استند اختيار الرئيس عبد ربه منصورهادي، رئيس الجمهورية اليمنية للدكتور معين عبدالملك كرئيسا للوزراء، في أصعب ظروف ومرحلة شائكة واستثنائية بمعنى الكلمة، إلى ثقة بحنكته وكفاءته وقدراته لخوض معركة إعادة بناء مؤسسات الدولة ومواجهة الآثار الاقتصادية والإنسانية، حيث تعد هذه المرة الأولى فى تاريخ اليمن الحديث التى يعين فيها شاب فى أوائل الأربعينيات فى هذا المنصب.
وفي ظل كل المعطيات والتعقيدات الكارثية التي خلفها الحوثيون على الدولة اليمنية وشعبها، عكست تحركات “عبدالملك” وجهوده المستمرة، نجاحات جيدة فى العديد من الملفات في المناطق المحررة لتحقيق استقرار فارق على كل الأصعدة، لمواجهة التحديات المعيشية والخدماتية وتطبيع الأوضاع الأمنية، ومحاربة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله، لتؤسس بذلك الهياكل بشتى صورها بعد انهيارها بصورة تامة.
وفى أول حوار للدكتور معين عبدالملك رئيس وزراء اليمن ، لوسيلة إعلام مصرية مع «الأهرام العربي»، ثمن الدعم السياسي المستمر من القيادة المصرية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جانب اليمن وقضيته في المحافل الدولية والإقليمية، مشيدًا بالعلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الشقيقين اليمني والمصري باستمرار الدفع بهذه العلاقات إلى آفاق رحبة من التطور والنماء، بما يخدم المصالح المتبادلة، مشيرًا إلى أن المصير المشترك لدول وشعوب المنطقة يفرض المزيد من التلاحم والعمل المشترك للانتصار على المخططات المعادية وتحقيق الأمن والاستقرار في واحدة من أهم مناطق العالم.. وإلى نص الحوار:
– بداية ماذا عن آخر المستجدات على الساحة اليمنية في ضوء التصعيد العسكري الأخير لميليشيا الحوثي الانقلابية؟
ما يدور حاليًا من تصعيد عسكري للميليشيات الحوثية الانقلابية يكشف بوضوح عن الوجه الحقيقي لهذه الجماعة الفاشية، وموقفها الرافض لكل فرص السلام، واستغلال زمن الاتفاقيات والمفاوضات للاستعداد للحرب، ويكشف في نفس الوقت مدى ارتهانها لمشروع إيران، فتصعيدها هذه المرة جاء ضمن موجة التخريب الإيراني وتصعيدها في المنطقة وبصورة صريحة تجلت في خطابات القيادات الإيرانية وأذيالها، كما ظهر في خطابات قيادة حزب الله والحوثيين في آن.
وهذا التصعيد ترافق مع تهريب متزايد للسلاح من إيران للميليشيات الحوثية، ففي غضون الشهرين الأخيرين تمكنت البحرية الأمريكية من احتجاز سفينتين محملتين بالأسلحة الإيرانية المهربة إلى الميليشيا الحوثية وضمنها صواريخ متطورة تهدد أمن اليمن والخليج والملاحة الدولية ويجعلها في مرمى الاستهداف.
محليًا منذ فترة يقترف مقاتلو هذه الميليشيا انتهاكات وجرائم شتى بحق المدنيين في مدينة الحزم المركز الإداري لمحافظة الجوف وبعض مديرياتها الإدارية، ويعتدون على المؤسسات العامة، ويسخرون معداتها وإمكاناتها في حربهم الإجرامية مما ألجأ عشرات الآلاف من السكان إلى النزوح والتشرد.
نخوض منعطفاً خطيراً في الصراع مع الانقلابيين ومع النفوذ الإيراني ومشروعه في اليمن والمنطقة، وهو أمر يستدعي توحد كافة القوى السياسية الوطنية من جهة خلف هدف إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة واسترداد ما فقدناه جراء الانغماس في معارك جانبية ومواجهة الانقلاب بصفوف متفرقة، ومن جهة توسيع نطاق التعاون بين بلادنا وأشقائنا من الدول العربية خصوصاً تلك المطلة على البحر الأحمر والتي لها مصلحة إستراتيجية في تأمين الملاحة الدولية، وأيضا مع الدول الصديقة لمواجهة هذا الإصرار على نشر الفوضى وتقويض أمن المنطقة والملاحة والاقتصاد العالمي من قبل إيران وأذيالها من الحوثيين والميليشيات الأخرى.
