الاحتفاء بالذكرى الـ 56 لثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة، هي مناسبة عظيمة ومحطة مفصلية في استذكار أحداث نضالات شعبنا اليمني الأبي ورعيل أبطال الحركة الوطنية، والتضحيات الكبيرة التي قدمها اليمنيون الأحرار الرافضون للمحتل البريطاني، ومقاومة سياسته ومخططاته الهدامة والتدميرية للأمة والأوطان.
كما أن الاحتفاء بهذه المناسبة الغالية على عامة اليمنيين ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ينبع من عظمة هذه الثورة وتلك البطولات التي سطرها المناضلون الفدائيون خلال معارك تحرير جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني وبراثنه وأدواته المحلية والإقليمية التي تماهت في بعض الأحيان مع مشاريع ومخططات المستعمر، التي فشلت أمام صمود وبسالة الشعب اليمني الحر، ومعهم أحرار الوطن العربي، ليرحل المستعمر البريطاني مدحوراً غير مأسوفا عليه في الثلاثين من نوفمبر 1967م، وفي هذا اليوم تمكن الاستقلال الناجز وانتصار الشعب اليمني، وهزيمة المستعمر و مشاريعه التمزيقية التفتيتية، وأدواته المتلونة الوجوه واللاهثة وراء المصالح الشخصية الضيقة على حساب ثروات الشعوب.
جاءت شرارة الثورة الأكتوبرية التي انطلقت يوم 14 أكتوبر1963، بعد نضالات طويلة خاضها الشعب اليمني في مقاومة المخططات والمشاريع المستعمر البريطاني الذي هدف منها إلى إضعاف قوة اليمنيين وتمزيق وحدتهم الاجتماعية والجغرافية من خلال إيجاده الكنتونات الهزيلة وتنصيب أدوات محلية مطيعة ومرتهنة للمستعمر ومؤتمرة بأمره لإدارتها.
ظل الاستعمار البريطاني طوال فترة احتلاله لجنوب اليمن، يسعى إلى تجريد اليمني من حقه في الانتماء التاريخي لجغرافيا وطنه الطبيعي ووحدة نسيجه الاجتماعي، وانتزاع هوية اليمني من يمنيته، والباسه هوية شاذة لا أصل لها، هويات دخيلة على اليمنيين ويمنيتهم الضاربة جذورها في قدم الأزل.. إذ اتبعت سلطات الاحتلال البريطاني من وقت لآخر سياسة المستعمر و فرضها على اليمنيين مشاريع التفريق والتمزيق.. لكن جميعها فشلت أمام إرادة اليمنيين الرافضة لأي توجهات وسياسات تضعف من قوتهم وتستهدف هويتهم اليمنية العربية الأصيلة ووحدتهم الوطنية التليدة.
انتهج المستعمر بالتنسيق مع أدواته المحلية من الإماميين والمتمصلحين، في اليمن عموما، وجنوب الوطن على وجه الخصوص ( سياسة فرق تسد)، التي عملت بها الإمامة في شمال الوطن مع إضافتها قاعدة أخرى أكثر منها دناءة ووضيعة في المرتبة واللفظ والسلوك، ما يعكس مدى الانحطاط الأخلاقي والقيمي لحكام الإمامة الذين تناغموا مع المستعمر وتطبيق سياساته مع إضافتهم سياسة: (جوع كلبك يتبعك) في الشمال.
إذ جرب الاستعمار البريطاني، فرض مشاريع عدة لتمزيق وحدة اليمن، ابتداء من مشروع عدن للعدنيين، مرورا بمشروع المحميات والسلطنات والإمارات؛ وتقسيم جنوب اليمن إلى 23 محمية وسلطنة ومشيخة وإمارة، وصولا إلى مشروع اتحاد الجنوب العربي.
و رغم تماهي البعض من المتمصلحين والمسترزقين كأدوات يحركها المندوب السامي البريطاني مع تلك المشاريع الاستعمارية، كما هو حاصل اليوم من استجابة من قبل مليشيا الانتقالي والحوثيين التي ما فتئت تتنافس على تنفيذ ما فشل المستعمر البريطاني قديما في فرضه على اليمنيين من مشاريع تمزيق وتفتيت لليمن وشعبه.
دأب المستعمر البريطاني على فرض مشروعه التمزيقي لأرض اليمن ووحدته الاجتماعية والإنسانية بهدف الوصول إلى مآربه الفاشية وتحقيق أطماعه الاقتصادية ونهب ثروات اليمن الطبيعية واستغلال موقعه الطبيعي- الجيوسياسي.
