د. عبدالقادر الجنيد :
تتعرض تعز لتحليلات وتفسيرات لما يدور، متعارضة
و متباينة، من حاذقين ومتحذلقين ومن سيئي وحسني نية، نجح مجموعها في القذف بنا إلى دوائر من التوهان والتخبط.
سأحاول هنا تفكيك هذا المشهد من نقطة البداية حتى لا نتوه نحن وحسنوا النية، وحتى لا يسهل على سيئي النية ممارسة دورهم في إحباطنا وتشويهنا.
إذا خلطت الشخصي بالعام في هذه المحاولة، فهو من باب جذبكم وإبعاد الملل عنكم وليس من باب التباهي، معاذ الله. وإذا وجب الإعتذار فسامحوني.
الحقيقة المطلقة، هي أننا:
لا نستطيع أن نكون إلا مع مقاومة هجمة الحوثي/ صالح على تعز.
قرر الوعي الجمعي لتعز – وكان لي دور كبير في تشكيله- في ٢٠ مارس٢٠١٥- ألا تكون محافظتهم معبراً لقوات الحوثي/صالح لغزو عدن التي كان قصر معاشيقها الجمهوري يقصف من قبل طيران صالح. والتي كان رئيس اليمن هادي الشرعي الأسير قد هرب إليه.
يوم ٢٤ مارس، كان قد تساقط على الأرض وارتقى إلى أعالي السماء أكثر من عشرين شهيدا من المعارضين السلميين عند أبواب معسكر الأمن المركزي وفي مدينة التربة الحجرية.
وفي ذلك اليوم ٢٤ مارس، تمرد قائد اللواء ٢٢ الحرس الجمهوري دهمش وقائد الأمن المركزي الحارثي في تعز على أوامر المحافظ شوقي هائل- الذي كان حينئذ رمزاً بارزاً رافضاً لهذه الوحشية ضد متظاهرين سلميين مدنيين- فقدم إستقالته وسط وجوم كل أبناء تعز.
وفي صباح ٢٥ مارس، بينما كان أبناء تعز المتظاهرون يتعرضون لأكبر قذف بأنواع جديدة من الغازات المسيلة للدموع، والتي نجحت في تشتيتهم، سقط معسكر العند الضخم في لحج بأيدي قوات الحوثي/صالح، وانكشفت أبواب عدن لقوات إنقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠١٤.
يومها ٢٥ مارس ٢٠١٥، أصبت بأكبر إكتئاب في حياتي.
تشتت متظاهرينا السلميين بالغازات المسيلة
واستقال محافظنا، وسقط العند، وانكشفت عدن.
وبعد منتصف الليل، في الساعة الثانية قبل الفجر، دخل يوم ٢٦ مارس ٢٠١٥، اليوم الذي زمجرت فيه عاصفة الحزم.
ساعتها، لم يتوقف هاتفي عن الرنين.
وأهم وأول من اتصل بي كان الأستاذ محمد قحطان، الذي كان عندئذ تحت الإقامة الجبرية في منزله، والتي بعدها أصبح مخفياً قسرياً ومازال حتى الآن.
واتصل بي قادة من الإشتراكي والناصري.
وتواصل مع أهل وأصدقاء.
وكنا كلنا فرحون.
وفي الساعة السادسة صباحا، أتصل بي صديق من الحزب الإشتراكي من شارع جمال يقول لي بأن سيارة بأربعة ميكروفونات تروح وتجيء في شوارع جمال، تصيح بالصوت العالي: “شكراً سلمان”
وأدركنا، أن هذا هو حزب الإصلاح قد ابتدأ مشوار المقاومة، رسميا.
وكنت أول من نقل هذا للعالم باللغتين العربية والإنجليزية في التويتر والفيسبوك.
لم أذق النوم يومها ولأيام تلتها من الفرحة، بعد ذلك الإكتئاب الشديد الذي سبق.
وبالتدريج، أصبح حمود المخلافي، النواة التي يلتصق بها كل من يريد أن يقاوم.
قدم حمود إبنه وأخاه وخاله وأعز رفاقه وبيته وأمواله فداءاً لتعز.