– ما رؤيتكم لحل الصراع في اليمن؟ وهل ما زالت المرجعيات الثلاث صالحة لرسم مسار السلام في اليمن؟
وصفة حل الصراع واضحة ونذكّر بها مراراً، موجزين إياها في إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وسيادة النظام الديمقراطي التعددي بآفاقه الحديثة التي رسمها مؤتمر الحوار الوطني الشامل ووفقاً للمرجعيات الوطنية المتفق عليها والإقليمية والدولية التي في صدارتها قرار مجلس الأمن 2216.
أما عما إذا كانت هذه المرجعيات لا تزال صالحة لرسم مسار السلام فلاحظ أننا نطلق عليها مرجعيات، والمرجعية تضع القواعد والحدود الناظمة للحل وتؤطر القيم الثابتة التي لا ينبغي اختراقها، وسوى ذلك فهي لا تضع قيوداً على أي صيغ لإحلال السلام ما دامت مقرراتها منسجمة مع قيم هذه المرجعيات وقواعدها وغاياتها.
وفي تقديرنا، فإن في المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية من السعة والتفاصيل ما يكفل إرساء سلام دائم وحقيقي. ولا يبدو في هذه المرجعيات إشكالاً أو ضيقاً بتطورات الأحداث إلا عند من يريدون إقامة أشكال مضادة للدولة وموازية لها، ثم يبحثون في ثنايا المرجعيات عن شرعية لأشكالهم وحين لا يجدونها يلقون باللائمة عليها ويصفونها بأنها غدت قاصرة عن استيعاب التطورات، وهذا هو حال الانقلابيين الذين لا يعترفون بالمرجعيات الوطنية وغيرها في الأساس.
– كيف تنظرون لجهود المبعوث الأممي مارتن جريفيث، هناك من يعتبره جزءاً من المشكلة والبعض الآخر يعتبره جزءاً من الحل؟
نحن نسلط اهتمامنا وتقييمنا على الأفكار والخطط التي يعلنها المبعوث الأممي وفريق عمله من أجل إحلال السلام أكثر مما نركز على شخص المبعوث وما قد يثار حوله من جدل. المهم لدينا أن تأتي تصوراته ومقترحاته لأي اتفاقات سلام متوافقة مع المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، وأن تميز بوضوح لا لبس فيه بين الدولة اليمنية وحكومتها الشرعية ومؤسساتها وبين أي جماعات وفصائل وعلى رأسها الجماعة الحوثية المتمردة.
فإذا جاءت خطط أي مبعوث أممي منسجمة مع مرجعيات الحل وسيادة الدولة اليمنية وشرعية قيادتها السياسية وحكومتها التنفيذية ومؤسساتها فنحن أكثر وأسرع من يتعاون مع فريق الأمم المتحدة ومبعوثيها ويسهل أداء مهمتهم، ولعل المبعوثين الأمميين الذين تناوبوا على تمثيل الأمين العام في اليمن منذ 2011 يقرون بذلك ولديهم ما يكفي من الشواهد.
أما إذا لمسنا أن تلك الخطط انحرفت عن هذا الإطار فلنا الحق الكامل في رفضها بل والاعتراض على طريقة عمل المبعوث، والطلب إلى الأمين العام التدقيق فيها ومراجعتها، وقد فعل ذلك فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي في مايو 2019 حين شعرنا أن الأفكار ضلت المسار المؤدي إلى مرجعيات الحل والسلام.
– ماذا عن العلاقات المصرية ـ اليمنية ؟ وما رؤيتكم لتطويرها؟
العلاقات اليمنية ـ المصرية فريدة من نوعها؛ فعدا عن كل المشتركات التي تجمع بلداننا العربية، تأتي هذه العلاقات محمولة على تاريخ استثنائي من التضامن والدعم والتأثير المتبادل، بدأ هذا التاريخ المتميز مع ثورة 26 سبتمبر 1962 في شمال وطننا على نظام الإمامة الانعزالي الرجعي الكهنوتي الذي كان يحكم البلاد بطريقة تنتمي إلى القرون الوسطى، وحين ثار عليه الشعب وأعلن قيام النظام الجمهوري وجد إلى جانبه جنود الجيش المصري يقاتلون في سهولنا وجبالنا وسواحلنا دفاعاً عن جمهوريتنا الوليدة، ووجد المعلمين المصريين يغطون رقعة الوطن ويختطون نظاماً تعليمياً حديثاً، ووجد الخبراء المصريين يساعدون في تأسيس المنشآت وتشغيلها.