ها هو اليوم المستعمر البريطاني يعيد الكرة لفرض مشروعه الاستعماري القديم الجديد على اليمن، ولكن عبر وكلاء حصريين إقليميين- الإمارات وإيران- ومن خلال أدوات محلية تتجسد على الأرض بمليشيا المجلس الانتقالي وجماعة الحوثيين كوكلاء محليين للمشروع الإماراتي الإيراني في اليمن.
لم يقرأ الوكلاء الجدد المشروع البريطاني في اليمن وأدواتهم- عيال الإمارات- تاريخ اليمن جيدا، أو أنهم لم يفهموا قراءته، أو أنهم يتغابون فهمه بالكلية- إن مثل هذه المشاريع المستهدفة لليمن ووحدته، فشل المستعمر الأول والأكبر لمعظم سطح الكرة الأرضية، تمريرها على الشعب اليمني وهو في أوج عزته وقوته وانفراده، بامتلاك جيشا مدربا ومسلحا بأحدث ما توصلت تكنولوجية “سباق التسلح”، رغم النفوذ والقواعد العسكرية البرية والجوية والأساطيل الحربية التي يمتلكها حينذاك.
لكنه مع كل ذلك فشل بالأمس القريب من تمرير هذه المشاريع على اليمنيين وهم لا يمتلكون شيئا مما يمتلكه المستعمر البريطاني عدا امتلاكهم الإرادة والعزيمة والكرامة والإباء والاعتزاز بيمنيتهم وحريتهم، وبذلك هزموا المستعمر ومخططاته التفتيتية وغيبوا إمبراطوريته عن الشمس.
فكيف بمقدور المستعمر البريطاني ووكلائه المحليين والإقليميين معا، أن يمرروا اليوم، تلك المشاريع التي يراد منها تحويل اليمن التليد والكبير بتاريخه وجغرافيته وإنسانيته العظيمة إلى كنتونات مناطقية وسلطنات سلالية طبقية، وإمارات مشيخية كإماراتهم المتولدة حديثا في الساحل العماني؟!
إذ أن المشروع التمزيقي في اليمن الذي تسوق له مشيخة الإمارات- هي نفسها خليقة مشروع المستعمر- فشل من سبقوهم في فرض اتحاد إمارات الجنوب العربي على اليمن، ولكنه نجح من خلقه في الساحل العماني، في منتصف السبعينيات؛ ليكون خنجرا مسموما في خاصرة جسد الأمة العربية، وشوكة في حنجرة خليجها، وورم خبيث ينهش في جسدها ووحدتها الصلبة.
وعلى ذلك يتوجب على من يحلمون بعودة مشاريع المستعمر القديم الجديد، أن يعتبروا من فشل سابقيهم في تجريب هذه المشاريع التمزيقية التي لابد لها أن تنكسر وتنهزم أمام إرادة اليمنيين وصلابتهم الجسورة، كما هزمت في الأمس القريب.. عليهم أن يعودوا إلى قراءة كتب التاريخ ومدونات نضالات اليمنيين ضد مستعمر الأمس، ومقاومة مشاريعه التي تعددت بعدد إماراتكم يا هؤلاء، فلا تركنوا إلى أوهام مستشاريكم، وادعاء أغبيائكم أن تاريخكم سابق للعصر البرونزي، فلا تأمنوا لخداع مستشاريكم ولا تركنوا إلى ما أتاكم به الفضائي “هزاع” من رحلته السياحية وادعائه أنه وجد هناك في سطح القمر البعيد- معالم لنخيل البادية، وأنه قد اكتشف أشياء كثيرة لأول في الأرض والفضاء، اكتشف أن الأرض كروية وأقسم أنه شاهدها بأم عينيه، أنها كروية، كما أنه وجد على سطح القمر آثار أقدام لبعرانكم.
عليكم يا هؤلاء ألا تنسوا أن ترجعوا قليلاً إلى الوراء وستعرفون أن كل المشاريع التي أنتم في صدارتها قد حاول المستعمر البريطاني فرضها على اليمن قبل قرنين من الزمن وعلى مدى عشرات العقود من احتلاله لجنوب اليمن وفشل في تحقيقها؛ لأنها مشاريع ضد إرادة اليمنيين ومصالحهم، وتعارض خليقة الكون اليمني ومشيئة الخالق، فلا تتعبوا أنفسكم وتبددوا الأموال التي تجنونها من مصادر مشبوهة المشروعية.