كادت الاحلام ان تتحقق عقب التغيير الذي احدثته ثورة فبراير المجيدة 2011م، وكادت هذه الثورة أن تكون نموذجا استثنائيا من ثورات الربيع العربي وتاريخ الثورات في العالم بشكل عام.. فمنذ تسلمه رئاسة الجمهورية في 21 فبراير 2012م قاد الرئيس هادي معركة استعادة كرامة اليمنيين وبناء مستقبلهم وهي معركة بالغة التعقيد وذات أوجه وأبعاد متشابكة اتحدت فيها كل معوقات النجاح بدءا بتراكمات المشاكل على مدى عقود عديدة ماضية مرورا بالصراعات الداخلية المختلفة وانتهاء بصراع مصالح الإقليم.. ورغم كل ذلك نجح فخامة الرئيس في قيادة المرحلة الانتقالية وخرج اليمنيون في مؤتمر حوارهم الشامل بقيادته بمسودة دستور جديد يؤسس لحقبة زمنية جديدة ينعم فيه المواطن اليمني بحياة كريمة ويشق طريقه نحو آفاق المستقبل المزدهر.. لكن ما حدث بعد ذلك ـ من ثورة مضادة دعمتها وخططت لها ومولتها دول في الإقليم وفي مقدمتها جمهورية مشلالي إيران ـ حرم اليمنيون من معانقة أحلامهم مؤقتا وعلى أمل أن ينتهي القائد هادي في القضاء على المشروع السلالي ويعيد مشروع الدولة الاتحادية إلى طريقه الصحيح..
يقول الدكتور عبده مغلس وكيل وزارة الاعلام :” هناك لحظات في تاريخ الشعوب والأمم, يكتب فيها تاريخها, وتكون لحظة فارقة بين ماضي يغادر وحاضر يكتب ومستقبل يصنع, وقد مَثّل يوم 21 فبراير2012م هذه اللحظة التاريخية التي كتبت تاريخ اليمن المعاصر.
ويصف مغلس في مقال له اللحظة الزمنية الصعبة التي تسلم فيها الرئيس هادي مقاليد الحكم بقوله: ” هذا اليوم الذي تم فيه انتخاب الرئيس هادي, رئيسا للجمهورية اليمنية, كان فيه اليمن الأرض والإنسان في خضم حرب السلطة والثروة, التي اختطفت ثورة الشباب ومستقبلهم, والتي مثلت النقاء الثوري الواعي بسلمية الشباب وصدورهم العارية, الذي جنب اليمن هدف التمزيق والتفتيت المخطط له”.. ويضيف ” في هذا اليوم تجلت حكمة الأقدار ومشيئة الله, برجل يأتي ليتصدر المشهد, وليس له قبيلة تدعمه, ولا جيش يحميه ويؤازره, ولا حزب يسانده, رجل متسلح بما هو أشد وأمضى, إيمانه بالله وإخلاصه لشعبه ووطنه, وإرادته التي لا تقهر لإخراج شعبه ووطنه من صراعات وحروب السلطة والثروة التي عصفت به ومنعت تقدمه وتطوره, وهي مؤهلات لقادة يصنعون التاريخ”.
مهام رئيسة
كانت أمام الرئيس هادي في المرحلة الانتقالية مهاما كبيرة وفي مقدمتها ما حددته المبادرة الخليجية وابرزها إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومعالجة مسائل العدالة الانتقالية وإجراء حوار وطني شامل، إضافة إلى تمهيد الطريق لصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات عامة عام 2014م، إلى جانب مهام أخرى تمليه عليه المسؤولية الوطنية وأهمها التأسيس لمرحلة جديدة تخلو من الصراعات وتضمن الحريات وتطغى عليها حركات التقدم العلمي والتطور الاقتصادي والتحسن المعيشي والمجتمعي بدلا من الحركات المسلحة المختلفة الدوافع والأسباب.
