لا عاقل يتمنى الحرب. كيفما جاء الانتصار في الحرب سيخرج المنتصر مثخناً. بيد أن المؤدلج بأيديولوجيا دينية يختلف عنده مفهوم الهزيمة والانتصار. إيران بعد حربها الطويلة والمريرة مع العراق ظنت أن حرب الوكالة هي السبيل لمد سلطتها على المنطقة. وأتت الفرصة إيران في الثمانينات لبناء قوة عالمية تخصها تحت مظلة الصراع المذهبي التقليدي وانهيار أحلام الوحدة العربية وأحلام شعوب المنطقة الطوباوية. بدأت بأن سارت على استراتيجية ثلاثية الأبعاد. إعلان الحرب الإعلامية على الغرب ورأسه أميركا متماهية مع إعلام حركات التحرر التي اجتاحت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، باسم ثورة المستضعفين استولت على التراث الأيديولوجي الذي تربى عليه العالم الثالث وخصوصاً العرب.
في تلك الحقبة ما زال العالم يعيش صراع المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. تماهى الإعلام الإيراني مع الإعلام السوفيتي ولكن تحت مظلة الدين (الأممي) كبديل للشيوعية الأممية، فالأيديولويجيا الدينية مقبولة ويمكن تمريرها بوصفها موروثاً محلياً من الصعب مقاومته، سهل عليها هذا البعد كسب المسكونين بنظرية المؤامرة الذين رأوا أن بلاءهم وتخلفهم مصدره المستعمر وتوجب حربه بأي ثمن. فانضمت تحت مظلتها الأيديولوجيات العلمانية كالقومية والناصرية والوحدوية، ولكن على الجانب الميداني العملياتي تخطت المسألة الدينية المفتوحة لتحقق هدفها الأساسي وهو الهيمنة من خلال المذهب. استغلت المد الصحوي الإسلامي السني المتطرف الذي أعلن عداءه للطوائف الأخرى فشكلت الميليشيات التي نعرفها اليوم وفي مقدمتها حزب الله اللبناني. وضعت أطرافها المسنونة في أكثر من دولة عربية، جعلتها هذه القوة العسكرية (المخلب) تشعر أنها محصنة كدولة عظمى ولكن لأن رأس القيادة في طهران رجال دين فقدت اتصالها بالواقع. لم تعد تدرك أن العالم متشابك المصالح، لا تقوم دولة بمعزل عن الدول الأخرى وأن السلاح الذي تستخدمه أو تصنعه مستورد من العدو الذي تريد أن تحاربه. رأينا هذا بجلاء أكبر عند تنظيم داعش. لم ينتبه داعش بعد أن أعمته الانتصارات السريعة البدائية أن الحزام الناسف سلاحه الأمضى مستورد من الخارج بل إن طعامه مستورد أيضاً.
تسارع الأحداث هذه الأيام يثير السؤال: هل تذعن إيران لإرادة القوى التي تقود العالم أم تنتحر؟ هل ستلجأ إلى خيار حفظ ماء الوجه بالتفاوض الذي يعرضه عليها الرئيس الأميركي للعودة إلى الواقع أم ستمضي قدماً في سياستها الطائفية القومية الانعزالية؟ مع الأسف رجل الدين المسيّس لا يفهم معنى معاناة الشعب وجوعه وتفشي الأمراض فيه فأوجاع الناس يمكن التلاعب بها بتحويرها أما عقوبة أو ابتلاء. في الأخير ستلقى نفس المصير الذي لقيه داعش ولكن بخراب سيطال المنطقة لا يعلم إلا الله حجمه.
*نقلا عن “الرياض”.