وجع مضاعف تخلقه مليشيا الحوثي المتمردة المدعومة من إيران، للمواطنين في عموم مختلف المناطق والمحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها، بوضع يديها على الدواء، إلى جانب تضييقها الخناق على المأكل والمشرب والحريات.
انتشار غير مسبوق للأدوية المهربة والمقلدة في الأسواق التي تخضع لسيطرة المليشيا الحوثية، حيث تعرض آلاف المرضى لمضاعفات منها الفشل الكلوي جراء استخدام أدوية غير آمنة.
عناصر يتبعون مليشيا الحوثي تزايد مؤخراً نشاطهم في تهريب وتزوير علامة الأدوية وبيعها في الأسواق المحلية بأسعار مضاعفة، إلى جانب استمرارهم بابتزاز أصحاب صيدليات ومخازن الأدوية لدفع الإتاوات مقابل غض الطرف عن الأدوية المهربة والمزورة، التي يبيعونها بأسعار تفوق أسعار الأدوية الآمنة.
وتشهد بالتوازي مع ذلك أسعار الأدوية ارتفاعاً غير مبرر في السوق المحلية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة مثل أدوية القلب والسكر، والتي تجاوزت أسعارها %300 في العاصمة صنعاء، والمناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي.
وضمن هذا الوجع المضاعف أوعزت مليشيا الحوثي المتمردة للهيئة العليا للأدوية الخاضعة لسيطرتها بغض الطرف عن تهريب الأدوية إلى داخل اليمن، وترويج الأدوية المقلدة.
وهو ما كشفه مركز الدراسات والإعلام الصحي في دراسة له أن %95 من الأدوية المهربة والمزورة المتداولة في السوق اليمنية هي أصناف خاصة بعلاج الأمراض المزمنة، وتستحوذ الأدوية المهربة والمزوّرة على %30 من معروض الدواء في السوق المحلية.
ولفتت الدراسة إلى أن تهريب وتزوير الأدوية أصبح تجارة رائجة تحقق لأصحابها أرباحاً خيالية، وهذا ما دفع الكثير من أصحاب رؤوس الأموال إلى تغيير نشاطهم التجاري السابق، والالتحاق بقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية والمتاجرة بهذه السلع بطرق غير شرعية لإغراق السوق الدوائية المحلية بكميات هائلة من الأدوية المزورة والمهربة، في ظل تواطؤ مليشيا الحوثي.
احتجاز ونهب
وتحتجز مليشيا الحوثي الانقلابية شاحنات محملة بمحاليل خاصة بمركز الغسيل الكلوي، في نقاط عدة لها على مداخل المدن الخاضعة لسيطرتها.
كان آخرها منع مليشيا الحوثي الانقلابية أربع شاحنات دوائية إغاثية من الوصول إلى إب قادمة من عدن، مُحمّلة بمحاليل خاصة بمركز الغسيل الكلوي التابع لهيئة مستشفى الثورة بالمدينة، حيث احتجزتها الميلشيا في حوش الجمارك بمنطقة ميتم، مطالبة مقابل الإفراج عنها مبالغ مالية كبيرة.
كما احتجزت مليشيا الحوثي الانقلابية كميات الأدوية المقررة ضمن الحصص الرسمية لمحافظة إب، والمخصصة لمرضى السرطان.
ونفد من المخزون الدوائي لمرضى السرطان في المحافظة %50 من الأدوية الخاصة بمعالجة مرضى السرطان في مركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة إب.
وتضاعف المليشيا معاناة المرضى من خلال منع دخول شحنات الأدوية الخاصة بمعالجة مرضى السرطان إلى مدينة إب، واحتجازها في المنفذ الشرقي لمدينة إب، مطالبة بدفع مبالغ مالية كبيرة مقابل السماح بدخولها.
ويواجه أكثر من ثلاثة آلاف مصاب بالسرطان، في مختلف مديريات محافظة إب خطر الموت جراء اقتراب نفاد الأدوية والمحاليل الكيميائية في المركز الوحيد المتخصص لعلاج الأورام بالمحافظة والتابع لفرع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.
وعمدت المليشيا الحوثية خلال الفترات السابقة إلى المتاجرة بأدوية مخصصة للأمراض المستعصية والمقدمة مجاناً للمرضى، وتبيعها في السوق السوداء حيث وهي أدوية باهظة الثمن.
وكانت وزارة الصحة العامة والسكان بالعاصمة المؤقتة عدن قدمت عبر الإمداد الدوائي كمية كبيرة من الأدوية والمستلزمات الصحية الخاصة بعلاج مرضى السرطان لمركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة إب إثر مناشدات أطلقها المركز لإنقاذ حياة مئات المرضى، وهي الشحنات التي تحتجزها المليشيا.