في جنوب الوطن كذلك، تلقت ثورة 14 أكتوبر 1963 على الاستعمار البريطاني دعماً في جوانب مختلفة شملت اللوجستيات وتدريب الثوار وتهيئة قواعد لهم في شمال البلاد، والأبرز بين كل ذلك كان الدعم السياسي اللامحدود من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وسيظل هذا التاريخ محفوراً في ذاكرة أجيالنا إلى الأبد، وعصياً على النسيان.
وفي الوقت الراهن وحين استأنفت الإمامة- وقد اتخذت من جماعة الحوثيين المتمردة حاملها الجديد- هجمتها بغية حكم الشعب على تلك الطريقة الظلامية الكهنوتية، وجد اليمنيون مرة أخرى مصر العربية إلى جانبهم.
والدعم السياسي من القيادة المصرية برئاسة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي مستمر إلى جانب اليمن وقضيته في المحافل الدولية والإقليمية.
كذلك يستضيف أشقاؤنا في مصر برحابة صدر أعداداً كبيرة من المواطنين اليمنيين الذين اضطرتهم الحرب الحوثية الإجرامية للنزوح الخارجي، ويتلقون معاملة كريمة من السلطات والمؤسسات المصرية.
وفوق ما في العلاقات اليمنية ـ المصرية من عمق وفرادة فآفاقها أيضاً غير محدودة، مما يجعلها قابلة لاستيعاب مزيد من التطوير والتوسع، وتقديم مزايا وتسهيلات متبادلة لمواطني البلدين.
ونحن حريصون وعلى ضوء توجيهات القيادة السياسية للبلدين انطلاقا من هذا التاريخ العريق والجذور الضاربة في العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الشقيقين اليمني والمصري على استمرار الدفع بهذه العلاقات إلى آفاق رحبة من التطور والنماء، بما يخدم المصالح المتبادلة.
– مدينة تعز تشهد حصاراً خانقاً من قبل المليشيا الحوثية وهجمات متكررة منذ خمس سنوات، كيف هي الأوضاع هناك؟
لا يكف الانقلابيون الحوثيون عن استهداف مدينة تعز وأجزاء من ريفها بالقصف الهمجي الذي يقتل المدنيين ويدمر مساكنهم ويلحق الأضرار المختلفة بأملاكهم، كما يحاولون على نحو متواصل اختراق خطوط قوات الجيش في جبهة المدينة بمحوريها الشرقي والغربي وجبهة ريف المحافظة الجنوبي والشرقي.
وعلى الرغم من تكثيف الانقلابيين وحشدهم مرراً إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق اختراق واحد في جبهات تعز منذ مدة طويلة، بل إنهم كلما بدأوا معركة أو مواجهة هناك تستطيع قوات الجيش حسم الموقف لمصلحتها خلال وقت قصير، لأن هجمات الانقلابيين سرعان ما تنكسر ويتراجعون فارين بعدما ترتفع الخسائر في صفوفهم إلى حد لا يقدرون على تحمله.
أحدث هذه المعارك وقعت مطلع الأسبوع الثاني من فبراير الجاري، حينما شن الانقلابيون هجوماً قوياً على أحد مواقع الجيش غرب المدينة، واستخدموا فيه نيران المدفعية الثقيلة بكثافة، لكنهم انهزموا بعد ساعات قليلة، وفروا بعدما سقط عشرات القتلى والجرحى في صفوفهم، وسيطرت قواتنا على أسلحة مختلفة عرضتها في وقت لاحق.
لكن هذه المواجهات والمعارك الظرفية والمصغرة لا تغير الموقف الميداني أو السياسي في تعز، إذ ما تزال المدينة تحت الحصار المشدد الذي يضربه عليها الحوثيون منذ 2015، ولا يزال المدنيون عرضة لقصف المليشيات العشوائي. وفي ظل الحصار، يتواصل تصاعد كلفة المعيشة في الارتفاع وتتضاعف مشقة الحصول على الضروريات والخدمات الأساسية.
