سبتمبر نت
عثمان أحمد في الـ24 من عمره، مهاجر أثيوبي، تمكن قبل أشهر من الهرب من أحد أماكن الاحتجاز في مدينة عدن جنوب البلاد, هرب هو و600 من المهاجرين الأفارقة كما قال، أغلبهم من الشباب والأطفال, وعند الهروب لم يستطع البقاء مع مجموعته, التي رحلت معه من أحد الموانئ الجيبوتية, إلى قبالة ساحل محافظة لحج اليمنية، يقول: بقينا 8 أفراد, البقية تم القبض عليهم مرة ثانية في مكان قريب منهم تم نقلهم أمام أعيننا على متن أطقم عسكرية, لنواصل رحلتنا بعدها وسط تحذير لنا بأنه سيتم تجنيدنا.
عثمان تحدث لصحيفة «26 سبتمبر»: بأن تجميعهم غير المتوقع واحتجازهم في أماكن لا توجد فيها أي خدمات, حتى الأكل والشرب, جعلهم يتوجسون حينها, وقال: إن بعضهم حين ألقوا القبض عليهم تم ضربهم, وكانوا يسمعون اللعنات وأنه بدلاً من التجنيد مع الحوثيين, سيتم الاستفادة منهم, واستخدامهم كمقاتلين»، وهو ما عزز شعورهم بضرورة الهرب, وأن من وضعهم في مكان الاحتجاز انتهى عمله, ليأتي غيره ليأخذهم، لذا لم ينتظروا كثيراً، ولم يطلبوا حتى الطعام أو الشراب.
مضى عن هروبه من «عدن» أربعة أشهر ليصل إلى مدينة مأرب، يقول: إن مصيره هو الأفضل، يعيش من أعمال بسيطة واستطاع الإرسال إلى أسرته في منطقة (جما) بأثيوبيا، لكن مصير من فقدهم في رحلة الهروب هو ما يقلقه، ينتظر منهم أية معلومة ليعرف أين اتجهوا، لأن من تم ترحيلهم إلى بلدهم لا يتجاوز 120 شخصاً كما سمع، بينما البقية مصيرهم مجهول، وهناك طريقة متعارفة للتواصل فيما بينهم، عبر أشخاص لهم فترة في القدوم إلى اليمن والعودة، ممن يتم التنسيق معهم قبل خروجهم في رحلة البحر الخطرة، ما يخافه «عثمان» بأن زملاءه قد تم اقتيادهم إلى معسكرات الإمارات، لتدريبهم ومن ثم القتال في الساحل الغربي، أو حتى استخدامهم في معسكراتها، وهو كان الشائع في أوساطهم بعد وصولهم إلى محافظة عدن، في أواخر العام الماضي.
تخطيط إماراتي
وعند سؤاله عن رحلاتهم إلى اليمن، هل كلها منظمة وتشمل كل المهاجرين؟ أكد عثمان أن أحداثا مريبة ترافقهم في رحلتهم عبر البحر، فهناك مجموعات تظل منفردة، يتم إنزال بعضهم على دفعات في قوارب، وهو ما يشير إلى صحة المعلومات عن وصول مرتزقة إلى اليمن تابعين للإمارات، أو تجندهم من أجل مساندة ميليشياتها بعد انقلابها على الشرعية في اليمن.
استغلال
وظهرت تحذيرات مسبقة من استغلال المليشيا والأجندة الإماراتية والإيرانية في اليمن، من استغلال قضية اللاجئين الأفارقة في اليمن، والتي بدأت منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، والميزة التي يتم التعامل معهم في اليمن، وكأنهم مواطنون يمنيون، إذا لا يتم التعرض لهم نهائياً عكس ما هو متعارف عليه في كثير من الدول، فاستغلت الإمارات وإيران معاً كما تقول تقارير، لأنهم يعلمون بأن لا أحد سيعمل على تقييد حريتهم، إضافة إلى استغلال نفوذهم عبر أذرعهم المليشياوية المسلحة، بكيفية استغلال الهاربين من الموت إليه، أو جعلهم يصلون بأعداد كبيرة لتغطية أفواج أخرى تصل وهي مدربة تدريباً عسكرياً كاملاً.
