قدّم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي (74 عاما)، الأربعاء، أوراق ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل.
ويسعى المرزوقي إلى العودة إلى قصر قرطاج ثانية، بعد أن شغل منصب رئيس الجمهورية من ديسمبر/كانون أول 2011 وحتى ذات الشهر من عام 2014، لتحقيق حلمه برؤية تونس متقدمة.
فشل الرجل في الدور الثاني من انتخابات 21 ديسمبر 2014، أمام مرشح حركة “نداء تونس”، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي حصل على 55.68 بالمئة من اًصوات التونسيين مقابل 44.32 بالمئة للمرزوقي.
** عائلته اليسارية تتنكر له
في الدور الثاني لتلك الانتخابات، واجه المرزوقي دعما لمنافسه السبسي من قبل عدة قوى سياسية قريبة منه فكريا، مثل ائتلاف الجبهة الشعبية اليساري الذي دعا آنذاك إلى قطع الطريق “على الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي” معتبرا أنه المرشح الفعلي لحركة “النهضة”، كما ورد في تصريحات الناطق باسم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، خلال الحملة الانتخابية.
وضمن الاختلاف الذي أدى الى انقسام الجبهة الشعبية اليسارية، اعتبر الهمامي في تصريحات إذاعية في يونيو/حزيران الماضي، أن الخلاف السياسي مع “الوطد” (حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد) بدأ منذ الدورة الثانية للانتخابات عام 2014، حينما اتخذ موقفًا ضد المرزوقي لحساب السبسي، مبينًا أن الحزب رفع لافتات وقام بتدخلات إعلامية وقتها لصالح الأخير.
وأضاف الهمامي أنه “تم التوصل وقتها لصيغة قطع الطريق على المرزوقي وهو ما كلف الجبهة الشعبية، لأنه أضعف موقفها السياسي وهي تدفع ثمن ذلك الموقف اليوم”.
وبحسب مراقبين، فقد ذهبت أغلب الأصوات التي حصل عليها الهمامي في الدور الأول لانتخابات الرئاسة عام 2014 (ما يزيد عن 250 ألف صوت) إلى الباجي قايد السبسي.
** لا عداوة مع الإسلاميين
يعتبر المنصف المرزوقي من العلمانيين القلائل في تونس الذين تربطهم علاقات جيدة مع الإسلاميين منذ بداية الألفية الثانية حين كان منفيا في العاصمة الفرنسية باريس.
يقول المرزوقي في تصريحات سابقة: “أغلبية قيادات النهضة الثقة بهم كبيرة، وغفروا لي أني علماني حقوقي ولست إسلاميا، ويعرفون أيضا ألا أحد يزايد علي في العدالة والحرية، والطرف الآخر من البرجوازية والفرنكفونية والحداثية فيها أغلبية يغفرون لي أيضا علاقاتي بالإسلاميين”، لافتا إلى أنه يعد “العلماني الوحيد الذي يستطيع الجمع بين هذين الطرفين”.
وفي وقت سابق، قال المرزوقي للأناضول: “أنا من شباب السبعينيات، كنا حينها جميعا قوميين أو يساريين، لأنه لم يكن هناك ديمقراطيين أو إسلاميين، وأنا كنت الاثنين.. كان عندي طرح قومي وطرح يساري”.
ومضى قائلا: “لكن في الثمانينيات، غادرت القوميين واليساريين؛ لأنني اكتشفت أن جزءً أصبح مهووسا بالعداء للإسلاميين، والقضية الطبقية والاجتماعية والفقر والتهميش أصبحت ثانوية بالنسبة إليه، وهو أدى في نهاية المطاف إلى التحالف مع الدكتاتورية في التسعينيات، وأنا أعتبر ذلك كان انزلاقا، فيساريتي تعني الوفاء للفقراء وللطبقات المسحوقة”.
من هذا المنطلق، تبنّى المرزوقي توجّها علمانيا يساريا يقدم “الاجتماعي على الإيديولوجي”، فمحاربة الفقر لا تفرض شرط الالتقاء الإيديولوجي، أو لعله اختار ذلك لأنه لم يكن معنيا مباشرة بصراع أواخر السبعينيات الطاحن بين الإسلاميين والشيوعيين في رحاب الجامعة.