كان يفترض أن اتفاق ستوكهولم الذي مضى ١٤ شهراً على توقيعه قد أنجز شيئاً باتجاه رفع الحصار انطلاقاً من أن حالة تعز إحدى قضاياه إلى جانب وقف القتال في الحديدة وتبادل الأسرى والإفراج عن المعتقلين، غير أن الانقلابيين لم يبدو استجابة في أي من هذه الملفات، مما يبقي الحصار قائماً بانتظار تحرير شطر المدينة الخاضع لسيطرة مليشيا الانقلاب ورفع الحصار بالقوة المشروعة.
وحين تنتهي الحرب وينهزم مشروع الحوثيين المعادي للشعب والوطن سيُطوى تاريخ هذه الجماعة المكتوب بالدم والعمالة وعذابات اليمنيين إلى خانة التاريخ المخصصة للبشاعات والإجرام، أما تعز وسائر الحواضر والمناطق التي نهضت بالمقاومة فهي الآن تتجاور في قائمة واحدة مع المدن التي خلدها التاريخ نظير ما أبدته من صمود أسطوري أمام الجحافل الغازية، وستظل أسماؤها تذكيراً دائماً لأجيالنا بقيمة الإباء ورفض الانصياع.
– حققت الحكومة اليمنية بمساندة التحالف نجاحات نوعية في محاربة الإرهاب.. كيف تقيّمون هذا الأمر؟ وما وضع الجماعات الإرهابية المتطرفة في اليمن اليوم؟
تجد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة في البلدان التي تشكو اضطرابات أو تلك التي تشهد حروباً ونزاعات فرصتها المثالية للنشاط، وكذلك كانت الحال بعد هيمنة ميليشيا الحوثيين على الدولة ونظامها السياسي وتقويض مؤسساتها بما في ذلك السيطرة على مقدرات الجيش والشرطة.
وجراء ذلك الفراغ الأمني الذي نشأ بعد الانقلاب، سيطر تنظيم القاعدة على بعض المديريات ومدينة “المكلا” قبل أن يشن جيشنا بإسناد من جيوش التحالف العربي عملية كبيرة وينهي أمر التنظيم الإرهابي في تلك الأماكن.
إضافة إلى إنهاء التهديد الذي كان يشكله التنظيم الإرهابي فيما يخص السيطرة على مناطق ومدن صغيرة وإخضاع سكانها لنفوذه، انتقلت القوى الأمنية ومعها الدعم الأمني والاستخباراتي للتحالف العربي إلى التعامل مع أخطار الإرهاب الأخرى والمتمثلة في عمليات الاغتيال الموجهة غالباً ضد قادة أمنيين وضباط تحريات، وكذا العمليات الانتحارية ضد مراكز الشرطة ونقاط الأمن.
وتحقق نجاح كبير في هذه المهمة خلال السنوات الثلاث الماضية، وانخفض معدل الهجمات الإرهابية في مقابل ارتفاع معدل إحباط الهجمات، وكذا ارتفاع عدد العمليات الأمنية التي أفشلت تنفيذ هجمات إرهابية، لكن مع كل ذلك، لا يمكن القول إن الاستمرار في مواجهة الإرهاب بالأساليب التقليدية القديمة سيقود إلى ربح المعركة ضده.
فعلاوة على أن الإرهاب يتسم بالوحشية والجهالة المطلقة، ويدبر مؤامراته بأساليب شديدة السرية، فقد سخر منتجات التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات والدعاية وشبكات استقطاب الأفراد، مما أضاف تعقيدات جديدة إلى مهمة مكافحته المعقدة أساساً.
لذلك أرى أن سبيل تحقيق نجاح ملموس في مكافحة الإرهاب يتطلب تأهيلاً عالياً واحترافياً لقوى الأمن المعنية والاستخبارات، والوصول اليومي إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة بشأن أنشطة الجماعات المتطرفة وتحركاتها ومخططاتها، ثم التحليل السليم لهذه المعلومات والعمل في ضوئها.
في الوقت الراهن ما زال الإرهاب يسبق الأجهزة المعنية بمكافحته إلى أهدافه أحياناً، ويسبق المنظومة الثقافية والتربوية والإرشادية العامة إلى استقطاب الأفراد وتعبئتهم، ولكي نقول بثقة إننا ألحقنا به الهزيمة ينبغي أن نحبط مخططاته وهي ما تزال في مراحلها الأولى من الاستقطاب والدعاية والتخطيط.
