الذكرى ال٥٥ لثورة ١٤ أكتوبر المجيدة لن تكون مجرد حكاية تسرد على نحو لا يمكن أن تنصف معها التضحيات التي قدمت على طريق انتصار هذه الثورة ، إذا لم نبحث في ما تحمله الحكاية من دروس وعبر .
– التاريخ ملهم لمن يريد أن يتفكر في أحداثه ويتدبر أمر متغيراته .
– في اليمن يستبد بِنَا الحدث التاريخي الذي يشعل فينا الحماسة كتعويض عن الانكسارات التي تعقب ذلك الحدث في اللحظة التي يتعين علينا فيها أن نبحث عن أسباب الانكسارات لنتخطاها ، ونكاشف أنفسنا وأجيالنا عن الحقائق بأسلوب ثوري يبرر إحتفاءنا بالثورة .
– لو لم يتبق من الثورة سوى هذه المكاشفة الثورية لأمكننا القول إن الثورة لا تزال زاخرة بعوامل ديناميكية تتجدد بها عند كل انتكاسة ، وأنها لا تزال حاضرة في وجدان الناس وثقافتهم ، وأن ما تعرضت له من تحديات لم يكن سوى صورة من صور التدابير الخاطئة التي ستواصل الثورة تسوية مسارها من خلال تصحيحها .
– لكن أخطر ما يصيب الثورة من انتكاسات هو أنه عندما يصبح الحماس الذي تشعله الذكرى غير موصول بالوعي والثقافة الثوريين اللذين لا تنتقل الثورة عبر الأجيال إلا بهما. وأنه وبدونهما ، وخاصة عندما لا يتأسس في الأرض واقع صلب يشي بأن حراكاً ثورياً قد مر ذات يوم من هنا ، فإن الذاكرة في هذه الحالة لن تستطيع أن تربط الأجيال بعجلة الثورة مما يهدد بفقدان الذاكرة نهائياً بعد أن تتحول الى مجرد طقوس لا تحمل غير معنى واحد وهو ” الإنتكاسة” .
– في غمرة هذا الحدث العظيم يجب أولاً أن نتذكر الشهداء الذي سقطوا على درب الحرية ودفاعاً عن حلمهم في البناء والتقدم الاجتماعي . ومن هذه النقطة علينا أن نتبين حقيقة هذه المسألة التي غمرتها الصراعات وأخرجتها من دائرة التفاهمات الوطنية التي كان يفترض أن تسود وهي أن هؤلاء الشهداء كانوا ينتمون الى كل التيارات الوطنية ، وكان هدفهم واحد بالرغم من التنوع السياسي الذي طبع لوحة الثورة في مبناها العام وأدى إلى قدر من الاختلاف في الرؤى ، لكنه ليس الاختلاف الذي يشكل تناقضاً حاداً في الموقف من الهدف الاساسي للثورة ، وكانوا بذلك عنواناً مشتركاً للارادة الوطنية التي حملت لواء الحرية .
– باستعادة هذا المشهد الذي انعكس بعد ذلك في صراعات لم تنته يتبين لنا كم كانت الايديولوجيا الطاردة للتفاهم الوطني لهذه القوى الحاملة لمشعل الحرية قوة سلبية في المجرى العام للثورة .
– لم تسمح بأي حوارات بين هذه القوى ، بل كانت ،بمنطق اليوم ، الخندق الذي لاذ به الجميع كل من موقعه في الخارطة السياسية ليقصي الآخر .
– هناك من أقصى ، وهناك من عانى من الإقصاء، وهناك من عاد ليقصي .. وتكررت دورات الاقصاء ، ولم تعد في الهزيع الأخير من دوراتها أيديولوجية بقدر ما كانت ثأرية .
– تنتهي دورات العنف والاقصاء إلى حقيقة مفادها أن العنف والاقصاء في الحياة السياسية قد أساءا الى الوطن والى الثورة وإلى دم الشهداء ، وخربا الفعل الثوري البناء وحولاه إلى فعل ثأري هادم .
-لا يبدو أن الجميع قد تعلم من هذه الحقيقة التي غرق فيها بلدنا … واذا لم نتعلم الان فمتى سنتعلم ؟
كل عام والجميع طيبون في ذكرى أكتوبر المجيد !!