يكتنف التقارب الأميركي التركي الآخذ في التصاعد بالآونة الأخيرة الكثير من الغموض، الذي يطرح بدوره علامات استفهام كبرى بشأن ما إذا كان مؤشرا على صفقة ضخمة تتبلور بين البلدين أم مجرد تحرك تكتيكي تفرضه المعطيات الميدانية.
أولى هذه المؤشرات في التقارب التركي الأميركي، كانت في إطلاق أنقرة سراح القس الأميركي أندرو برونسون في أكتوبر الماضي، بعد أشهر من التوتر تمثلت بفرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عقوبات على أنقرة.
ومن أبرز المفاجأت في العلاقة التركية الأميركية، الإعلان الأميركي المباغت بالانسحاب من سوريا ليشكل ذلك فرصة جديدة لإطلاق يد تركيا في الشمال السوري، للقضاء على وحدات حماية الشعب الكردية شريك واشنطن بالحرب على داعش.
ولتكتمل الصورة، وعلى وقع استعداد تركيا لتعزيز وجودها في شمال سوريا وملء الفراغ الأميركي، جاء إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الثلاثاء، باحتمال إطلاق واشنطن سراح مسؤول سابق في بنك خلق التركي.
تقارب غير كاف
ويقول سمير صالحة، أستاذ العلوم السياسية المختص في الشأن التركي، إن “التقارب الظاهر بين تركيا وأنقرة في ملفات ثنائية وإقليمية لن يكفي أنقرة، طالما أن ملف جماعة غولن بقي عالقا بين البلدين”.
وتتهم أنقرة المعارض فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة منذ العام 1999، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف عام 2016، ومنذ ذلك الحين تطالب أنقرة بتسليمه.
ووصف صالحة في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، الانسحاب الأميركي من سوريا بأنه “رد للتحية” إلى تركيا بعد إطلاقها سراح القس برونسون، مستبعدا أن يكون هذا التحرك، إلى جانب مؤشرات أخرى، ترجمة لصفقة بين أنقرة وواشنطن.
وقال إن عودة العلاقات بين أنقرة وواشنطن، بعد سنوات من التوتر، لا تزال في بدايتها، مضيفا أن قلق كل طرف من الآخر لا يزال يحكم العلاقة بينهما، وأن التناقض بين البلدين في ملفات عدة لا يزال قائما، مؤكدا أن مؤشرات التقارب الحالية لا يمكن البناء عليها مستقبلا.
وأكد صالحة أن خروج أميركا من سوريا خلط الكثير من الأوراق، إذ سيصبح التنسيق التركي الروسي ضروريا في الفترة المقبلة، كما أن دخول فرنسا على خط العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية سيجبر أنقرة على الأرجح إلى مراجعة حساباتها.
وكانت محكمة أميركية قد قضت بسجن محمد خاقان عطا الله، 32 شهرا في مايو الماضي، لأنه ساعد إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية في قضية وترت العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
طريق غير ممهد
من جانبه، استبعد المحلل السياسي التركي فائق بالوت، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن تعود العلاقات الأميركية التركية إلى سابق عهدها بسرعة، وقال إن الطريق ليس ممهدا وأن العلاقات ستبقى تشهد مدا وجزرا.
ولم يستبعد بالوت حدوث صراع بين تركيا وروسيا بشأن التدخل في سوريا، لكنه لن يكون ميدانيا، على حد تعبيره. وأشار إلى توجه فريق عسكري أميركي إلى تركيا قريبا لتنسيق مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا.
وفي ما يتعلق بملف غولن، قال بالوت إنه ليس من مصلحة واشنطن تسليم الرجل إلى أنقرة الآن، مضيفا أن أميركا ربما تبحث عن “صفقة مثمنة”، لكنها ليس من أولويات واشنطن في المرحل الحالية.
وتوقع بالوت ترجمة التقارب الأميركي التركي في بعض الملفات على مراحل عدة، وأن مؤشرات التقارب الحالية ستأخذ وقتا للحكم على نتائجها، قائلا إن “الصراع لعبة ينتظر فيها كل طرف الآخر أن يخطو الخطوة الأولى”.