يودع اليمنيون آخر يوم من أيام شهر شعبان بخصوصية اجتماعية حيث ينظمون احتفالية متعددة الفعاليات استعدادا لاستقبال شهر رمضان الكريم.
واعتاد اليمنيون في هذه الاحتفالية التي يسمونها ( يا نفس ما تشتهي) عقد اجتماع عائلي يضم الأصدقاء حول مائدة تزخر بأنواع الأكلات اليمنية التي تتنافس النساء في إعدادها، حيث يتم تجهيز مائدة كبيرة لكل أسرة ويحضر كل فرد طبقا متميزا يشتهيه ليتناوله مع أطباق أخرى متنوعة بتنوع ذوق الموجودين على المائدة ،واتسع الأمر أخيرا حيث صار المواطنون يتناولون الوجبات في الحدائق والمتنزهات العامة ويجتمع الرجال والشباب والأطفال بعد الأكل في المساجد ليتبادلوا الأحاديث الممتعة وذكريات رمضان ،ثم يتفرغون للتسبيح والتكبير والتحميد وإنشاد الأناشيد الدينية ورش العطر وحرق البخور الذي أصبح جزءا من هذه الطقوس فيما تمارس النساء نفس الدور في منازلهن.
الهوية في هذا العدد تسلط الضوء على هذه العادة الاجتماعية ” يا نفس ما تشهي ” المرموقة و المتوارثة منذ القدم وعبر الأجيال .
تدشن موسم الاستهلاك
يقول وائل سالم عن نفس ما تشتهي بأنها عادة تدشن في اليمن موسم الاستهلاك بوجه عام و المقترن بشهر رمضان على صعيد الغذاء أو الشراب أو التسوق وشراء الكساء ، و تنشط الحركة حد الذروة لدى المطاعم والمنتزهات.
عادة لآخر كل شهر
عمر ناصر يقول يا نفس ما تشتهي عادة حدث لها إعادة توزيع للمحافظة على رونقها وأناقتها فبدلا من أن تكون موزعة على 25 مليون إنسان تطبق بشكل رديء تقرر أن تطبق بيد شلة صغيرة من البشر الذين أخذوا على عاتقهم تطبيق هذه العادة ليس فقط في آخر شعبان ولكن في آخر كل شهر وبدايته ومنتصفه.
عادة يتوارثها الأجيال
و تقول ريم فؤاد عادة “يا نفس ما تشتهي” عادة توارثتها الأجيال من قديم الزمن وما زالت موجودة في الكثير من المحافظات ، مشيرة إلى تنوع العادات والتقاليد من محافظة إلى أخرى باستقبال الشهر الكريم .
وتضيف ريم بأن الوارثين لعادة ” يا نفس ما تشتهي” يقوم العديد من الأسر بتجميع مبالغ مالية كل حسب قدرته وإمكاناته ويشترون أصنافاّ من الطعام واللحوم والحلويات ويتجمعون في منزل واحد ومن ثم يتناولونها.
اجتماع عائلي مميز
سميرة طالبة جامعية تقول: بالنسبة ليوم نفس ما تشتي هو يوم يتم الإعداد له والتحضير منذ أكثر من أسبوعيين حيث ننسق أنا وزميلاتي في الجامعة وقد يكون يوم نفس ما تشتي تبعنا 29 شعبان لكي نجتمع مع بعضنا ونحضر أنواع الأكلات والحلويات ونتجمع ونأكل ثم نجلس ونتكلم ونغني ومنا من تمضغ القات ومن تلقي الشعر والغناء والرقص وكأنها أجمل مناسبة أما يوم 30 شعبان أو اليوم الذي يسبق شهر رمضان يكون مع العائلة حيث نتجمع جميعنا، أخواتي وأولادهن وأزواجهن وأخواتي بنسائهم وأولادهم نجتمع جميعا مع بعض حول أبي وأمي وبعد الغداء يذهب الرجال مع أبي للحمام الخارجي(البخاري) بينما النساء نظل مع أمي نتبادل القصص والحكايات والنكت ونتناول المأكولات التي تم إعدادها لهذه المناسبة ثم نتناول الجميع القات ونتسامر حتى موعد السحور، وميزة هذا اليوم أننا نتقرب من بعضنا ويحصل تجمع للعائلة كلها ولا يفرقنا إلا أول أذان فجر في شهر رمضان فمنهم من يغادر بيته ومنهم من يظل للإفطار معنا، لذلك أعتبر أن لهذا اليوم خصوصية مميزة بلمة الأهل وتجمعهم مع بعض رغم الظروف أو الأزمات أو المشاكل لذا يظل يوما جميلا.
