عُقِدَ في العاصمة البولندية “وارسو”، مؤتمر جرى الإعداد له من قبل الولايات المتحدة الأمريكية حول سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن دعت دول أوروبا وعدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات والبحرين وعمان والأردن والسلطة الفلسطينية، وإسرائيل، وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في وقت سابق عنوان مناقشات المؤتمر الذي كان من المفترض أن يتمحور حول القضية الإيرانية ومسألة المنظومة الصاروخية والبرنامج الباليستي الإيراني، ثم اتسع مجال الحديث ليشمل القضية الفلسطينية ومسألة صفقة القرن، وقضايا الشرق الأوسط على حد سواء.
إيران.. أم الشرق الأوسط؟
عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى صبغ مؤتمر وارسو بصبغة شرق أوسطية، قبل أيام بسيطة من انطلاق أعمال المؤتمر الذي تمت وقائعه في الثالث عشر والرابع عشر من فبراير الجاري، بعد أن أعلنت أن “وارسو” يهدف بشكل أساسي إلى مواجهة النظام الإيراني وسياساته المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ومن أجل ضمان أكبر نسبة من حضور الحليف الأوروبي للجانب الإيراني في المؤتمر، بدأ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو زيارة لعدد من دول أوروبا قبل ساعات من قبل جلسات مؤتمر وارسو، شملت الزيارة كلًا من المجر وسلوفاكيا وبولندا وذلك لتعويض نقص التواجد الأمريكي في وسط أوروبا في السنوات الماضية، ما عزز من التغلغل الصيني والروسي إلى تلك الدول التي أصبحت مصدر قوة لبعض الدول التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة مباشرة.
بعد أن أعلن الثلاثي الأوروبي عن عزمهم إنشاء الآلية المشتركة المعروفة بـ”الانستكس”، للالتفاف على العقوبات الأمريكية بخصوص إيران وهما ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تعويض الغياب الأوروبي بخصوص الحديث عن إيران إلى وضع عدة عناوين أخرى للحديث بشأنها خلال مؤتمر وارسو تتضمن “محاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومواجهة تطوير البرنامج الصاروخي لبعض الدول، فضلًا عن الحديث عن مواجهة الإرهاب، بالإضافة إلى الحديث عن حل للأزمة اليمنية”، وإلى جانب ذلك تعود البوصلة خلال وقائع المؤتمر للحديث عن تأسيس تحالف لمواجهة إيران، وتقريب إسرائيل من الدول الخليجية لمواجهة إيران في سوريا بالتحديد.
جاء ذلك التصرف الأمريكي خوفًا من أن يظهر المؤتمر مدى التصدع الذي يشهده الاتحاد الأوروبي بخصوص المسألة الإيرانية، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية متفقتان حول ضرورة تحجيم البرنامج الصاروخي الإيراني الذي يزعج الأطراف الدولية، إلا أن بعض دول أوروبا جاءت على النقيض من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الآليات (وليس السياسات) المتبعة في الأزمة الإيرانية.
مخرجات المؤتمر
قبل بدء جلسات المؤتمر حددت الولايات المتحدة الأمريكية ضوابط معينة يسير عليها السياق في مؤتمر وارسو، إذ تحدثت عن تشكيل 6 لجان لـ«ضبط سلوك» إيران في الشرق الأوسط، وتعني اللجان الست بأمور محددة هي:
1 ـ محاربة تهديد الأمن السيبراني الإلكتروني.
2 ـ مواجهة تطوير الصواريخ الباليستية.
3 ـ محاربة الإرهاب.
4 ـ توفير الأمن والطاقة.
5 ـ أمان الطرق البحرية.
6 ـ حقوق الإنسان.
7 ـ متابعة الدول المتعاونة مع إيران طبقًا للعقوبات الأمريكية
وتشير كل تلك النقاط السبع التي يتضمنها عمل اللجان الست المشكلة إلى ملفات تخص بشكل مباشر سلوك إيران في الشرق الأوسط.