تنبه حكومي
واستشعرت الحكومة الشرعية الخطر المحدق باللاجئين، وطالبت في وقت سابق الأمم المتحدة بالتدخل من أجل احتوائهم، وتكثيف البرامج الكفيلة بتقليص نسبة تدفقهم، وعمل الحلول اللازمة لتقليل نسبة تنامي هذه الظاهرة، حسب ما نقلت وكالة سبأ في أبريل الماضي عن وزير الإدارة المحلية «عبدالرقيب فتح» الذي دعا أيضاً المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لمساندة الحكومة اليمنية والإسهام في تجهيز مخيمات إيواء مخصصة، لما فيه مصلحة اللاجئين وحتى لا يتم استغلالهم من قبل الحوثيين للإضرار بأمن البلاد، في إشارة لإمكانية تجنيدهم كمرتزقة.
فرق
سليمان عبدالسلام والذي اشتغل مع فريق لإعداد تقارير حقوقية خاصة باللاجئين في اليمن، وبحكم خبرته يشير إلى أن هناك فرقاً بين تدفق المهاجرين في السنة الأخيرة والسنوات الماضية، أي قبل 2015، أكثر الذين يصلون لا تبدو عليهم آثار اللجوء، أو حتى الاضطهاد، ولا تعنيه أن تستقبلهم المنظمات هنا في اليمن، ما يريده فقط أن لا يعترض أحد طريقه، ولا يستبعد سليمان بأن تكون الإمارات استثمرت هذه الموجة من اللجوء، أو أنها من خططت لها بحكم تواجدها المؤثر في بعض دول القرن الأفريقي، إلا أنه يستدرك بأنه في الأول والأخير لاجئون ويحتاجون التعامل الإنساني معهم.
تساهل إماراتي
ويرى متابعون أن حجم الأعداد الكبيرة التي تصل إلى اليمن من المهاجرين، يدل على أن هناك تساهلاً خصوصاً من قبل البحرية الإماراتية لتغطية استقدامها لمرتزقة تم تدريبهم في قواعدها العسكرية في دولة إرتيريا، وأن المهاجرين يصلون إلى جزر في البحر، ثم يهربون بقوارب صغيرة إلى السواحل القريبة، يؤكد ذلك تقارير سابقة تحدثت عن القوات الإماراتية البحرية وتسهيلها، إذ لم تعترض ما يزيد على 15 ألف مهاجر إفريقي، معظمهم من الجنسية الإثيوبية، خلال فترة لا تتجاوز أسبوعين.
شكوك
وأشار عبدالسلام في إطار حديثه لصحيفة «26 سبتمبر» إلى أن اللاجئين الأفارقة أغلبهم من الشباب، قدموا عبر باب المندب من شمال جيبوتي، مستقلّين زوارق تابعة لمهربي البشر الذين أوصلوهم إلى جزيرة ميون وجبل الشيخ سعيد، ومن ثم نُقلوا عبر زوارق صغيرة إلى سواحل رأس العارة وخور عميرة في محافظة لحج، مبيّناً أن معظم هؤلاء اللاجئين من الذكور، وفي سنّ الشباب، وكانوا يحملون حقائب من نوع واحد، لافتاً إلى أن اهتمام القوات الموالية للإمارات بهم أثار الشكوك والمخاوف من مغبة إقدامها على تحويلهم إلى مليشيات مسلحة للقتال معها.
الحزام الأمني والعنف على المهاجرين
مع ذلك لم يسلم المهاجرون من بطش الإمارات، إذ أوضح تقرير لجنة الخبراء الخاص باليمن بأن قوات الحزام الأمني، المدعومة (إماراتيا) ارتكبت أعمال عنف جنسي في العام 2018، بما في ذلك الاغتصاب ضد المهاجرين واللاجئين الأفارقة في منطقتين في عدن، هما مركز احتجاز المهاجرين في البريقة، وفي حي البساتين، وأشار التقرير الذي صدر مؤخراً، بأنه ما بين 21 أبريل/ نيسان، 30 مايو/ أيار 2019 تم احتجاز ما يقدر خمسة آلاف شخص من أثيوبيا وأرتيريا، ويبدي فريق لجنة الخبراء مخاوفه من إمكانية ظهور حالات مماثلة لما حدث في العام 2018م.
تسهيل الوصول للحوثيين
وأشار عبدالسلام إلى إمكانية تجنيدهم من قبل الإمارات والمليشيا التابعة لها، في عدن والساحل الغربي، ولا يستبعد تسهيل وصولهم إلى المليشيا الحوثية أيضاً، لأنهم يسيطرون على مناطق، ظلت مرتبطة في عمليات التهريب منذ نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في مديريات المخا والوازعية، وذوباب وباب المندب، التي تتداخل مع مناطق تسيطر عليها المليشيا الحوثية، وهو ما يؤكد معلومات عن قتال الأفارقة مع الحوثيين في معارك الحديدة، وتحدث عن ذلك في وقت سابق الناطق باسم الجيش الوطني العميد عبده مجلي.