وتقول هالة عبد الرحمن موظفة وأم لـ 3 أطفال “يا نفس ما تشتهي” عادة اجتماعية غالبا ما تسبق رمضان بيومين أو ثلاثة بحيث تصبح هذه الأيام شعلة تجمعات عائلية وزيارات اجتماعية وتقدم فيها الولائم والأكلات وبصورة غاية في الاهتمام والتفنن ، أكثر حتى مما يحدث بالأعياد .
وتضيف هالة التجمعات العائلية هي العنوان الأبرز في هذه المناسبة حيث تقوم النساء بتوزيع أفضل ما طبخن من صحون على الجيران فلا ترى الأطفال في الأحياء إلا طالعين نازلين بهذه الصحون والمشروبات والغرض من التوزيع ليس فقط الإحسان للجيران بل تبادل اكبر كمية من الأطباق والأكلات حتى تكتمل الموائد مما نقص أو سقط سهوا!
موروث ثقافي قديم
وتعتقد الباحثة في الموروث الثقافي أمة الرزاق جحاف، أن هذه عادة قديمة بدأت مع دخول اليمنيين الإسلام تنفيذاً لتعاليم الدين، ولكي ينشغل الناس بعدها بالعبادة والصوم وترك الملذات، حيث كانوا يختارون آخر أيام شعبان لتناول الوجبات الغذائية المتنوعة التي تزخر بها المائدة اليمنية بمبرر قدوم شهر الصوم والعبادة .
وتضيف الأستاذة أمة الرزاق لا يوجد تاريخ محدد لظهور هذه العادة القديمة لأن الحياة الاجتماعية لم تحظ بتوثيق حقيقي، بل يعتمد على شهادات شخصية وموجودة في بعض البلدان المجاورة لليمن وأيضا في موريتانيا ربما يكون اليمنيون حملوها معهم خلال هجرتهم .
وتشير إلى أن هذه العادة كانت قد تلاشت في السبعينات والثمانينات لكنها عادت لتظهر بشكل واسع في السنوات الأخيرة، وتضيف قائلة: “أصبح يوم “يا نفس ما تشتهي” مقدمة لترك ملذات الإنسان واستعداده لاستقبال شهر رمضان، التي أصبحت عادة لاستقبال رمضان بشراء الحلويات والأكلات المتنوعة ونوعاً من الإسراف، حيث تقضي ربات البيوت معظم أوقاتهن في المطبخ ليتفنن في إعداد أفضل الأكلات التي لا تحصر” .
إعلان اجتماعي بحلول رمضان
من الناحية الاجتماعية فيرد المتخصصون هذه العادة وعوامل دوام ممارستها ، إلى كونها إعلانا اجتماعيا بحلول رمضان وأنه ينبغي الاستعداد لطقوسه المختلفة تماماً عن باقي أيام العام بما في ذلك اختلاف الأطعمة، في حين يرى فقهاء أنها عادة محمودة ولا ضير منها فهي إشعار وتذكير بأنه إذا ما كانت نفسك تشتهي شيئاً قبل الصيام ، فإن هناك أشياء وأشياء تشتهيها نفوس الفقراء على مدار العام ، وهذا شهر تلبيتها لهم كأقل واجب تجاههم .
رأي الشرع
عن رأي الشرع في الاحتفال بهذه المناسبة يقول الشيخ عبد الفتاح قاسم ـ هذه العادة اشتهر بها أهل صنعاء، وكون العادة تدعو إلى تجمع الأهل والأصدقاء وإطعام الطعام حيث يجت