التحق بحمود كل من يسري في عروقه دم أحمر غاضب من وحشية الحوثي/صالح ومن إنقلابهما على مخرجات الحوار الوطني من المستقلين وحتى الشباب المتسكع على نواصي شوارع تعز.
وانضم إليه من قيادات وكوادر الإصلاح إلى الناصريين إلى السلفيين وبعدها الإشتراكيين.
وكنت كالمحموم، أحث كل شخص على أن يتخلص من تحفظاته. لم يكن ذلك وقت التحفظات. كان وقت المقاومة، وفقط. وما يزال.
وفي نفس الوقت، ابتدأت مع رحلة تعز مع المقاومة، رحلة أخرى، هي رحلة الحوثي/صالح مع الإنتقام من تعز بتدميرها وقتل أهلها، بقصف أحياءها السكنية وبالألغام وبالمفخخات وبالقناصة.
رأيت بعيني دبابات الحوثي/صالح ومدافعهم الهاوتزر وصواريخ كاتيوشاتهم، تقصف أحياء مدينتي ومئاذن مسجد الأشرفية وحصن تعز “القاهرة”.
ونقلت هذا للعالم باللغتين العربية والإنجليزية عبر التويتر والفيسبوك والإذاعات في أمريكا وكندا وبريطانيا واستراليا.
وتصديت لحملة تشويه المقاومة وتضليل العالم وتضليل الرأي العام الغربي على وجه الخصوص التي تعطيها قيادات الحوثي/صالح أولوية كبرى وإهتمام خاص.
وفي يوم الأربعاء ٥ أغسطس ٢٠١٥، اقتحم بيتي مجموعة من مسلحي الحوثي، ولووا ذراعي، ونهبوا بيتي، وروعوا زوجتي، ونقلوني بعد يوم ونصف من تعز إلى صنعاء في حافلة مشقدفة، مع ستة مخزنين مبردقين مزوملين كأنهم خارجين من عوالم الماضي السحيقة.
ثم تم إخفائي قسرياً في حيز ضيق صغير بدون ضوء أو شمس أو هواء لمدة عشرة شهور، وإنقطاع تام عن أخبار مقاومتي ومدينتي ومحافظتي وبلادي وأهلي وأصدقائي.
ثلاثمائة يوم بالتمام والكمال، انتهت يوم السبت ٢٠ مايو٢٠١٦، خرجت بعدها ورأيت الشمس والضوء واستنشقت الهواء الطلق وشربت ماء نظيف وذقت طعام كنت قد نسيت أنه يوجد.
ثلاثمائة يوم، خرجت بعدها لأرى:
أن مقاومة تعز، أصبحت بلا حمود المخلافي.
وأن المقاومة، قد أصبحت مقاومات.
وبأن، أعزائي، قد تنافروا وكل واحد ينشب أظافره في جلد الآخر.
وبأن كل فصيل، قد أصبح له راع آخر من قوى التحالف.
وأن الدسائس والفتن:
صناعة رائجة تؤلب كل فريق على الآخر،
وحتى تؤلب قيادات التحالف على فصائل محلية، وتفتن بين قوى التحالف نفسها.
وأن الحياد أصبح إتجاهاً مدعوماً من قبل الحوثي/صالح، لأن هذا يحولهما من طرف باغ إنقلب على مرحلة توافقية إلى مجرد طرف من أطراف النزاع في اليمن.
وأن ماكينة الحوثي/صالح، قد أفلحوا بتلطيخ سمعتنا عند ساسة الغرب وصحافته ورأيه العام، وألصقوا تهم ومسميات القاعدة وداعش بمقاومة تعز، وذلك بإبراز دور السلفيين على غيرهم في مقاومة تعز.
كان أكبر هم عندي، بعد خروجي من السجن هو :
فهم أدوات ماكينة تضليل الحوثي/صالح ثم
ترميم ما خربته ماكينة التضليل هذه في أوساط الرأي العام الغربي.
وبعد ذلك انبريت للمحايدين والذين يتعاملون مع إنقلاب الحوثي/صالح على أنهما طرفا نزاع شرعيان فيما يسمى بالمشكلة اليمنية، وليسا على أنهما مخربان لعملية سياسية توافقية تعبنا كثيراً للوصول إلى نهايتها.