أغلبهم من الشباب
وتعمل إحدى المنظمات المحلية على رصد الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون، خصوصاً في السواحل الجنوبية والغربية، التي ازداد التدفق إليها مؤخراً، وكأن الأمر مقصود ويتم الإعداد له، لأن أغلب المهاجرين من الشباب ومن القادرين على حمل السلاح، إضافة إلى عدم وجود أسر معهم أو نساء كما هو المتعارف عليه.
اضطهاد
وقال مسؤول الرصد في المنظمة الذي لا يريد الإفصاح عن اسمها حالياً لدواع أمنية، وتواجد فريقها في محافظة لحج: إن اللاجئين السابقين كان أغلبهم من دولة الصومال، التي كانت تشهد حرباً أهلية طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، أما الآن أغلبهم من أثيوبيا من شعب «الأورومو» الذي يتعرض لاضطهاد عرقي وديني، وقد تكون أسباب لجوئهم كثيرة إلى اليمن كنقطة عبور إلى السعودية ودول الخليج، إلا أن هناك من يستغل ظروفهم، فبدلاً من أن يكون نزولهم في سواحل أبين وشبوة أو حتى عدن، يتم إنزالهم إلى سواحل الحديدة وتعز ولحج، ليصلون إلى مليشيا الحوثي، والمليشيا المسلحة، والتي تعد الذراع الأمنية للإمارات في المحافظات الجنوبية، والساحل الغربي.
بطش الإمارات
إلى ذلك أشار سليمان عبدالسلام إلى أن اللاجئين يتعرضون لمخاطر كثيرة، وربما فقدان الحياة، متأسفاً من عدم وجود رصد دقيق نتيجة لتخوف الراصدين والناشطين الحقوقيين من بطش الإماراتيين في المناطق التي يسيطرون عليها، مؤكداً أن الانتهاكات كثيراً ما تطالهم، كما حدث في مايو الماضي في عدن، على شكل حملات ترحيل والزج بالكثير منهم في السجون من قبل الحزام الأمني التابع للإمارات، وهم يجدون تعاملاً إيجابياً في المحافظات المحررة، كمحافظة مأرب التي يصلون إليها بشكل شبه يومي.
تجنيد حوثي
يوافقه في ذلك الناشط، أحمد قحري، والذي يشتغل حالياً مع إحدى المنظمات الدولية المعنية باللجوء، بأن محافظة الحديدة التي تعد مديريات منها منطقة تماس واشتباك، تم تجنيد عدد من اللاجئين، من قبل مليشيا الحوثي، واستخدامهم في عمليات الإمداد ونقل المؤن الى الجبهات، والقتال أيضاً في أحيان أخرى، ويشير قحري إلى أن مليشيا الحوثي ومجموعات عسكرية تتبع الإمارات تتجاهل ولا تعير أي اهتمام بتلك القوانين في التعامل مع اللاجئين والانتهاكات الأخرى.
استثمار الأفارقة
وظهر مؤخراً ما يشبه التنسيق بين المليشيا الحوثية والإمارات، إذ تسهل الأخيرة على مرورهم، ومن ثم تجنيد أعداد منهم، بينما يصل الآخرون إلى المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، وصارت تعمل على تجميعهم وتجنيدهم لصالحها، حيث أقامت لهم معسكرا في محافظة إب، وسط البلاد، تحت اليافطة الإنسانية في يوليو الماضي، وهي المرة الأولى التي يتم إيواء المهاجرين إلى اليمن بهذا الشكل، وفي هذه المحافظة بالذات التي تتوسط اليمن، وتعد قريبة من عدد من الجبهات القتالية في تعز، والبيضاء والضالع.
تدفق متزايد
ويشهد العام 2019 ارتفاعا متزايدا في أعداد المهاجرين، الذين يصلون اليمن، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية، التي أكدت أن «84,378» وصلوا في الفترة ما بين يناير حتى يونيو، وأوضحت الهجرة الدولية، أن شهر يونيو، سجل دخول 1045 مهاجراً الى ليمن، بينهم 2003 نساء، و723 فتى، و348 فتاة، أغلبهم من الأثيوبيين، ووصل عدد الصوماليين إلى «977» مهاجراً.