على خشبة “مركز باترسي للفنون” بلندن عُرِضت مسرحية “أرض بلا ياسمين” للمخرج المسرحي الفلسطيني مؤمن سويطات من مجموعة Sarha Collective على مدى ثلاث أمسيات من 4 إلى 6 أبريل/ نيسان 2019.
المسرحية تعد أول عرض مسرحي يمني يُقدّم في المملكة المتحدة، وهي مستلهمة من رواية “بلاد بلا سماء” للروائي اليمني وجدي الأهدل التي ترجمها إلى اللغة الإنكليزية البروفسور وليام هتشينز.
وشهدت المسرحية إقبالًا كبيرًا من قبل الجمهور العربي والأوروبي، وكان في مقدمة الحضور سفير اليمن في لندن، ياسين سعيد نعمان. ومع أنها تخلو من ملامح سياسية تتعاطى مع ما يجري حاليًا في اليمن من معارك وتباينات سياسية، إلا أنها جاءت في سياق اهتمام مجموعة “sarha” الفلسطينية – العربية التي انطلقت في الآونة الأخيرة من لندن، واختارت أن تتجه للأدب والفن اليمني من أجل الفن لا من أجل السياسة، وسبق لمخرج المسرحية أن تعاون في أعمال فنية سينمائية وموسيقية يمنية من أهمها فيلم “سقطرى جزيرة الجن” لجماعة “قُمرة للأفلام”.
التحرش ضد النساء
تعالج المسرحية قضايا تتعرض لها المرأة في اليمن كقضية التحرش من خلال بطلة المسرحية “ياسمين” التي قامت بأداء دورها الممثلة الفلسطينية صوفيا الأسير. وجاء إطلاق اسم ياسمين استنادًا إلى عنوان النسخة المترجمة من الرواية التي تحوّل عنوانها بعد ترجمتها من قبل
“المسرحية أول عرض مسرحي يمني يُقدّم في المملكة المتحدة، وتستند إلى رواية “بلاد بلا سماء” لوجدي الأهدل، وترجمها إلى الإنكليزية وليام هتشينز”
البروفسور هتشينز من “بلاد بلا سماء” إلى “A Land Without Jasmine”الذي يُترجَم كالتالي: “أرض بلا ياسمين” وذلك لأن المترجم اختار اسم “ياسمين” بديلًا عن اسم “سماء” نظرًا لشيوع اسم “Jasmine” في الإنكليزية.
عن فكرة اختيار رواية يمنية للاشتغال عليها مسرحيًا، قال الكاتب والمخرج الفلسطيني مؤمن سويطات لـ”ضفة ثالثة”: “قررنا في العام المنصرم 2018 التوجه إلى الثقافة اليمنية لإنجاز أعمال فنية. وفي رحلة البحث عن الفن اليمني وجدنا رواية “أرض بلا ياسمين” للروائي اليمني وجدي الأهدل المترجمة إلى الإنكليزية، وكمجموعة قررنا أن هذه الرواية ممكن أن نشتغل عليها كمسرحية. أحببنا الرواية، وبينما كنت أقرأها وجدتها ممكنة لأن تكون مسرحية بينما آخرون تخيلوا أنه ممكن الاشتغال عليها سينمائيًا مثلًا. تواصلنا بوجدي الأهدل وبكل أريحية رحب بالفكرة وأعطانا الإذن باستخدام الرواية”.
فلسفة روائية
أشار سويطات إلى أن رواية “أرض بلا ياسمين” كانت المفتاح بالنسبة للمجموعة لتطبيق نظرية كانت محل حوار ونقاش على مدى سنتين وهي: كيف يمكننا أن ننقل القصة أو الرواية العربية من الزاوية الوثائقية إلى الروائية، ورواية وجدي الأهدل جاءت مطابقة لهذه الفلسفة ولهذا التوجه للاشتغال الفني، ذلك لأن الجمهور العربي متعطش لمثل هذه القصص والروايات وبالذات في هذه الفترة التي وُضِعت فيها الرواية العربية في قالب الحرب والقالب السياسي بشكل عام، ولكن رواية أرض بلا ياسمين هي رواية تسلط الضوء على تصرفات المجتمع وبنفس الوقت هي رواية خيالية، لذلك تم اختيارها”.
وأوضح سويطات أن تحويل هذا العمل من رواية إلى مسرحية تم بطريقة ابتكارية: “ما جلسنا على طاولة لنكتب النص، نناقش هذه الجملة وهذا السطر، إنما أخذنا الرواية كاملة معنا ومن خلال التدريبات كان يتضح معنا كثير من ملامح السياق التحويلي للعمل، وكان هذا في عمل جماعي لطاقم المسرحية كاملًا”.