وهذا يتطلب مستوى من الاستقرار أعلى مما يتوافر لدينا في المرحلة الراهنة وإمكانات أكثر مما في متناولنا حالياً.
أتحدث هنا عن بعض تقنيات محاربة الإرهاب، أما الإستراتيجية لذلك فهي أكثر شمولاً واتساعاً، ونحن حريصون مع شركائنا في المجتمع الدولي وتحالف دعم الشرعية على تنفيذ استراتيجيات أكثر فاعلية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وقد قطعنا شوطا لا بأس به في هذا الجانب، لكن يبقى إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة عاملاً أساسياً لنجاح الجهود الجارية في استئصال شأفة الإرهاب، باعتبار الانقلاب والإرهاب وجهين لعملة واحدة، فالانقلاب يوفر الغطاء والبيئة الخصبة لتوسع التنظيمات الإرهابية.
– توجهت طائرات الرحمة من صنعاء إلى القاهرة وعمان لنقل الجرحى من صنعاء.. كيف تقيمون هذه الخطوة وغيرها من جهود العمل الإنساني التي يقوم بها التحالف العربي؟
كل التدابير التي من شأنها التخفيف من معاناة مواطنينا كافة وصولاً إلى إنهائها هي من بين أهدافنا المرحلية، ومحل تأييد وترحيب لدينا.
وسبق للحكومة أن وافقت على مقترح تشغيل مطار صنعاء لنقل الحالات الإنسانية قبل أكثر من عام، لكن تنفيذه لم يبدأ إلا قبل أسابيع قليلة نتيجة رفض الانقلابيين الحوثيين الذين رفضوا كذلك مقترحاً للحكومة خلال محادثات السويد بفتح المطار أمام الرحلات الداخلية.
وتأسيساً على أن معاناة المواطنين من صنع الحوثين والحرب وفرض حصار على المدن وتعطيل مرافق الخدمات العامة، فلا يهمهم على الإطلاق رفع هذه المعاناة بل ينصب جل اهتمامهم على توفير منافذ سفر لنقل الجرحى من مقاتليهم.
وما ينادون به في مكان ما من أجل العناية بمقاتليهم فقط يغلقونه أمام المواطنين في أماكن أخرى، حيث يشددون الحصار على ملايين السكان. هذا المثال يصور مدى الاعتلال الأخلاقي الذي يتفشى في ضمائر القادة الحوثيين.
عطفاً على ما بدأت، أضيف أن تسيير رحلات إنسانية خطوة ينبغي تعميمها وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الضغط نحو التوسع في إجراءات رفع معاناة المواطنين جراء السياسات الحوثية بما في ذلك رفع الحصار عن المدن، ورفع القيود عن حركة التنقل بين المحافظات، ووقف التدخلات في نشاط المنظمات الإغاثية.
– هناك من يعتبر أن جبهة الساحل الغربي جبهة رخوة ويتخوف من تركيز الحوثيين عليها.. ماذا أنتم فاعلون في هذا الأمر؟
تقييمنا للجبهة لا يتوافق مع هذا التوصيف بل يناقضه، جبهة الساحل الغربي تتولاها القوات المشتركة المؤلفة من ألوية العمالقة وقوامها فرقة عسكرية متمرسة، وهي التي دحرت قوات الانقلابيين من باب المندب حتى الأحياء الجنوبية لمدينة الحديدة على امتداد مسافة يزيد طولها عن 260 كيلو متراً، وخاضت معارك شديدة البأس والشراسة، إضافة إلى قوات المقاومة الوطنية والمقاومة الشعبية التهامية.
وكل هذه التشكيلات يجمعها هدف واحد، ومن خلفها إسنادنا السياسي والدبلوماسي ودعم الأشقاء في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ولولا الوساطة الأممية التي أفضت إلى اتفاق ستوكهولم لكانت هذه القوات قد حسمت أمر الجبهة الغربية برمتها قبل أكثر من عام.
وإذا لم تكن مطلعاً بدقة على أخبار جبهة الساحل الغربي فلعلمك: لا يوفر الحوثيون فرصة إلا ويشنون هجمات أو يحاولون إحداث اختراقات على طول امتداد الجبهة داخل محافظة الحديدة، لكنهم في كل مرة يرتدون منهزمين جراء ما يلاقون من ضربات.
لولا الوساطة الأممية التي أفضت إلى اتفاق ستوكهولم لكانت القوات قد حسمت أمر الجبهة الغربية برمتها قبل أكثر من عام.
