الثورة ماذا تعني؟! هي فعل ثوري متجدد وتغيير جذري في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كمتغير عام ناتح عن عصف شعبي جامح يهدف إلى الانعتاق من ربقة النظام السابق ومن ثم الانتقال إلى نظام سياسي آخر، وفقاً لإرادة جمعية جماهيرية باعتبار أن الشعب مصدر السلطات وصاحب المصلحة الحقيقية في الثورة والتغيير، وهذا ما تجسد فعلاً في ثورة 26 سبتمبر62م، الثورة الأم التي أطاحت بحكم الإمامة البائد وكسرت أغلال الاستعباد والتحرر من براثن الإمامة الكهنوتية السلالية وإلى الأبد، والذي عانى من ويلاته شعبنا اليمني ردحاً من الزمن.
عندما خرج الشعب عن بكرة أبيه مهللاً ومستبشراً بأهداف ثورته المباركة في كافة أصقاع البلاد اليمنية في حين كانت محافظة صعدة متشحة بالسواد جلها إن لم نقل كلها، إذ ظلت مرتعاً خصباً.. بل بؤرة إمامية ملتهبة لبقايا الإمامة والإماميين الجدد، تعشعش في خباياها الأفكار الرجعية الظلامية، تحمل عناوين الدجل والشعوذة والخزعبلات التي عفا عليها الزمن، ولا ننسى هنا أخطاء النظام السابق الذي لم يضع أهمية تذكر لهذه المحافظة من حيث الأهمية (الديموغرافيا)، ومن ثم الاهتمام في ترسيخ مدامك البنية الفكرية والثقافية بغية تعزيز التربية والهوية الوطنية، حرصاً من أن لا يتم الانزلاق في متاهات التخبط والضياع واللاوطنية.
وقد ظهر جلياً ما لم يكن في الحسبان، فمعظم النار من مستصغر الشرر، إذ لاحت تلك الفئة الضالة تحيك الدسائس والمؤامرات في غفلة من الزمن والوطن، للإيقاع بالثورة والثوار.
تلك هي أرض صعدة الأبية التي دنستها أقدام الإمامة المتخلفة وكهوفها المظلمة عبر التاريخ، ويأتي في مقدمتهم الإمام الهادي يحيى بن حسين الرسي، والذي جاء من شرق إيران فغادرها خالي الوفاض ليجد ضآلته في أرض صعدة وأبنائها المسالمين ليبث فيهم سموم نزعته المذهبية والطائفية والعصبية، ويزرع في أوساطهم الفتن والانقسامات، وكان ذلك في منتصف القرن الثالث الهجري.
وهو ذات السياق والانطباع الذي تجلى لدى الإماميين الجدد في الاحتفاء والابتهاج في استقبال أجدادهم تهليلاً وترحاباً كما هو حال ” آيه الله خميني” عندما عاد إلى طهران قادماً من منفاه في فرنسا نهاية عام 1979م.
إذ راح الإماميون الجدد من الحوثيين يستقبلونه بالصرخة والزامل ورفع صورة قبل أن يتم استقباله من الإيرانيين في طهران، لتتجدد أخيراً أواصر العلاقة الحميمة بينهما عبر قنوات التواصل والاتصال وبإشراف (الحرس الثوري)، إذ كانت أهمية ذلك تكمن في كسر حاجز العزلة أولاً، وبالتالي تصدير الثورة الخمينية ثانياً.
وكان لهم ما أرادوا.. في زرع الأذرع والخلايا الموالية لهم في اطار ما يسمى بالهلال الشيعي (سوريا، العراق، لبنان، اليمن)، حيث يعد ذلك تدخلاً سافراً في شؤون دول الجوار بهدف الانقضاض على أنظمة وحرية وسيادة شعوب المنطقة كلها، وهذا ما يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة والقاضي بعدم التدخل الدولي في شؤون السيادة وحق الشعوب في الحرية والثورة وعدم زعزعة الأمن والسلم الدوليين.
فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل من مشروعية الثورة الإيرانية أن تطغى على ثورات الشعوب الأخرى؟! وهل يحق لها التدخل في أمن واستقرار دول الجوار؟!