دلالات ما بعد وارسو
يحمل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عقد مؤتمر وارسو في ذلك الوقت بالتحديد عدة دلالات حول سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران خلال الفترة الحالية والمستقبلية أهمها:
1 ـ الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية: تريد الولايات المتحدة الأمريكية إيصال رسالتها الأولى من خلال تزامن مؤتمر وارسو مع ذكرى الاحتفالات بذكرى الثورة الخمينية التي حدثت في فبراير عام 1979 وأسفرت عن سقوط شاه إيران محمد رضا بهلوي إثر ثورة قادها «الخميني»، الذي كان منفيًا في باريس بأمر من السلطات الملكية الإيرانية في ذلك الوقت، بسبب خطاباته الحماسية التي كانت تشعل الأزمات الداخلية، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والتعالي الكبير الذي كان يتسم به شاه إيران في ذلك الوقت.
2 ـ التشابه مع مؤتمر جوادلوب 1979: مؤتمر جوادلوب هو المؤتمر الذي عقد في جزيرة جوادلوب الفرنسية عام 1979، وقبل أيام قليلة من سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، حيث تناقشت فيه الأطراف التي دعت له، حول مستقبل الدولة الإيرانية بعد سقوط الشاه، خاصة بعد أن لعبت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت دورًا مهمًا في سقوط آخر ملوك إيران، حيث كان مهندس تلك العملية هو زينيجو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي آنذاك؛ لذلك تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن توجه رسالتها الثانية إلى السلطات الإيرانية بأن ذلك المؤتمر قد يكون إرهاصًا لسقوط النظام الإيراني الذي بدأ يترنح بسبب الأزمات الداخلية التي تعصف بالمجتمع من الداخل، فضلًا عن العزلة الدولية والإقليمية التي يعاني منها.
3 ـ توحيد الصف ضد طهران: حاولت الولايات المتحدة الأمريكية بهذا المؤتمر أن توحد الصف بين الدول العربية المتأذية من السلوك الإيراني، وكان أبرز محاور هذا التحالف هي زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى القاهرة في وقت سابق حيث دعا إلى تأسيس محور جديد لمواجهة إيران مكون من الدول العربية وإسرائيل، في ظل الدعوة الأمريكية لمؤتمر وارسو والتي تضمنت 10 ممثلين عن 10 دول عربية، بجانب تل أبيب، التي كانت حاضرة في المشهد بقوة، والتي تعمل على انحسار النفوذ الإيراني في سوريا، بعد التهديدات التي تطلقها طهران من وقت لآخر بأنها تستهدف العمق الإسرائيلي، بالإضافة إلى اعتبار المحور السوري من أهم مناطق النفوذ الإيراني التي تطل على الحليف العسكري المهم في لبنان وهو حزب الله، فضلًا عن حركة حماس في غزة.
إجمالًا
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على النظام الإيراني بشتى الطرق، وقد تشهد الأيام المقبلة مزيدًا من التدهور الداخلي والإقليمي للنظام الإيراني، بالتزامن مع التصريحات التي تصدر عن قادة إيران بخصوص الوضع الداخلي والذي تتسبب فيه أمريكا على حد تعبير الرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي وقد أرجعا تدهور الوضع الداخلي لضغوط الولايات المتحدة.
كذلك يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية جادة في مسألة محاولاتها إسقاط النظام الإيراني الحالي، على الرغم من التصريحات التي تصدر من وقت لآخر بأنها تحاول تعديل سياسات النظام فقط، إلا أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من سياسات تقصد بها – بالتحديد ـ إسقاط هذا النظام، وتريد أن تكون الثورة عليه من الداخل من خلال انفجار اجتماعي أو انقلاب عسكري.
فضلا عن كل ذلك فإن الهجمات العسكرية الأخيرة التي يقوم بها المعارضون ضد قوات الحرس الثوري منذ الهجوم على العرض العسكري في سبتمبر مرورًا بالهجوم على قاعدة تابعة للباسيج ثم الهجوم على حافلة تقل عناصر للحرس الثوري يجعل من الواضح وجود خلل كبير بين صفوف الحرس الثوري مكنت المعارضين من استهداف ما يعرف بأنه أقوى جهاز أمني في الدولة الإيرانية، وهو ما يصعد من نجم حركات المعارضة المسلحة ضد النظام الحالي.
نقلا عن المنتدي العربي للداسات الايرانيه
اعداد الباحث محمد خيري