محايدون، يتعامون عن أن إنقلاب الحوثي/صالح، قد قاد اليمن إلى فتنة كبرى ودمار وخراب، بعد أن كنا قاب قوسين أو أدنى من النجاة.
أحسست بالحرج لفترة من أن أعترف بأن صفوف المقاومة مرتبكة، وبأن البعض خائف من الآخر ويتشكك في دوافعه.
ولكن جاءت لحظة، لم أستطع بعدها الفرجة على الأعزاء وكل منهم ينشب أظافره في جلد الآخر، فقمت بحملة توضح بأن حزب الإصلاح هو الماكينة الهادرة في تعز وعماد المقاومة ونحن لا يجب أن نخرب ماكينتنا بأيدينا.
وقلت أن المستقلين والمرأة والناصريين والإشتراكيين والليبراليين هم البهارات التي تعطي الطعم والنكهة والزهور التي يفوح منها العطر للمشهد في تعز.
إبخس وجود هذه القوى في تعز، تحصل على مكان منفر بدون طعم ولا رائحة، وتتوقف أن تكون تعز حقنا، التي نعرفها ولا نطيق الحياة بدونها.
والآن، السلفيون، ظهروا، في مشهد تعز.
تستطيع أن تعرفهم بمجرد رؤيتهم.
متطابقون في المظهر والمخبر.
تراهم فتعرفهم. تسمعهم، فتعرفهم.
وهم يبلون بلاءاً حسنا في المقاومة. ومرات بلا عدد رفعوا روحنا المعنوية ورؤوسنا من أيام معارك حوض الأشراف والمستشفى الجمهوري وسائلة القمط وحتى جبهات الوقت الحاضر.
أقول للسلفيين الأعزاء:
يمكنكم أن تتزمتوا ماشئتم، فكل مجتمعات الدنيا، بها متزمتون.
ولكن يجب ألا تفرضوا تزمتكم على الآخرين وألا تحرضوا ضد الآخرين.
العالم كله، ينظر إليكم أيها السلفيون. وماكينة الحوثي/صالح تسوق وتروج على أنكم إرهابيون. بل وتكسب تعاطف وتأييد ودعم، تحت هذا الإدعاء.
ولا نريد أن تتأذي تعز والمقاومة واليمن، بدعاوي وإدعاءآت.
آخر تطورات المشهد في تعز:
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
نحاول تجنب الخوض فيما نسمع مما قد يؤذي أبطالنا في الصفوف الأمامية أو يحبط جمهورنا الكبير في الحجم والأمل.
أكثر ما يؤذي أسماعنا، هو أن المقاومة، ليست مقاومة وأنها فقط مجرد لعبة، “مسيّرة”، من قبل قادتها المباشرين، أو قادة القادة المباشرين في الفنادق والأحزاب والشرعية، أو قادة قادة القادة المباشرين في التحالف.
المؤكد:
*أن أهل تعز وديارها، يعانون كما لا يعاني أي مكان آخر في اليمن.
*أن تحرير تعز، قد تأخر، ولأسباب غير عسكرية ولا ميدانية.
*أن إدارة المشهد سياسياً، رديء.
*أن إطالة مدة إجهاد نسيج تعز، يولد وحوشا ومسوخا تزيد من إرباك المشهد وتضيع الفرق بين العدو والصديق.
*أن إنهاكنا، قد أغرى بعض المحللين المغرضين على التشكيك بالمقاومة وبالشرعية وبالجنوب وبالتحالف.
وعلى التأكيد على نواياهم السيئة نحونا.
وحتى لو كان هذا صحيحاً، فإنه لا يناسبنا، ويجب علينا تفكيكه وإبطال مفعوله.
إذا ضاعوا كل هؤلاء منا، ضعنا معهم.
الضياع، ليس ماسنسمح به بعد كل هذا الطريق الذي سرناه.
ولكن أيضاً، يجب على كل فرد وفصيل مقاومة أن ينتبه.
ويجب على رئاسة وحكومة الشرعية، أن تنتبه.
ويجب على التحالف، أن ينتبه.
كلنا، متأخرون في مهمتنا.