على اليمني أن يتحمل آفة الفقر والمرض إلى جانب مصيبة الحرب التي تطحن برحاها البلد الذي لم يعد «سعيداً» منذ زهاء 20 شهراً عندما انقلب المتمردون الحوثيون وحليفهم المخلوع على شرعيته وأمنه وأمانه، وأصبح اليمنيون في وضع أشبه بتحالف الانقلاب مع الكوليرا.
ويواجه اليمنيون وحدهم خطر الكوليرا الأشد فتكاً بحياتهم، دون أن تتمكن الجهود المضنية لمكافحتها من جانب المنظمات الدولية والمحلية، والجهود الرسمية المتواضعة.
حالات الإصابة بالكوليرا تتزايد في اليمن مع مرور كل يوم، لترتفع لتسجّل حتى منتصف ديسمبر الجاري ما يزيد على 10,148 حالة اشتباه بالمرض مقارنة بسبعة الآف حالة اشتباه مطلع الشهر، فيما تأكد مخبرياً إصابة نحو 156 حالة، ووفاة 92 حالة في 15 محافظة.
تحمل علي سعيد مشقة البحث عن مرفق صحي يوجد به ولو قدر بسيط من العناية ومضادات لوباء الكوليرا الذي أصيب بها الشهر الفائت بمسقط رأسه في قرية نائية بالحديدة. وتجشم عناء السفر تاركاً أطفاله بغية الحصول على العلاج الذي لم يجده في مشافي منطقته، لعله يجده بمشافي العاصمة التي داهمها الوباء في أكثر من منطقة.
بيئة مدمرة
أتت الصراعات المسلّحة في اليمن وما تفرضه من آثار سلبية على النظام الصحي الفقير بالأساس لتخلق بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية والأوبئة التي انقرضت من معظم دول العالم كالكوليرا والحصبة وأمراض سوء التغذية بين الأطفال والكبار على حد سواء.
فوفق إحصاءات صحية أطلقتها منظمة اليونيسف في اليمن فإن ما يزيد على 54% من المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية باتت خارج الخدمة أو تعمل بشكل جزئي. وقد ساهم ارتفاع معدلات الأوبئة الناتجة عن الحرب في انتشار أمراض الحرب، وتردي الخدمات العامة والصحية.
وأشارت تقارير رسمية إلى أن أبرز المصادر المسببة للأوبئة التي تفتك باليمنيين تلوث المياه إلى جانب تراكم القمامة وتعطل خدمات الصرف الصحي وتدهور القطاع الصحي نتيجة انشغال أجهزة الدولة المفككة بالمواجهات المسلّحة وإهمال الخدمات العامة.
تحذيرات دولية
وحذرت منظمة اليونيسف في اليمن من تفشي وباء الكوليرا في اليمن الذي بات يهدد كل المحافظات بعد أن ازداد عدد حالات الاشتباه بالإصابة بالمرض إلى ما يزيد على 10 آلاف حالة، مؤكدة أن الوباء ضرب أغلب المدن اليمنية.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية في اليمن أنه ما لم يتم الاستجابة العاجلة لمواجهة الوباء فمن المحتمل أن نكون أمام 76 ألف حالة في معظم المحافظات. وأشارت إلى أن أكثر من 7.6 ملايين شخص يعيشون في مناطق متأثرة بالمرض كما أن نحو 3 ملايين نازح خاصة من النساء والأطفال معرضون لخطر الإصابة في ظل الظروف الصحية والإنسانية المتفاقمة والصعبة.
وناشدت الصحة العالمية بتوفير دعم عاجل للحيلولة دون انتشار وباء الكوليرا والإسهال المائي الحاد في اليمن يقدر بـ22 مليون دولار لتنفيذ خطة مكافحة الكوليرا لمجموعتي الصحة (الذي تقوده الصحة العالمية) والمياه والإصحاح البيئي (الذي تقوده اليونيسف).