** حراك شعب المواطنين.. تجربة انتكست
عشية إعلان فوز السبسي بالانتخابات الرئاسية، أطلق المرزوقي من شرفة مقر حملته الانتخابية وسط ضاحية أريانة بالعاصمة وأمام آلاف من مريديه، مبادرة “حراك شعب المواطنين”.
لكنه لم يستطع استثمار ما يزيد عن مليون و350 ألف ممن انتخبوه لبناء حزب قوي، حيث أسس نهاية 2015 حزب “حراك تونس الإرادة” (4 نواب) الذي تعرض لعدة هزات متعددة.
آخر تلك الهزات كانت الصيف الماضي، عندما استقال عشرات القياديين والمناضلين من الحزب، أبرزهم عدنان منصر، مدير حملته الانتخابية عام 2014، وطارق الكحلاوي، المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية.
واليوم، يخوض الرئيس التونسي السابق انتخابات الرئاسة ويخوض حزبه الانتخابات البرلمانية ضمن “ائتلاف تونس أخرى ممكنة”.
** الثورات والديمقراطية وفلسطين.. معاركه الشخصية
في يوليو/تموز 2015، أعلن المرزوقي في مقابلة مع الأناضول، تأسيس “المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية” وضم إليه عددا من الرموز السياسية في دول الربيع العربي، أبرزهم أيمن نور (رئيس حزب غد الثورة ومعارض مصري)، وتوكل كرمان، (ناشطة يمنية حائزة على جائزة نوبل للسلام).
وقال حينها، إن المجلس يهدف لـ “الدفاع عن صورة الربيع العربي، ويسعى لإعداد شباب عربي، يتحمل مسؤولياته في الذود عن وجوده، والتعريف بالمؤامرات والجهات التي وضعت كل قواها المالية والسياسية لإجهاض الربيع العربي”.
وفي يونيو/حزيران 2015، شارك المرزوقي رفقة عدد من السياسيين والمثقفين والفنانين والرياضيين، في أسطول (الحرية 3) الذي نظمته الهيئة الدولية لكسر الحصار على غزة، إلا أن اسرائيل منعت وصولهم إلى غزة وتم اعتقال المرزوقي والمصاحبين له قبل أن تفرج عنه وترحله إلى باريس.
ويَعتبر المرزوقي، الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، صديقا شخصيا له، وانهار باكيا أمام كاميرات التلفزيون وهو يرثيه بعد وفاته في سجون النظام المصري.
وخلال حديثه لفضائية “الجزيرة” حول وفاة مرسي، قال المرزوقي باكيا: “هذا الرجل الشريف كان أقرب بفكره إلى الإنسانية والديمقراطية من كل هؤلاء الحدثيين والعلمانيين والليبراليين الذين كانوا سدنة الظلم والاستبداد”.
وبين الحين والآخر، يعبر المرزوقي عن اعتزازه بقطع العلاقة مع نظام بشار الأسد في سوريا، على خلفية الحراك الشعبي فيها، رافضا التعامل مع نظام “يقتّل شعبه”.
** إصرار.. وحلم
مع اتضاح خارطة المنافسين على الرئاسة من الأحزاب التي رشحت قيادييها، مثل “النهضة” التي رشحت رئيس البرلمان الحالي بالنيابة عبد الفتاح مورو، و”قلب تونس”، الذي رشح رئيسه نبيل القروي، وترشح وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، يبادر المرزوقي للترشح رغم احتمال تآكل قاعدته الانتخابية التي كان معظمها من ناخبي “النهضة”.
وفي تصريحات لراديو “ديوان اف ام” الخاص هذا الأسبوع، قال المرزوقي “أنا مواصل طريقي في محاربة الفساد وتجاوز النظام القديم وخلق نظام جديد بأجيال جديدة”.
وأضاف: “أنا أفرق بين التونسيين الفاسدين، وهم أقلية قليلة جدا وسبب أمراض هذا البلد، والتونسيين ضحايا الفساد وهم في كل الأحزاب (..) عدوي واحد هو الفساد الذي استشرى في هذه البلاد”.
ويرى المرزوقي أن تونس يلزمها 20 أو 30 عاما لـ “تفكيك هذا الأخطبوط (الفساد) لتصبح دولة مثل ألمانيا أو الدنمارك أو فنلندا” كما يحلم لها أن تكون.
ويتابع: “أعيش على حلم أن أرى بلادي ضمن العشرة بلدان الأكثر تقدما”.