تحديات المرحلة
لم يكن الرئيس هادي بعيدا عما يدور في البلد منذ عقود، فقد عايش الكثير من أحداث اليمن وصراعاته المختلفة القبلية والمناطقية والايدلوجية والطبقية.. الخ، فضلا عن مشاركاته المختلفة بجانب الوطنيين في معاركه ضد التخلف والرجعية والفساد الذي أوصل الانسان اليمني إلى مستوى متدني من الفقر والجهل والبطالة، وبالتالي كان الرئيس هادي مدركا لحجم المسؤولية الذي تنتظره في سدة الحكم، فلا جيش يحمي الوطن والشعب ولا موارد تمكنه من النهوض ولا أحزاب تساند موقفه ورغم ذلك لم يذهب بشعبه إلى حيث الأمنيات البعيدة، إذ كاشفهم منذ البداية حينما قال: “استلمت علماً ولم أستلم دولة” ومع ذلك بدأ فخامة الرئيس سعيه الدؤوب والمخلص لبناء الدولة اليمنية بمشروع جديد يعالج أسباب الصراع وجذوره.
خلال ذلك، واجه الرئيس هادي العديد من المحاولات الرامية إلى إفشال جهوده في قيادة المرحلة الانتقالية وتنفيذ المهام المحددة لها بدءا بمواجهة شديدة من قبل المناوئين للثورة وللمرحلة الانتقالية ضد الاصلاحات التي تقوم بها الحكومة على كافة الأصعدة، فضلا عن افتعال الأزمات وخلق المعوقات، مرورا بتصاعد حدة الصراعات السياسية والمسلحة واختلاق القلاقل الأمنية وانتهاء بالتدخلات الخارجية، ولم يسلم شخص الرئيس نفسه من محاولات القتل في صنعاء وعدن، وكان التآمر الذي رافق الرئيس هادي منذ توليه الرئاسة وحتى اليوم تحت مسميات عدة أبرزها محاولات الانقلاب على شرعيته, ومن قبل جهات مختلفة داخلية وخارجية التقت مصالحها حول التخلص من الرئيس هادي ومشروعه, وهذا ما يفسر العديد من الألغاز المحيطة بمواقف هذه القوى.
منجزات قياسية
منذ تسلمه للسلطة في فبراير 2012 وحتى انقلاب الحوثيين أواخر العام 2014 قدم هادي لليمن الكثير، حيث أزال التوتر القائم الذي أعقب ثورة فبراير وشرعت حكومته في اصلاحات في مختلف المجالات وفي مقدمتها المجال السياسي والاقتصادي، وعالج الآثار التي ترتبت على القضايا المهمة كقضيتي الجنوب وصعدة قبل أن ينجح في قيادة مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي خرج في النهاية بمشروع الدولة الاتحادية بأقاليمها الستة كعلاج لكل عصبيات الصراع على السلطة والثروة.
مخرجات الحوار وبناء الدولة
وفي إطار أهم المحطات التي قام بها الرئيس هادي كانت المحطة الثانية والأهم في المرحلة الانتقالية انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي بدأ أعماله في العاصمة صنعاء في الـ18 من مارس/آذار 2013م بمشاركة 565 عضواً ليناقش مختلف قضايا البلاد المصيرية بما فيها إطلاق دستور جديد في البلاد.
وبحسب مراقبين فإن مؤتمر الحوار الوطني يعتبر من أهم الخطوات التي قام بها الرئيس هادي بعد توليه الحكم اختتم أعماله في 25 يناير/كانون الثاني من العام 2014م بأكثر من ألفي بند توزعت ما بين مخرجات ومقررات وتوصيات أبرزها إقرار تحويل البلاد من نظام الدولة البسيطة إلى النظام الاتحادي (الفيدرالي) لتصبح دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم والتمديد لهادي إلى حين إنجاز مسودة الدستور الجديد.
ويعتبر مؤتمر الحوار الوطني الذي شمل كافة مكونات المجتمع اليمني السياسية والمجتمعية والمستقلة أهم إجراء في اتفاق نقل السلطة المتمثل في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وعلى الرغم من الصعوبات والمعوقات التي اعترضته خرج بمخرجات جاءت متوازنة بشكل عام وإقرار الدولة اليمنية الاتحادية تم التوافق عليها من قبل كل المكونات السياسية بمختلف مشاربها وتوجهاتها.
مرجعية معينة
وفي ورقة بحثية قدمت في ندوة بتعز حول : “مخرجات الحوار كمرجعية للعملية السياسية وبناء الدولة” – اكدت أن الحالة التوافقية التي اعتمدتها قواعد مؤتمر الحوار الوطني كانت هي الآلية المنقذة التي أوصلت جميع المتحاورين إلى نصوص توافقية قابلة لأن يدافع عنها كل المكونات وتصلح لأن تكون العقل الجمعي المؤسس لبناء الدولة.