وتصارع معظم عائلات المرضى بإب لتوفير تكاليف العلاج بما فيها الأدوية باهظة الثمن، وتكاليف السكن والمواصلات بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشة للمواطنين وغلاء الأسعار.
ومنذ قرابة 25 يوماً ومليشيا الحوثي الانقلابية ترفض إدخال أدوية مرضى السرطان رغم محاولات عديدة ووساطات عليا تجري قوبلت كلها برفض تام وكلي من قبل قيادات حوثية رفيعة في إب مطالبين بدفع مبالغ مالية كبيرة مقابل السماح بدخولها.
وتتعرض شحنة الأدوية الخاصة بمعالجة مرضى السرطان في محافظة إب، للتلف نتيجة بقائها في المنفذ الشرقي لمدينة إب منذ أبريل الماضي تحت الشمس والمطر، ودرجة حرارة تؤثر على جودة وصلاحيات تلك الأدوية.
ويبلغ عدد المصابين بالسرطان في محافظة إب 3150 شخصاً بينهم 400 طفل و800 نازح من محافظات أخرى، يستقبل مركز الأمل لعلاج الأورام نحو 50 حالة منهم يومياً، ويعانون ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، جراء توقف الدعم المخصص للمركز.
شرعنة التهريب
بالمقابل شرعنت مليشيا الحوثي عمليات تهريب الدواء في اليمن، ووجهت السلطات الصحية الخاضعة لسيطرتها بتشجيع ملاك الصيدليات على توفير الدواء عن طريق التهريب لسد النقص الحاد في سوق الأدوية.
ويشهد تهريب الدواء انتعاشاً، حيث تشيع تلك العمليات عبر السواحل الغربية والشرقية لليمن وعبر منافذ برية، من خلال تجار التجزئة، أو من يطلق عليهم «تجار الشنطة».
إلى ذلك أنشأت مليشيا الحوثي المتمردة معامل تزوير خاصة بالأدوية الإيرانية المنتهية والممنوعة، حيث كثفت مليشيا الحوثي من نشر معامل مجهزة في صنعاء تتولى توزيع أدوية إيرانية منتهية الصلاحية تم تخزين كميات كبيرة منها في مخازن داخل العاصمة ومدينة ذمار وسط اليمن.
وتؤكد مصادر طبية في العاصمة صنعاء أن تلك الأدوية تنقل بحراً إلى ميناء الحديدة ومنه إلى صنعاء، حيث تقوم المليشيا الحوثية تحت إشراف قيادات نافذة بتغيير تواريخ صلاحيتها وتوزيعها على سوق الدواء بالمحافظات اليمنية على اعتبار أنها أدوية سليمة.
وقالت المصادر: إن فرقاً طبية حوثية يشرف عليها المدعو طه المتوكل، تقوم كذلك بتحديد أصناف من الدواء مرتفعة الأسعار، وإبلاغ شركات إيرانية بتصنيع كميات منها بمستوى جودة متدنٍ تستفيد العناصر الحوثية من فوارق أسعارها في السوق المحلية.
ومن خلال حوثنة مؤسسات الدولة منذ انقلابها في 2014م بما فيها القطاع الصحي حاربت المليشيا كبريات الشركات المستوردة للدواء المعتمدة؛ كوكلاء لشركات عالمية، وأرغمتها على وقف نشاطها لتقوم هي بالعمل بديلا عنها، وتأسيس شركات وهمية واستيراد أدوية من طهران رديئة المواصفات.
وذكرت المصادر أن الحال وصل بمافيا المليشيا الحوثية إلى تزوير منتجات بمواصفات جودة عالمية معروفة عبر مخاطبة معامل في الهند وإيران تستنسخ منتجات طبية ومستلزمات أطفال.
أدوية مغشوشة
ترتكب مليشيا الحوثي المتمردة انتهاكات جسيمة بحق المواطنين ستؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض، حيث أقرت الميلشيا أدوية بديلة هي مسكنات غير معروفة المصدر ولا تعالج الداء.
وأغرقت المليشيا الحوثية السوق بالأدوية البديلة المغشوشة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم لهثاً وراء المال الذي تتم جبايته عينياً أو مالياً تحت مسميات مختلفة ولو على حساب صحة المواطنين مع العمل على محاربة الشركات العالمية الأصلية في السوق اليمنية.
وفي حين يتم فتح الكثير من الوكالات التابعة لموالين للمليشيا الحوثية، أو ممن يدّعون صلتهم السلالية بزعيمها، عملها إدخال أدوية رديئة وأقل جودة من الأصناف المشابهة لها، وهي تضر بالصحة والاقتصاد المحلي، فضلاً عن قيام هيئة الحوثيين بابتزاز وكلاء وتجار الأدوية المعتمدين.