تحديات كبيرة
وقال الناطق باسم اليونيسف في اليمن محمد الأسعدي لـ «البيان» إن القطاع الصحي يواجه تحديات جمة تتجاوز عدم قدرة الحكومة على توفير النفقات التشغيلية أو إعادة تأهيل المرافق الصحية التي تعرضت للأضرار أو دفع أجور العاملين في القطاع أو توفير الأدوية الأساسية. وأضاف: «لدينا مخاوف من أن يتداعى النظام الصحي في اليمن ما يهدد حياة ملايين الأطفال والنساء»، مؤكداً أن أكثر من 7 ملايين طفل لا يحصلون على الخدمات الصحية الأساسية، فيما يحتاج نحو 4.5 ملايين طفل (تحت سن الخامسة) للقاحات المنقذة للحياة والتي توفرها «اليونيسف» منذ تصعيد الصراع في مارس 2015، والتي توفرها «اليونيسف» حالياً.
وأضاف أنه من دون تكاتف الجهود الدولية والمحلية لتفادي أخطار انتشار الأوبئة في اليمن وعلى رأسها الكوليرا فإن الوضع الصحي على شفا كارثة حقيقية قد تمتد إلى بلدان مجاورة.
مضاعفة البؤس
يقول الأسعدي «يضاعف هذا الوباء بؤس الملايين من الأطفال في اليمن». ويضيف «ندعم المرافق الصحية لعلاج حالات الكوليرا واحتواء الوباء بالتنسيق مع السلطات الصحية ومنظمة الصحة العالمية- كما ندعم مؤسسة المياه وفروعها بالمحافظات بتنقية مصادر المياه وتوزيع أقراص الكلور على المواطنين في المناطق التي تم رصد فيها حالات كوليرا إلى جانب دعم صناديق النظافة والبلدية لفرع المخلفات وأطلقنا حملات توعية واسعة النطاق».
دعم علاجي
وكانت اليونيسف نقلت جواً إلى صنعاء أكثر من 25.5 طناً من الدعم العلاجي لمواجهة مجموعة أمراض الإسهالات المائية الحادة والكوليرا وتشمل أدوية تُعطى عن طريق الفم وسوائل طبية علاوة على محلول الإرواء (ORS) وتكفي هذه الكمية لعلاج 7500 حالة كوليرا شديدة ومتوسطة الإصابة وتم توزيع المخزون على كافة المحافظات المتضررة بالوباء. كما وزعت المنظمة عشرات الآلاف من حقائب النظافة الصحية والتي تحتوي على الصابون والمناشف والشامبو ومسحوق الغسيل.
وتقدم اليونيسف الإرشادات التوعوية للجمهور حول كيفية الوقاية من الكوليرا من خلال استخدام المياه من مصادر آمنة ومعالجة المياه المخزنة في المنازل، والحفاظ على مستوى عال من النظافة الشخصية ونظافة البيئة المحيطة بالسكان، والحصول على المساعدة الطبية في أقرب وقت في حال إصابة أي فرد من أفراد الأسرة بالإسهال أو أي من الأعراض الأخرى. وتعمل اليونيسف وشركاؤها لوضع قياس دقيق لمستوى تفشي المرض. ما لم يتم علاج هذا المرض، يمكن أن يتسبب في وفاة الحالات شديدة الإصابة، ويمكن أن تقتل الكوليرا ما نسبته 15 بالمئة من المصابين بها في غضون بضع ساعات.
عرقلة
قال الناطق باسم منظمة اليونيسف بسمارك سوانجين، إن مليشيات الإنقلابيين، تعرقل عملية وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن في محاولة للسيطرة عليها. وأكد المسؤول الدولي أن العديد من المرافق الصحية في المناطق الشمالية والساحلية التي تخضع لسيطرة المليشيا، تواجه نفس المأزق. وأشار سوانجين، إلى أن العديد من المستلزمات الضرورية في البلدان المجاورة لعدة أشهر في انتظار موافقة من ميلشيا الحوثي.