وأشارت إلى أن اليمنيين قبل الانقلاب والتمرد استطاعوا أن يتجاوزوا مرحلة الانتقامات عندما أرسوا من خلال الحوار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، واستطاعوا وضع معالجات للإقصاء والتهميش بوضعهم لقواعد الشراكة واستطاعوا وضع أسس الدولة ونظام حكم جديد ونظام انتخابي جديد يضمن شراكة اوسع في إدارة السلطة دون غلبة،كما استطاع اليمنيون وضع اسس نظام قضائي مستقل ومتخصص وتوزيع عادل للثروة والسلطة، ومن هنا تأتي أهمية بقاء مخرجات الحوار الوطني كمرجعية أساسية لأي عمل سياسي، لافته إلى أن مؤتمر الحوار الوطني الشامل نقطة مضيئة في التاريخ السياسي اليمني المعاصر ؛ نظرا للميزات التي تميز بها عن غيره من الحوارات السابقة، فلم يكن مؤتمر الحوار الوطني نخبويا منحصرا بين نخب سياسية (أطراف معينة)، بل شاركت فيه مختلف القوى والفئات الاجتماعية التي عكست وجه اليمن في تعدديته وتنوعه، والذي استند على قاعدة شعبية وانبثق عن مسار نضالي خاضه اليمنيون من خلال الحراك الجنوبي السلمي عام 2007 وحتى اندلاع الثورة الشعبية في 11 فبراير 2011م.
من جهتها قالت الدكتورة الفت الدبعي عضو مؤتمر الحوار إنه إذا كان الانقلاب الدموي على عمل سلمي كالحوار الوطني مثل وصمة عار على الانقلابيين للأجيال القادمة، فإن الحوار الوطني السلمي يستحق أن تتفاخر به الأجيال القادمة ونعيد له الاعتبار عبر تحويله إلى واقع معاش، وعكس مبادئه وأسسه في إدارة مؤسسات الدولة».
الانقلاب الكارثي
في الوقت الدي كان اليمنيون يستعدون فيه للاحتفال بالدستور الجديد الذي سينقلهم من مرحلة الأحلام التي رسمتها مخرجات الحوار ومسودة الدستور الجديد إلى واقع ملموس، كانت مليشيا الحوثي وشريكهم حينها صالح يستعدون ايضا للقضاء على تلك الاحلام رغم انهم كانوا ضمن مكونات مؤتمر الحوار.. وبالفعل قام المتمردون باجتياح عمران وصنعاء قبل أن يصوغوا اتفاقية السلام والشراكة التي اجبرت الاحزاب على التوقيع عليها ورغم التزام الاخيرين إلا ان المليشيا الحوثية وحليفهم صالح انقلبوا على الاتفاق ليستكملوا انقلابهم بسيطرتهم على كافة مؤسسات الدولة واجتياح المحافظات.
معركة استعادة الشرعية
لم يخن الرئيس هادي القسم الجمهوري ولم يفكر قط بالتخلي عن وطنه وشعبه رغم فقدانه لكل اوراقه ونقاط قوته باستثناء قوة وتأييد شعبه له وهي أقوى من كل شيء.. حيث استطاع الإفلات من الإقامة الجبرية التي فرضت عليه بمنزله بصنعاء وذهب لترتيب اوراقه ليعود من جديد للدفاع عن الشعب و الوطن والجمهورية ومشروع اليمن الاتحادي الجديد.. ليتمكن رغم غدر القريب وشحة الدعم أن يستعيد 80 % من مساحة الجمهورية وعمل على إعادة تطبيع الاوضاع في المناطق المحررة… بالمقابل ذهبت المليشيا لتوغل في الشعب قتلا ونهبا وتدميرا محاولة تركيع الشعب وحكمه بالقوة وعلى قاعدة “نحن الأوصياء والسادة وانتم العبيد “.. فخلال خمسة أعوام من انقلابها قتلت المليشيا عشرات الآلاف من المواطنين واعتقلت واخفت قسريا آلافا فضلا عن الدمار الذي الحقته بالبنى التحتية والمساكن والممتلكات العامة والخاصة ونهبها المتواصل لممتلكات الدولة والشركات والمواطنين.