تمكنت القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي من دخول مدينة الحديدة، من جهتي الجنوب والشرق، ما ينذر بحرب شوارع تهدد ملايين السكان، لا سيما وأن ميناء الحديدة تدخل عبره أغلب السلع التجارية والمساعدات الطبية والإنسانية.
تقدمت القوات الموالية للحكومة اليمنية في اتجاه مدينة الحديدة من الجنوب والشرق، ما ينذر بحرب شوارع وشيكة في المدينة التي تعتبر شريان حياة لملايين السكان في البلد الغارق في نزاع مسلح.
وبعد أسبوع من المعارك العنيفة في محيط المدينة المطلة على البحر الأحمر، وصلت القوات الموالية للحكومة إلى أول الأحياء السكنية من جهة الشرق إثر معارك مع الحوثيين، حسبما أفاد الخميس ثلاثة عسكريين من مسؤولي القوات الموالية للحكومة.
معارك ومواجهات دامية
وأكد المسؤولون أن هذه القوات تقدمت داخل المدينة من جهة الشرق لمسافة كيلومترين على الطريق الرئيسي الذي يربط وسط الحديدة بالعاصمة صنعاء، وباتت تقاتل الحوثيين عند أطراف حي سكني.
كما أنها تقدمت ثلاثة كيلومترات على الطريق البحري في جنوب غرب المدينة، وأصبحت تخوض معارك مع الحوثيين عند أطراف جامعة الحديدة على مقربة من مستشفى الثورة الواقع في محيط سوق للسمك، بحسب المصادر ذاتها.
وأفاد مصور الوكالة الفرنسية للأنباء، أن المقاتلين الموالين للحكومة، قاموا بإزالة الحواجز الإسمنتية خلال تقدمهم في المدينة الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ 2014، مدججين بالأسلحة الرشاشة وقاذفات الصواريخ فوق السيارات رباعية الدفع.
وذكر القائد الميداني في القوات الموالية للحكومة محمد السعيدي وهو يقف بين عناصره الذين كانوا يرفعون شارة النصر “الآن جاري التقدم إلى عمق الحديدة. إما يسلموا المدينة بشكل سلمي، أو نأخذها بالقوة”.
وفي محافظة الحديدة، قتل 47 شخصا على الأقل من الحوثيين و11 مقاتلا من الموالين للحكومة في الساعات الـ24 الماضية، بحسب مصادر طبية، ليرتفع العدد الإجمالي للقتلى منذ بداية المعارك الخميس الماضي إلى 197 من الحوثيين و53 مقاتلا موالية للحكومة.
وكانت منظمة “أنقذوا الأطفال” (سايف ذي تشيلدرن) الإنسانية قالت إن يمنيا يبلغ من العمر 15 عاما قتل بعد إصابته بشظايا عند أطراف المدينة.
محادثات قبل نهاية العام؟
أما في شمال المدينة بعيدا عن المعارك، فبدت الشوارع مزدحمة بالمارة والسيارات والدراجات النارية في حي جيزان، رغم أن بعض المحال التجارية أغلقت أبوابها.
وعلقت على بعض أعمدة الكهرباء صور لقادة في صفوف الحوثيين، وسار مسلحون يحملون رشاشاتهم في أيديهم بين زبائن سوق رئيسي للخضار يراقبون الحركة التي بدت طبيعية.
وأوضح محمد يحيى أحد سكان المدينة وهو يتحدث بين مجموعة طبيرة من الأشخاص “نقول لدول العدوان إن الحديدة بعيدة عن عيونهم، ونحن بعون الله سننتصر”.
ويشهد اليمن منذ 2014 حربا بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، تصاعدت مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 دعما للحكومة المعترف بها دوليا بعد سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة بينها صنعاء ومدينة الحديدة.
حملة عسكرية للسيطرة على الميناء
وكانت القوات الحكومية أطلقت في حزيران/يونيو الماضي بدعم من التحالف حملة عسكرية ضخمة على ساحل البحر الأحمر بهدف السيطرة على الميناء، قبل أن تعلق العملية إفساحا في المجال أمام المحادثات، ثم تعلن في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي استئنافها بعد فشل المساعي السياسية.
واشتدت المواجهات الخميس الماضي بالتزامن مع إعلان الحكومة اليمنية استعدادها لاستئناف مفاوضات السلام مع الحوثيين، وذلك غداة إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث أنه سيعمل على عقد مفاوضات في غضون شهر، بعيد مطالبة واشنطن بوقف لإطلاق النار وإعادة إطلاق المسار السياسي.
لكن غريفيث ألمح في مقابلة مع قناة “الحرة” الفضائية الأربعاء إلى أن عقد محادثات جديدة قد يتطلب مدة زمنية أطول، موضحا أنه يعمل “من أجل عقد جولة مشاورات جديدة قبل نهاية العام”.
وباءت آخر محاولة قام بها غريفيث لتنظيم محادثات سلام في أيلول/سبتمبر الماضي في جنيف، بالفشل بسبب غياب الحوثيين.
بؤس وأمل
من جهته، قال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر فابريزيو كاربوني في بيان الخميس “هذا الهجوم الجديد على الحديدة يئد ومضة الأمل التي أشعلها الإعلان مؤخرا عن محادثات السلام”.
وتابع “نفد ما في جعبتنا من كلام لوصف مدى بؤس الأوضاع في اليمن. وقد آن الأوان كي نرى بصيص أمل في هذا البلد”.
أما منظمة الصحة العالمية فذكرت في بيان أن معارك الحديدة “تضع حياة آلاف (…) في خطر، وتمنع (المنظمة) من الوصول إليهم لتقديم مساعدات عاجلة هم بحاجة ماسة إليها”.
ومنذ بدء عمليات التحالف في 2015، خلف نزاع اليمن أكثر من عشرة آلاف قتيل و”أسوأ أزمة إنسانية” بحسب الأمم المتحدة التي حذرت من أن “اليمن اليوم جحيم حي”، إذ أن 14 مليون شخص قد يصبحون “على شفا المجاعة” خلال الأشهر المقبلة.
حرب شوارع محتملة
وتضم الحديدة ميناء تدخل عبره غالبية السلع التجارية والمساعدات الموجهة إلى ملايين السكان. وتثير المعارك مخاوف على حياة السكان البالغ عددهم نحو 600 ألف شخص، وعلى الإمدادات الغذائية إلى باقي المناطق التي قد تتأثر بحرب شوارع محتملة.
من جهتها، اتهمت منظمة العفو الدولية الحوثيين المدعومين من إيران بنشر قناصة على سطح مستشفى رئيسي في حي 22 مايو في شرق مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر.
وذكر مسؤولون في القوات الموالية للحكومة إن الحوثيين المدعومين من إيران حفروا خنادق وزرعوا ألغاما على الطرق في محيط مدينة الحديدة لمنع تقدم القوات الموالية للحكومة.
وأردف المسؤولون أن الحوثيين نشروا كذلك قناصة على أسطح المباني وخلف لوحات إعلانية ضخمة للتصدي للقوات الموالية للحكومة.
وغداة تأكيد عبد الملك الحوثي الأربعاء أن مقاتليه لن يستسلموا أبدا، في تعهد ينذر بمعركة شرسة في المدينة، عين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وزيرا جديدا للدفاع ورئيسا جديدا لهيئة الأركان العامة.