عندما زار بنيامين نتنياهو سلطنة عُمان في عام 2018 في بادرة حسن نية لجيران إسرائيل، لم يلقى ترحيبًا عالميًا. فقد كانت الحفاوة التي استُقبل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي في دولة تفخر بكونها عربية في نظر البعض أمرًا غير مقبول. حيثُ وجه سؤالًا إلى وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله على قناة الجزيرة عن سبب السماح بالزيارة. وجاءت الإجابة التي انتشرت على نطاق واسع: “لماذا لا نسمح بها؟ هل يحرم علينا ذلك؟ إن اسرائيل دولة تقع بين دول الشرق الاوسط. ويجب علينا أن نبدأ في رحلة جديدة للمستقبل”.
هناك رواية جديدة بدأت في الظهور في الشرق الأوسط. حيثُ تتشكل عقلية جديدة، بينما تتلاشى الكراهيات القديمة. لقد كان جنون معاداة اليهود لتدمير إسرائيل قويًا في فترة الستينيات، إذ استخدمه الرئيس المصري ناصر لتوحيده مع رفاقه العرب. ولكن الآن، بدأت الدول العربية السُـنّية المجاورة في تغيير مسارها. إذ بدأ الزعماء الإسلاميون يفقدون جاذبيتهم – في الوقت الذي تشكل فيه إيران، بسمعتها الفاشية الدينية، تهديدًا لإسرائيل والعالم العربي على حد سواء.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة العرب الذين أعربوا عن ثقتهم في الأحزاب الإسلامية قد انخفضت بنسبة تزيد على الثلث منذ الثورات التي اندلعت عام 2011. حيثُ يقول ثلاثة أرباع العراقيين إنهم لا يثقون في الأحزاب الإسلامية على الإطلاق، كما أن عدد الشباب الذين يقولون إنهم ‘غير مُتدينين ‘ في ارتفاع. إن هذا الجيل يريد من القادة العرب أن يعملوا على زيادة الرخاء الاقتصادي والحد من النزاعات السياسية. وإقامة تحالفات، بما في ذلك مع إسرائيل.
لقد كان هذا “عام التسامح” في الإمارات. ففي شهر فبراير، احتفل البابا فرانسيس بقداس في الهواء الطلق أمام 170 ألف كاثوليكي، وهو أول بابا يزور شبه الجزيرة العربية. وفي إطار الاحتفال بزيارة البابا، أعلن ولي عهد أبو ظبي، عن بناء ” بيت العائلة الإبراهيمية ” في العاصمة الإماراتية: وهو عبارة عن معبد وكنيسة ومسجد داخل مجمع واحد، ومركز لتسليط الضوء على التاريخ ورمز للأمل في مستقبل جديد يُبشر بالتعايش.
في دبي، يمارس اليهود عباداتهم في كنيس منذ عدة سنوات. كما يحضر حاخامات من إسرائيل وأمريكا وأستراليا وأوروبا وهم يرتدون زي الحاخامات بالكامل مُنذ عامين مؤتمرات إسلامية دولية للسلام تُعقد سنويًا في أبو ظبي على يد عبد الله بن بية، وهو رجل دين مسلم معروف.
كما قاد ملك البحرين – حمد- طريقًا نحو علاقات أكثر انفتاحًا بين الإسلام واليهودية. ففي عام 2016 احتفل بمناسبة الهانوكا مع اليهود الأرثوذكس من نيويورك. مشاهد مدهش: يهود بلحى يعتمرون القبعات، ومسلمون يرتدون الكوفية والثياب، تجمعهم أغاني السلام. لقد أثارت هذه البادرة غير المسبوقة إدانة من جانب حركة حماس المدعومة من إيران، ولكن انتشرت تعليقات إيجابية على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي المقابل، قامت وفود السلام البحرينية بزيارة إسرائيل.