طاقم فلسطيني – عربي لمسرحية يمنية
يتابع سويطات: “حاولنا قدر الإمكان أن نجعل هدف الرواية مُعاشًا داخل المسرحية. طاقم العمل كان كله عربيًا. حاولت إيجاد ممثلين يمنيين هنا في بريطانيا، لكن للأسف لم أجد، باستثناء واحدة من أعضاء الطاقم كانت يمنية، وهي من صنعاء درست بجامعة صنعاء، وكانت دائمًا تنبهنا حول مواضيع داخلية تتطابق مع الثقافة اليمنية. وكانت في لوقت نفسه تمسك النص من ناحية ترجمته من العربية إلى الإنكليزية. أما دور سماء، التي هي ياسمين، بالإنكليزية، فلعبته الممثلة الفلسطينية الإيرلندية صوفيا الأسير، وهي ممثلة تلفزيونية وسينمائية. وأثناء تحويل الرواية إلى مسرحية، كان عندنا قراران اثنان مهمان، فقد كان عندنا اثنتان في لعب دور “ياسمين – سماء”: سماء التي لعبت دور سماء الحقيقية، وسماء التي لعبت دور سماء الافتراضية، أو سماء الحلم، سماء المشاعر، سماء الأفكار والأحلام، وهناك تغيير أساسي كبير قمنا به (لضرورة مسرحية) هو أننا غيرنا المحقق (الشرطي) الذي لعب دور المحقق في الرواية إلى شرطية (امرأة) هي التي قامت بالتحقيق في اختفاء ياسمين، هذا كان مهماً كثيراً، وقد لعبت دور المحقق الممثلة السورية – البريطانية شيرين. أما دور عليّ الضحية الأساسية فقد لعبه ممثل صاعد صغير بالعمر (19 سنة) كان قد عمل معي منذ بداية تواجده هنا بلندن
“مؤمن سويطات: أخذنا الرواية كاملة معنا. ومن خلال التدريبات، اتضحت ملامح السياق التحويلي للعمل، وكان هذا في عمل جماعي لطاقم المسرحية كاملًا””
وأنجزنا عملًا قبل سنة على مسرح شكسبير العالمي، وهناك أيضاً دور ناصر صاحب الكافتيريا في الجامعة، حيث تدرس سماء، ولعب هذا الدور ممثل فلسطيني شاب انتقل للعيش ببريطانيا مؤخرًا، وهو خريج مدرسة مسرح الحرية في جنين، شمال فلسطين. على أن دور ياسمين المشاعر والخيال الذي تجسد بالحركة لعبته بنت اسمها ياسمين، ممثلة محترفة تعلمت في أهم مدارس المسرح الحديث في ألمانيا، وهي ممثلة من خلفية فلسطينية سويسرية. أما وهيبة الأم فلعبت دورها الممثلة اللبنانية، مريم بلحص، وعملت على دورها كامرأة على المسرح، وفي مجال الدمى. ثم يأتي دور السلطان عتيق (صاحب الدكان الذي تحت منزل ياسمين)، هذا الدور قمت به أنا، وكان معنا سهيل من لبنان صانع ديكور، وظهر في المسرحية في دور الشيخ الذي يأتي بجثة علي”.
اختفاء ياسمين
وقال سويطات إن مشهد النهاية حصل فيه تغيير حيث أن المشهد الأخير في الرواية: ياسمين تختفي ولا تعود، الذي يعود فقط هو دفتر المذكرات الذي تقرأه الأم، لكن في المسرحية: ياسمين عادت إلى المسرح لكن في مكان مختلف، وانتهت المسرحية بعبارة “أين نحن؟ لا نعرف. أين أنا؟ لا أعرف”.
ويضيف سويطات: “ابتداءً من مسرحية أرض بلا ياسمين نؤسس هنا بلندن لفرقة عمل مسرحية عربية أوروبية، وكانت رواية وجدي الأهدل خطوتنا الأولى، فقد وجدنا مجموعة مهتمة بالمسرح من محترفين عرب وأملنا هو أن نكمل الشغل على مجموعة تنتج مسرحا عربيا روائيا. بالنسبة لي شخصيًا ياسمين هي صورة مصغرة عن مجتمعنا العربي وعن الأحداث التي تحصل حاليًا والتطورات من ناحية سياسية أو مدنية في المجتمع العربي وليس اليمن فقط بل وحتى المجتمع الغربي. ياسمين تجسد اليمن واختفاء اليمن ليس بسبب أن اليمن ما فيها ثقافة، لا، فاليمن من أغنى الأماكن من ناحية الثقافة واللغة، لكن اختفاء اليمن بسبب تقصير مفهوم العالم الحديث عن مضمون الرواية القديمة والرواية الأساسية والأصلية لهذا العالم ووجود الكون وتركيبة الكون، وياسمين جاءت تُذكِّر العالم بوجود ثقافة يمنية عريقة وعميقة وإنتاج هذا العمل هو احتفاء بالثقافة اليمنية وتذكير للعالم أن ياسمين هي اليمن”.
