إن قواتنا المسلحة مع كل أحرار اليمن يدركون تماما أنهم يخوضون اليوم واحدة من أقدس معارك اليمن الوطنية التحررية في تاريخ البلد، إنها معركة الألف عام بكل تفاصيلها للخلاص من تراكمات قرون طويلة من التزييف والتشويه والتزوير والاستلاب والتمزق، والانتهاك السافر الذي طال كل مناحي وخصوصيات الأمة اليمنية المجيدة في ظل سيطرة الكهنوت الإمامي الذي خلف إرثاً ثقيلاً لايزال يلقي بظلاله على المشهد اليمني برمته، ودمر اليمن وصادره واستبد بشعبه وألحق به دمارا هائلاً على كل المستويات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية) هذا البلد العظيم والغني والمتنوع حولته الإمامة إلى أفقر البلدان وإلى سجن كبير يضيق بأهله، اليمن الذي عاش خلال سيطرة غبار التاريخ مراحل قاسية من الانحدار والانحطاط والعزلة والجمود، وكان أبرز إنجازات الإمامة المرض والجهل والفقر.
كان الشعب اليمني قد تخلص من طاعون الإمامة والكهنوت ونفض غبار التاريخ وطوى تلك الصفحات السوداء المؤلمة إلى الأبد يوم السادس والعشرين من سبتمبر المجيد عام62م، لولا المؤامرات الكبيرة التي تعرضت لها الثورة من الداخل المحلي ومن العالم والخيانة العظمى الذي تعرض لها النظام الجمهوري عبر المحسوبين على الجمهورية، سهلت الاختراق الكبير وساعدت في توغل القوى الإمامية إلى كل مفاصل الدولة بمؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، بل وتحول السلك القضائي والدبلوماسي إلى حكر إمامي عبث به ودمره وبشر من خلاله لمشروع الإمامة الجديد خلال الأربعة العقود الماضية.
كونت القوى الإمامية لوبيات وعملت بشكل ممنهج وحثيث على إفراغ كل مؤسسات الدولة من مضامينها الجمهورية، ووصلت خلاياها إلى مصادر صنع القرار والتحكم بها بل وتوجيهها في المسار الذي خدم المشروع الإمامي، الذي بدأ بصناعة ذراعه المسلح (مليشيا الحوثي) في صعدة ومرورا بتسهيل مهمة اجتياح هذه المليشيا الحوثية للعاصمة ومؤسسات الدولة، وقامت بإسقاطها من الداخل، هكذا اشتغل الجناح الإمامي داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، الذي دعم المليشيا وساعدها في فرض سيطرتها الفعلية على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة العسكرية والمدنية وساندها في اجتياح المحافظات حتى انتهى المطاف بعودة غبار التاريخ إلى المشهد اليمني بنسخته الجديدة (مليشيا الحوثي) كواجهة مليشاوية مسلحة للقوات الإمامية، وأداة فارسية لتدمير اليمن والمنطقة، خمس سنوات والمليشيا تشعل حروبها الاجتثاثية والانتقامية الفاشية المدمرة ضد اليمن (أرضا وإنسانا وهوية وتاريخاً)، في واحدة من آلاف موجات العنف وحروب الابادة التي تعرض لها الشعب على يد ادعياء الاصطفاء ومزعوم العرق المقدس! خلال عصور مضت.
إن ما يتعرض له شعبنا اليمني اليوم في مناطق سيطرة المليشيا من قتل ودمار ونهب وإفقار وتجويع وتهجير واختطاف وسجون وتمزيق وإذلال وتجنيد البسطاء كوقود حرب في محارق الجبهات على أيدي القوى الظلامية بمليشياتها الحوثية ليس عملا فرضته الحرب على الاطلاق بل هو عمل ممنهج مارسته السلالة منذ عصور وتمارسه اليوم (بنسختها الجديدة) مليشيا الحوثي وفق نصوص وفتاوى ومعتقدات موثقة بكتب وأدبيات الفكر الهادوي الشوفيني توارثته الأجيال السلالية منذ عهد السفاح الأول يحيى بن الحسين الرسي مرورا بعبدالله بن حمزة والمطهر شرف الدين ووو وصولا إلى يحيى وابنه أحمد حميد الدين وختاما إلى حسين الحوثي وعبدالملك الحوثي، وهذا الأخير سيكون آخر ظهور له وآخر دورة لفكرهم المقيت في اليمن، التي ترتكز على خرافات تجيز ماحرمه الله من استباحة دماء اليمنيين ونهب ممتلكاتهم وهتك أعراضهم، بل وتعد هذه الجرائم من الأعمال التي تقرب إلى الله طبقا لهذه الخرافة الهدامة في المعتقد الهادوي، التي حصرت السلطة الحكم والمال والعلم والجاه في البطنين، وجعلت الخروج عليهما كفرا ودمه مباح، وحولت الشعب إلى قطيع من العبيد، وهو ما يتعارض مع منطق وقيم الدين الإسلامي الحنيف، ويتعارض مع منطق العقل السوي ومنطق العلم والعصر.
اليمنيون أمة عظيمة قبل الإسلام وبعد إسلامهم كان لهم أدوار فاعلة وعظيمة في الإسلام، فعلى يد اليمنيين الأوائل دخلت الأمم في الإسلام أفواجا.
لقد عبث الغزاة الرسيين والطبرستان والديلم باليمن وعمدو إلى تمزيق مجتمعه ودمروا آثاره وقصوره وقلاعه وسرقوا مكتباته ومخطوطاته وأتلفوا معظمها في عملية تجريف واسعة هدفت إلى تشويه وتزوير تاريخ اليمن الحضاري خلال قرون مضت، وهاهم احفادهم الحوثيون اليوم يمارسون نفس الدور القذر.
اليوم الوضع تغير ولسنا في القرن الثالث أو حتى العاشر الهجري، نحن اليوم في منتصف القرن الخامس عشر الهجري، وفي عشرينيات القرن الواحد والعشرين هناك أجيال متعلمة ووعي جمهوري متجذر في أوساط الشعب بشكل واسع وغير مسبوق، أجيال تحمل ثقافة الدولة والجمهورية وترفض الهمجية والخرافة، وهذا ماعزز من قدرات القوات المسلحة وجعلها بأقل الامكانيات تلحق الهزائم تلو الهزائم بمليشيا الحوثي التي استولت على كل مقدرات الدولة المالية والعسكرية، لكنها وقفت عاجزة أمام صمود أبطال قواتنا المسلحة التي تمتلك عقيدة عسكرية، وطنية وإيمان راسخ بعدالة القضية الوطنية السامية التي يقاتل ويضحي من أجلها وتحقق الانتصارات الكبيرة.
ومنطق التاريخ والشعب يقول: إن الانتفاشة الحوثية في طريقها للانكماش والزوال وإلى مزبلة التاريخ، وهذه آخر دورة عنف يمارسها أدعياء الاصطفاء، وهذا ماتؤكده الأحداث وماتبشر به المعارك في جبهات اليتمة والمهاشمة والسليلة بمديرية خب والشعف الجوف وفي جبهة ميسرة نهم جبال صلب والجمايم ونجد العتق وقرود وجبهات البيضاء وتعز وجبهة صرواح وجبهة هيلان والمشجح، والأيام القادمة تحمل الكثير من المفاجآت لتحرير صنعاء وصعدة.
* رئيس شعبة الصحافة العسكرية