– كيف تقرأ التصعيد الحوثي في الفترة الأخيرة واستهداف السعودية بالطائرات المسيرة والصواريخ؟
من يعرف طبيعة الحوثيين يدرك أن الحرب والعنف هي طبيعة هذه الحركة العنصرية المارقة، وأن لجوءهم إلى خفض التصعيد هو جزء من تكتيك يستعيدون فيه بناء قوتهم وشروط الحرب. الحوثيون جماعة عنصرية ووكيلة للمشروع الإيراني التدميري والمعادي للدول الوطنية العربية، لذلك دائماً ما يناور نظام الملالي بواسطة وكلائه في المنطقة وكلما شعر باشتداد وطأة العقوبات عليه واتساع عزلته الدولية يحاول إحداث ثغرات عبر توجيه منظماته العميلة بتخريب حالة السلم الإقليمي وذلك لابتزاز المجتمع الدولي.
فإذا أردنا تفسير القرارات التي تتخذها هذه الجماعات الوكيلة ومنها الجماعة الحوثية، لا بد من الانطلاق من خصائصها وارتباطها التأسيسي والوظيفي بالنظام الإيراني لكي نعثر على إجابات مكتملة.
أريد أن أخلص من كل هذا إلى أن أياً من قرارات الحوثيين يقف وراءها مزيج من كل هذه الخصائص، فضلًا عن وظيفتهم الإقليمية العاملة في خدمة نظام طهران.
– لا يزال اليمن حتى الآن خاليا من فيروس كورونا وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.. لكن مع استمرار تفشي الفيروس حول العالم.. هل أنتم قلقون من انتقاله إلى اليمن؟ وما الإجراءات التي اتخذتها حكومتكم للحيلولة دون ذلك؟
بالتأكيد.. فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، يمثل في هذه اللحظة التحدي الوجودي الأبرز للبشرية، مع إعلان منظمة الصحة العالمية تحوله إلى جائحة عالمية وسرعة انتشاره وضرره وعدم توفر لقاح أو علاج ناجع له.
بالنسبة لنا في اليمن على الرغم من أنه لم تسجل لدينا أي إصابة بالفيروس حتى الآن، فإن هذه الجائحة الوبائية العالمية تشكل تهديداً مضاعفا؛ بسبب ضعف نظامنا الصحي جراء الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي الانقلابية والتي أدت إلى انهيار شبه كامل للخدمات الصحية وحرمان المواطنين من تلقي الرعاية الطبية والحماية اللازمة من الأمراض والأوبئة، خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الانقلابية، حيث لم تكتف تلك الميليشيات بإيقاف نفقات تشغيل المستشفيات والمرافق الصحية ونهب رواتب الأطباء والعاملين الصحيين، بل عمدت أيضا من خلال إجراءاتها العبثية المتمثلة بمنع تداول العملة الوطنية الجديدة إلى حرمان أولئك الأطباء والعاملين من الحصول على رواتبهم التي انتظمت الحكومة الشرعية بدفعها وتحويلها لهم شهريا خلال العام الماضي.
وأمام هذا التحدي حرصنا بالتنسيق مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي قدم دعما صحياً لليمن بقيمة 3.5 مليون دولار لمواجهة هذه الجائحة، على اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية، من بينها تزويد منافذ الدخول بوسائل الفحص اللازمة، وتجهيز ١٢ مركزا للعزل والحجر الصحي في المحافظات، وتدريب كادر طبي للعمل في تلك المراكز.
بالإضافة إلى ذلك تم تعليق الرحلات الجوية وإغلاق المنافذ البرية والبحرية وكذا تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية، ونحن الآن على تواصل مستمر مع منظمة الصحة العالمية ومركز الملك سلمان والمانحين الدوليين الذين نتطلع من خلالهم إلى حشد الدعم المطلوب لتعزيز قدرات الحكومة اليمنية في مجال الكشف والتقصي وتنفيذ التدابير الوقائية لمواجهة جائحة كورونا، وإنشاء مزيد من مراكز الحجر وتوفير الإمدادات الطبية.
كما نعول كثيرا على تعاطي المواطنين بمختلف فئاتهم وشرائحهم بجدية وبمسؤولية مع هذا الوباء العالمي، والالتزام بتعليمات السلامة وطرق الوقاية المقدمة من وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية والتعامل بهذا الخصوص.