروب الست معهم، وأنها كانت مسرحيات كاذبة أهلكت الحرث والنسل وأرهقت المؤسسة العسكرية وكلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات كل ذلك من أجل أن يقضي صالح على الترسانة العسكرية الواقعة تحت سيطرة اللواء علي محسن، وليس من أجل تثبيت سيادة الدولة فوق جميع أراضيها.
الجديد في وثائقي الجزيرة حول “السلاح المنهوب” الأحد الماضي هو وجود أدلة مادية على تورط الرئيس المخلوع صالح في عملية اقتحام محافظة عمران ونهب أسلحة اللواء 310 مدرع وقتل قائده العميد حميد القشيبي.
طيلة أربعة من أصل ستة حروب بين جماعة الحوثيين الإرهابية والدولة اليمنية كان صالح يمد الحوثيين بالأسلحة سرا لأنه يحاربهم بقوات الفرقة الأولى مدرع المحسوبة على اللواء علي محسن الأحمر والذي يمثل حجر عثرة أمام تطويع الجيش وتسليمه بمسألة توريث الحكم لنجله أحمد.. وقد حصلت حالات كثيرة كان صالح يرسل شاحنات الأسلحة إلى صعدة للحوثيين ويرسل ضباطا موالين له لتدريبهم، وشاحنات أخرى كانت تخرج من مخازن المؤسسة الاقتصادية التابعة لوزارة الدفاع محملة بالمواد الغذائية والبطانيات والخيام.. كل ذلك من أجل كسر شوكة الفرقة الأولى مدرع.
أما في مرحلة ما بعد خلعه من الحكم فقد جاهر بدعم الحوثيين وتوجيه أسلحة الحرس الجمهوري لهم، وأمدهم بالخبرات والسلاح والرجال من أجل اقتحام محافظة عمران ثم إسقاط العاصمة صنعاء نكاية بالرئيس هادي والفريق محسن وآل الأحمر وثوار فبراير.
وكان لمخازن السلاح في معسكرات الحرس الجمهوري خاصة معسكر ريمة حُميد الدور الكبير في تعزيز الترسانة العسكرية الحوثية.
صالح الذي تعامل مع اليمن واليمنيين بنفسية المنتقم الغاضب، هو اليوم تحت رحمة الحوثيين، كائن بليد، صفيق الجلد، لا يهمه أن يُقال عنه خائن لوطنه وشرفه العسكري، وكل فضيحة لتاريخه الأسود لن تنتقص منه شيء، فلم يعد لديه ما يخسره.
كل التحية لفريق إعداد هذا الفيلم الوثائقي بقيادة الصحفي اليمني المحترف أحمد الشلفي.. بقدر شعورنا بالغبن أن طاغية أضاع دولة بأكملها، بنفس القدر نعتز بوجود صحفي يمني ينتج عملا بهذا المستوى.