وتعمد الهيئة الحوثية إلى تسجيل الصنف الدوائي لديها مقابل مبالغ مالية كبيرة تصل إلى مئات الملايين، وبعد توريد المنتج الدوائي تقوم وزارة الصحة بدورها بممارسة عمليات الابتزاز الممنهجة على تاجر الصنف أو الوكالة، وإذا لم يستجب تقوم الوزارة بمصادرته من السوق، ومن ثم بيعه في مناطق وصيدليات تابعة للمليشيا، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار هذه الشركة أو الوكالة، بغض النظر عن قيمة منتجها وأهميته.
وتعارض المليشيا الحوثية وضع تسعيرة ثابتة ومنطقية تراعي من خلالها الأوضاع الاقتصادية لليمنيين، حيث تقوم بعمل تسعيرة وهمية لكسب تعاطف المواطن باتجاه ملاك الصيدليات في حين أنه لا توجد أي تسعيرة حقيقية للأدوية؛ لأن ذلك- حسب قول العامل- سيقلص من عملية ابتزاز المليشيا لهذا القطاع الحيوي.
وبحسب مصادر طبية يتم إعداد جميع قوائم الأدوية حسب مزاج المليشيا واحتياجات الجبهات وليس حسب احتياجات المواطنين، كما يتهمون الهيئة الحوثية بالابتزاز عند تسجيل ومنح تصاريح الاستيراد والمرور، وكذا آلية تسجيل الأصناف الدوائية والرقابة على الأسواق.
وحسب إحصائيات الهيئة العليا للأدوية الخاضعة للحوثيين؛ فإن فاتورة شراء الأدوية في عام 2018م من الخارج بلغت نحو 65 مليار ريال (الدولار بنحو 550 ريالاً)، حيث يتم استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية من أكثر 20 دولة.
وفي إحصاء لنقابة ملاك الصيادلة؛ فإن هناك 5 آلاف صيدلية رسمية من إجمالي 18 ألف صيدلية تعمل في اليمن، ويصل عدد الأدوية المسجلة في اليمن إلى 20 ألف صنف، ومردّ هذا العدد الضخم من المنتجات في اليمن إلى التساهل في التسجيل، وعدم وجود معايير تضبط هذه الفوضى واستشراء الفساد، بل والجشع وإغراق السوق بمئات البدائل المماثلة لدواء واحد في السوق اليمنية، وفق ما يقول الصيادلة.
ووفق منظمة الصحة العالمية؛ فإن «16.4 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة لضمان حصولهم على خدمات الرعاية الصحية في اليمن، إذ تعمل %50 من المرافق الصحية فقط، كما تواجه نقصاً حاداً في الأدوية والمعدات والأطقم الطبية وانعدام النفقات والميزانيات التشغيلية».
وتشهد سوق الدواء في اليمن غلاءً فاحشاً بسبب الإتاوات والجبايات التي تفرضها مليشيا الحوثي بدءاً من رسوم الجمرك مروراً بإتاوات مكاتب الصحة الخاضعة للمليشيا وجبايات الوزارة الحوثية في صنعاء، وابتزاز الضرائب ونهب المشرفين الذين يتناوبون على نهب هذا القطاع المهم.
مأرب.. إتلاف مستمر للأدوية المغشوشة
إلى ذلك يواصل مكتب الصحة العامة والسكان بمديرية مدينة محافظة مأرب شمال شرقي البلاد، تنفيذ الحملات المفاجأة على شركات ومخازن الأدوية في المديرية للتفتيش عن الأدوية المهربة والمنتهية وتصحيح الوضع القانوني.
وقال مصدر في الصحة لــ«26 سبتمبر»: إنه وأثناء النزول الذي كان برئاسة الدكتور علي ضيف الله السعيدي فوجئنا بوجود أدوية تحتوي على مواد مخدرة كبيرة، وتمت مصادرتها، وكذلك مصادرة كمية كبيرة من الأدوية المهربة والمنتهية، وكذلك وجود شركات ومخازن لا تحمل التراخيص اللازمة لمزاولة المهنة، مؤكداً أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وأشاد بالدور الذي قام به رجال الأمن وإسهامهم البارز في إنجاح عملية التفتيش، وضبط المخالفين لأوامر الدولة.
وأوضح مدير مكتب الصحة العامة والسكان بمديرية مدينة مأرب الدكتور علي ضيف الله السعيدي أنه تم النزول إلى الآن إلى 65 منشأة من صيدليات وعيادات ومخازن أدوية، ووكلاء لشركات ومستوصفات طبية.
وذكر السعيدي أن الكمية المضبوطة من علاجات منتهية الصلاحية وتالفة حوالي 5 اطنان متنوعة الأصناف، مخالفة الوضع القانوني، فيما عدد المنشآت التي بدون تراخيص 31 منشأة، و12منشأة منتهية تراخيصهم.
وأكد عن وجود أدوية منتهية وأخرى قريبة الانتهاء، وأدوية تؤدي إلى الإدمان، في 29 منشأة.