نشر سبتمبر نت، تقريرًا مفصلا تحت عنوان: “21 فـبراير.. بوابة العبور نحو الدولة المدنية الاتحادية”
أملا في طي صفحة الماضي وتهدئة الوضع الذي كان مرشحاً لمواجهات بين قوى الثورة والنظام، تم اختيار هادي رئيساً للجمهورية في عملية انتخابية غير تنافسية، وبدعم من مختلف القوى، والأحزاب، حصل على أكثر من ستة ملايين ونصف المليون صوت، تلك الجماهير عبّرت عن حالة إجماع على التغيير والدخول في مرحلة جديدة.
شملت المبادرة الخليجية ضمنيا مطالب الشباب، ولبت الكثير من مطالب، واشتراطات النظام السابق، أبرزها الحصانة وتقاسم الحقائب الوزارية وارتضى الفرقاء السياسيون مبادرة مجلس التعاون حلا ومخرجا للجميع.
في إحدى بنودها البارزة نصت على انتخاب نائب رئيس الجمهورية آنذاك عبدربه منصور هادي رئيسا توافقيا يمثل جميع المكونات السياسية، وعلى الرغم من عدم وجود المنافسين إلا أن إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع كان كثيفا وغير مسبوق تلك الحالة أوحت بدلالات عديدة أبرزها توقان الشعب إلى التغيير ورغبته في إنهاء حالة الانقسام ووضع أولى لبنات الدولة المدنية الاتحادية.
شراكة
ظلت الأحزاب والمكونات السياسية زمنا ليس بالقليل وهي تستنكر الاستحواذ المفرط من قبل نظام صالح على معظم مفاصل الدولة، وطالبت في عديد مرات بإيجاد حلول لمنح الفرص أمام الجميع لتولي المناصب العامة، انتهت جميع المحاولات بالفشل، فارتأت المكونات السياسية، والأحزاب المعارضة في انتخاب هادي سبيلا لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.
محللون اعتبروا ذلك موافقة جلية من الشعب على أهمية تطبيق الحلّ العربي لأزمة اليمن، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من حرب أهلية طاحنة وفوضى عارمة، وهم بذلك يدعمون الرأي القائل بأن في هذا الحلّ حقناً لدماء المواطنين وإفساحاً في المجال أمام حلول سلمية لصراعاتهم ومشاكلهم المعقدة، والمتنوّعة.
وفاق سياسي
مجموعة أسباب تقف وراء اندلاع ثورة الشباب لعل أبرزها حماية الديمقراطية، وجوهرها، فالنظام السابق لم يكتف بالاستحواذ على السلطة، بل وصل إلى اعتزامه توريث الحكم لنجل الرئيس السابق صالح!
تلك النية أغضبت الشعب، ودفعته إلى اعتراض تلك النوايا، وقرر مواجهتها، وإن كلفت أغلى الأثمان، فمكسب الديمقراطية أمر يستدعي النضال، والتضحية.
رأت المكونات السياسية بمختلف توجهاتها، ورأى شباب ثورة فبراير أن انتقال السلطة سلميا خير سبيل للتغيير لتجنيب الوطن أزمات وحروب قد تحدث في حال مانع النظام السابق تسليم السلطة طواعية.
مرحلة جديدة
أدرك اليمنيون أن نجاح عملية انتخاب رئيس انتقالي تمثل نمطاً جديداً في تغيير الأنظمة السياسية يختلف عن مثيلاته في مصر، وتونس، وليبيا، لذلك هبوا إلى انتخابه أملا في تجنب الصراع والدخول في مرحلة سلام، إذ مثّل انتخاب هادي فرصة للدخول في مرحلة جديدة، خصوصا وأن الحل المتفق عليه قد نص على تشكيل حكومة وفاق تضم جميع الفرقاء السياسيين.
محللون سياسيون أعدوا نجاح عملية انتخاب رئيس انتقالي في اليمن بحدّ ذاتها نجاح لاتفاق التسوية العربية الخليجية، واعتبروها الخطوة الأولى في مسار طويل، ومتعرّج نحو الاستقرار، والسلم الأهلي، والإنماء الاقتصادي، والاجتماعي، إذ في تلك المهمة تتساوى فرص النجاح والفشل، نظراً إلى ضخامة المهام الملقاة على عاتق الرئيس الجديد، وهشاشة الوضع في اليمن، ومحدودية الوسائل المُتاحة سياسية واقتصادية، وعسكرية.
انتصار ديمقراطي
وجد شباب الثورة في تغيير رأس هرم السلطة مقدمة للتغيير وتأسيس نظام خال من الفساد يستشعر المسؤولية ويلبي مطالب الثورة ويعمل على تحقيق أهدافها السامية
اعتبر الشباب تغيير صالح تنفيذا، وتحقيقا لأول أهداف ثورتهم، فكثير من الشباب اعتبروا انتخاب هادي بداية البداية لانتصار ثورتهم، وتحقيق التغيير، وانتهاء التوريث الذي سعى نظام علي صالح لتنفيذه.