ومع أنها المسرحية اليمنية الأولى على مسرح لندني إلا أن “أرض بلا ياسمين” شهدت إقبالًا رائعًا من قبل الجمهور العربي والأوروبي، وأيضًا من قبل جمهور يمني. وبحسب المخرج: “على مدى ثلاث ليال متتالية امتلأت القاعة، كل الكراسي كانت ممتلئة، التذاكر نفدت قبل الافتتاح بثلاثة أيام، جمهورنا كان جمهورا مختلفا، في يوم الافتتاح كان جمهورنا إنكليزيا من شباب وصبايا تراوحت أعمارهم بين 25 و30 سنة وأيضًا عائلات بأعمار 60 و 65 و 70 سنة. وفي اليوم الثاني كان جمهورنا يمنيا وعربيا وقليلا من الجمهور الانكليزي وبعد العرض أقمنا مع الجمهور حلقات نقاش. كان في ناس كثر داعمون للرواية وللمسرحية وشعرنا نحن طاقم المسرحية بشيء من الزهو بهذه الانطباعات والنقاشات مع الجمهور”.
وجدي الأهدل ضيفًا على الصحافة البريطانية
الروائي اليمني وجدي الأهدل، كاتب الرواية التي بُنيت عليها مسرحية “أرض بلا ياسمين”، كان عشية العرض المسرحي في يومه الأول يتحدث في حوار صحافي نشره بالإنكليزية موقع”ArabLit” البريطاني يوم 3 أبريل 2019 وأجراه معه كل من د. كاثرين هنسي،
“مع أنها المسرحية اليمنية الأولى على مسرح لندني، إلا أن “أرض بلا ياسمين” شهدت إقبالًا رائعًا من قبل الجمهور العربي والأوروبي، وأيضًا من قبل جمهور يمني”
الأستاذة في الجامعة الأميركية بالكويت ومؤلفة كتاب “شكسبير في الجزيرة العربية”، ومارشا لينكس كوايلي، المترجمة ومديرة موقع arablit.
وأهم ما أشار إليه وجدي: “المسرحية تلقي نظرة على المجتمع اليمني المعاصر، فالمرأة اليمنية تتعرض لقدر هائل من الضغوط، معظمها يأتي من الذكور في المجتمع. وفي بعض الحالات حتى الذكور يتعرضون للضغط والتحرش. الكبت الجنسي أدى إلى تشويه شخصية الإنسان اليمني. أتوقع أن الجمهور سيتعاطف أكثر مع شخصية ياسمين، فهذه الفتاة تؤكد أن لها روحًا أيضًا بينما المجتمع يعاملها كجسد دون روح؛ إنها تحمل في داخلها أشواقًا روحية معينة، ليست اللذة محصورة في الجسد، هناك أيضًا اللذة الروحية، وهذا ما كانت ترغب فيه ياسمين حقا، ولكنها تعلم أن المجتمع لا يوافق على تطلعاتها الروحية، ويريد الحصول على المنفعة منها. أُدرك أن انتقال عملي الروائي إلى سياق مختلف كالمسرح أو السينما يتطلب رؤية فنية جديدة تتناسب مع السياق الفني الذي انتقلت إليه. لقد اتفقت مع المخرج مؤمن سويطات على أن رؤيتي الفنية في الرواية لا تناسب خشبة المسرح، وبالتالي أعطيته كامل الحرية لينتج رؤية فنية نابعة من خبرته الدرامية. لم أقرأ السيناريو لأنني لا أجيد القراءة باللغة الإنكليزية مع الأسف، لكن كانت هناك تساؤلات من المخرج حول بعض الأمور في الرواية، وتبادلنا النقاش حولها. آمل أن تنتقل الرواية بشكل مختلف مع تحويلها إلى نص مسرحي وعرضها على خشبة المسرح. الرواية ذات نهاية مفتوحة ودلالاتها متشعبة وهذا برأيي يعطي الدراماتورج حرية أكبر عند كتابة السيناريو. تشترك (أرض بلا ياسمين) مع أعمالي الأخرى في نقد المجتمع، وموضوع الرواية هو أن النفاق الاجتماعي يؤدي إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع وثني. شخصية ياسمين تمثل بشكل ما البلد الذي يظهر على الخارطة باسم اليمن؛ فاليمن الآن تمر بمرحلة تاريخية صعبة وربما تختفي من الخارطة كما اختفت ياسمين من المدينة ولم يُعثر لها على أثر”.