كانت هناك علامات على وجود نوع من الانفتاح الديني في السعودية. حيث بدأت رابطة العالم الإسلامي والتي تتخذ من مكة مقرًا لها بعقد اجتماعات مع منظمات يهودية مختلفة. وأشاد عدة مدونون سعوديون وشخصيات في تويتر واليوتيوب بإسرائيل باللغة العربية. وزار محمد سعود، الناشط في وسائل التواصل الاجتماعي، إسرائيل في شهر يوليو وتحدث بلغةٍ عبريةٍ طليقة تعلمها في الرياض. حيثُ أثار ذلك غضب الراديكاليين الفلسطينيين، الذين شجعوا الأطفال على قذفه بالحجارة – كما لو كانوا غاضبين من أن عالمهم القديم، بكراهيته المسيّسة، بدأ في التلاشي.
لقد لاحظت تغييرا في الرأي في رحلاتي الخاصة. حيث أقابل بانتظام المصريين وغيرهم ممن يرغبون بشدة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهم يقدمون ثلاثة أسباب لذلك. أولاً، كشفت أحداث الربيع العربي عن تعصب الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين ذوي الصلة، حيث ينظر إلى المتشددين الآن على أنهم يشكلون تهديدًا لكل من الإسلام كإيمان والمسلمين كشعب. وتعد داعش، النتيجة المنطقية للتطرف. والآن، بعد أن تم اختبار هذه العقيدة، فإنها مرفوضة على ما هي عليه.
ثانياً، أصبحت الحاجة إلى اتخاذ موقف حازم ضد إيران قضية توحد إسرائيل مع العرب السنة والمسلمين الشيعة المناهضين لطهران في العراق وسوريا ولبنان. ومن المعروف أن الملالي في طهران يدعمون حزب الله، المكرس لتدمير إسرائيل. لكنهم يستهدفون أيضًا البحرين والسعودية والعراق ولبنان وسوريا واليمن. لذلك، في مواجهة هذا التهديد الذي يشكله الإسلام الشيعي السياسي، الملتزم بتدمير الحكومات العلمانية الإسلامية وتصدير الإيديولوجية الثورية الشيعية، تعد إسرائيل جارة حميدة.
أخيرًا، والأكثر إثارة للاهتمام، أن الحكومات العربية المعتدلة تنظر إلى إسرائيل باعتبارها شريك تجاري وأمني بينما يرسل الغرب إشارات مختلطة. حيث تخلى باراك أوباما عن حلفائه العرب عندما واجهوا تهديدات من الإخوان المسلمين أو إيران. وتخلى عن الرئيس المصري حسني مبارك أيضًا. وعندما وقّعت أمريكا الاتفاق النووي مع إيران في نهاية فترة رئاسة أوباما، كانت إسرائيل وجيرانها العرب متحدين في الضجة. ولم يتم نسيان هذا الدرس في فقدان الثقة. وقال أحد الأمراء العرب مؤخرًا في اجتماع خاص: “من سينضم معنا في مهام مشتركة ضد الأهداف الإيرانية؟”
ومن جانبه، أبدى نتنياهو تفاؤله وقال “ما يحدث في الواقع مع الدول العربية لم يحدث قط في تاريخنا، حتى عندما وقعنا اتفاقات سلام”. بالطبع، هناك الكثير من التاريخ لتخطيه. حيث كان العالم العربي طوال 70 عامًا، مدفوعًا بجنون أيديولوجي معادي للسامية نتيجة إسرائيل. ولكن، قبل ذلك كان هنالك تاريخ طويل من التعايش والاحترام. وتم تكريم شعب إسرائيل مرارًا وتكرارًا في القرآن، مما يؤكد أن لليهود كل الحق في الاستقرار في القدس وحولها. وكان الخليفة عمر بن الخطاب، هو الذي دعا اليهود للعودة إلى القدس في عام 637م بعد خمسة قرون من نفيهم من قبل الرومان.
وهناك ما يكفي من الروايات التاريخية والنصوص الإنجيلية عن الأخوة الاسلامية اليهودية لتشكيل الأساس للتقارب. وليست هذه العداوة سوى ومضة بالنسبة للتاريخ. وفي ظل وجود إيران المتطرفة والغرب اللامبالي، فإن العرب واليهود لديهم مصلحة مشتركة في بناء تحالف دائم مع بعضهم البعض. وقد يكون هذا العقد عقدُ السلام.
نقلا عن مجلة “سبكتيتر”