من جانب آخر فإن غالبية المتطلعين، والحالمين بنظام ديمقراطي ارتأوا في جلب أشخاص جدد إلى سدة الحكم بمثابة انتصار للديمقراطية.
محللون أكدوا أن غالبية الشعب اليمني عوِّل على نجاح الرئيس الجديد في الانتقال السلمي لليمن إلى حكم يسمح للمواطنين اليمنيين بممارسة حقوقهم الأساسية في الحرية الشخصية، وحرية التعبير، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، وفي أقلّ تقدير أن يكون الحكم الانتقالي أقل استبدادية وأكثر انفتاحاً وتعددية من حكم صالح.
عهد جديد
تحديات جمة واجهها المشير هادي لتأمين الفترة الانتقالية كما نص عليها اتفاق التسوية، خصوصا تلبية طموحات شباب الثورة، وتوحيد القوات العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى حلّ قضيّتَي الجنوب والتمرّد الحوثي ومواجهة تنظيم القاعدة وإشراك جميع القوى السياسية في مؤتمر حوار وطني لحلحلة جميع المشاكل، وتكون تلك الحلول مدخلات لصياغة دستور جديد للبلاد.
أعد كثير من اليمنيين إقامة مؤتمر حوار نقطة أمل واسعة ينفذ من خلالها اليمنيون إلى واقع جديد.
إقامة مؤتمر حوار وطني بعث الأمل لدى الشعب في إيجاد حلول شاملة لكل تلك المعضلات، فانتخاب هادي حمل معه تباشير عهد جديد عنوانه تصفير المشاكل، والانتصار للمواطن محور الاهتمام، ورأس مال الوطن.
فيدرالية
وجد اليمن نفسه كدولة شهدت صراعات وأزمات وحروباً يتجه نحو حل تلك الصراعات والحروب من خلال تبني مؤتمر الحوار النظام الفيدرالي الذي اتفقت عليه المكونات السياسية، وأكدت عليه كافة الفعاليات المجتمعية من الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني.
الفيدرالية وهي نظام سياسي وقانوني يقوم على بناء علاقات تكامل تحل محل علاقات التبعية بين الأقاليم والمحافظات داخل الدولة، وبالتالي الاتفاق والمشاركة الفعلية لكل الوحدات والأقاليم التي تتكون منها الدولة الاتحادية، وهو نظام يعزز معاني الديمقراطية ومبادئ التنمية المستدامة.
أشارت وثيقة الحوار إلى أن النظام الفيدرالي يشكل حلا سياسيا عادلاً توزع فيه السلطات والمسؤوليات والموارد المالية والثروة، وبالتالي الحفاظ على الدولة اليمنية من التفكك وتجنبها المزيد من الصراعات والحروب الأهلية التي لم يعد يقبلها المجتمع اليمني بكل أطيافه، وكذا المجتمع الدولي بكل توجهاته السياسية.
يمن اتحادي
إن الدولة الاتحادية اليمنية خيار توافق عليه كل المكونات التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، ورغم أن المتمردين أعاقوا استمرار الدولة الاتحادية من خلال انقلاب 21 سبتمبر 2014، ثم غزو الجنوب وإعلان الحرب في كافة نواحي الأراضي اليمنية، إلا أن رفض الشعب اليمني بكل مكوناته لهذا الانقلاب وإعلان التحالف العربي في 25 مــارس 2015 منع المتمردين من السـيطرة على اليمن، وإطلاق أكبر عملية لدعم الشرعية اليمنية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي يعدان الضامن لبقاء مشروع اليمن الكبير.
من أجل يمن المستقبل لابد من إيجاد شراكة وطنية جديدة، تكون قيم الديمقراطية، والمدنية، والتعددية السياسية، والشراكة في السلطة، والتوزيع العادل للثروة أساسها.
يمن تتبلور فيها الهوية الوطنية والتعددية الثقافية، والاقتصادية لينهض اليمـن الاتحادي مــن عثراته الثقال لتجديد قيمه الجامعة الموحدة.
إن هذه القيم سيكون لها الأسبقية من خلال الدستور الاتحادي التوافقي الذي تتعزز فيه الحريات، والقيم، ويتماشى مع تاريخ اليمن، وتركيبته الاجتماعية، والاقتصادية، ويرتكز على خصوصية كل إقليم، من خلال جعل الإنسان في اليمن الاتحادي محور التنمية المستدامة، والاستثمار الرئيسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية على المستوى الوطني.
الدستور اليمني الجديد الذي توافقت عليه كل المكونات السياسية، والشبابية، والمرأة، سيكون خطوة متقدمة لبناء اليمن الاتحادي الجديد من خلال نصوص قطعية تحترم فيها السيادة، والحريات، والخصوصيات، ويتم فيها أيضا وفقا للنصوص القانونية إعادة الشراكة، والتوزيع العادل للوظيفة العامة، وكذا الثروة، والصلاحيات، والمسؤوليات.
لذلك لابد من تحشيد الهمم وتوظيف الطاقات لإنهاء التمرد الحوثي ليتسنى بناء الدولة الاتحادية التي يكون أساسها تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.