ملف حُشِر وسط أزمات مصاحبة متشعبة الأوجه والأطراف والأهداف والنوايا؛ الحكومة الشرعية التي بدت عاجزة , أو غير أبهة حيال توقف الدراسة في جميع مدارس محافظات عدن ولحج وأبين والضالع … لم تحرك ساكنـًا لحلحلة هذا الوضع الاستثنائي وكأنّ الأمر لا يعنيها , رافضة البحث عن أي حلول يمكنها زحزحة الأسباب التي قادت إلى إعلان نقابة المعلمين الجنوبيين إضرابـًا مفتوحـًا عن العمل منذ مطلع سبتمبر الحاليّ ؛ مقدّمة حزمة من المطالب الحقوقية قالت النقابة “إنها لن ترفع الإضراب دون تلبيتها من قبل الحكومة الشرعية ــ وعلى رأس تلك المطالب زيادة عادلة في رواتب المعلمين ــ .
زيادة يرى المعلمون بـ:أنها لم تعد ترفـًا , أو وسيلة ضغط سياسيّة بقدر ما هي ضرورة وحاجة لا يمكنهم أداء رسالتهم التعليمية دون حصولهم عليها خاصة بعد انهيار قيمة العملة المحلية وهبوط قيمة رواتبهم بالمتوسط إلى أقّل من 150 دولارًا مقارنة ب270 دولار قبل اندلاع الحرب كما يطالب المعلمون أيضـًا بعلاوات وبدلات وتأمين صحي.
وردّ معلومون بشأن فريّة وضع الحرب ونقص الموارد لدى الدولة يرددها مناصرون للحكومة قالوا أن هذه الحجّة مردود عليهم , وتدحضها أرقام الإنفاق والإسراف والتبديد المهول – خارج الأطر القانونية – الذي تمارسه الحكومة بعيدًا عن أي وازع من ضمير أو مسؤولية ؛ فبحسب مصادر في البنك المركزيّ ؛ فإنّ الحكومة الشرعيّة قد بددت خلال أقل من 8 أشهر 930 مليار ريال تقول بأنها تذهب في بند الرواتب وبحسب المصادر ذاتها فإنّ الحكومة لا تدفع رواتب غالب الموظّفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين كما أنها لا تدفع رواتب العسكريين الذي يتحمل التحالف دفعها بديلاً عنها منذ أكثر من 3 سنوات ، ناهيك عن بقية الموارد التي تأتيها من عمليات تصدير النفط والمنافذ البرية والبحرية والضرائب التي تصل قيمتها سنويّـًا لأكثر من800 مليار ريال.
تحذير مسبق
قبل بدء العام الدراسي بشهر قدمت نقابة المعلمين الجنوبيين إلى وزير التربية و التعليم “عبد الله لملس” بستة مطالب وأمهلته شهرًا لتلبيتها باعتبارها حقوقـًا مستحقّة لجميع المعلمين غير أنّ الوزير الذي اعتقد بحسب أعضاء في النقابة ” بـ:أنّ النقابة لا تستطيع فرض العصيان , وقال على صفحة الوزارة معلّقـًا “هذه النقابة غير معترف بها “.
في 14 من سبتمبر ألتقى الوزير بممثلين عن النقابة قدم المعلمون خلال المقابلة حزمة من المطالب متمثلة في التالي :
” الإقرار بأنّ أجور و مرتبات المعلمين لم تعد تتناسب مع ظروف الحياة ، ووضع حل نهائيّ و حاسم لقضية موظفيّ العام 2011م وإدخالهم كشف الراتب بشكل قانوني ,و إعادة كل ما يخص المعلم من علاوات سنوية و تسويات، وحسم قضية التربويين المحالين للتقاعد وصرف جميع المستحقات المالية المتراكمة لدى الحكومة دفعة واحدة، و نقل رواتب المعلمين المنقولين من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية”.
لا حلول في الأفق
عقب الاجتماع طلب الوزير مهلة لمناقشة هذه المطالب مع الجانب الحكومي غير أنّ هذا لم يحدث حتى اليوم ؛ لتستمر الأزمة التي باتت تؤرق أولياء أمور الطلاب الذين باتوا في حيرة من أمرهم ؛ فالكثير منهم يتفهم المطالب المشروعة للمعلمين.
ولإلقاء الضوء على هذه المشكلة زار مراسلنا عددًا من المدارس في العاصمة عدن , والتقى عددًا من الأساتذة وأعضاءًا في نقابة المعلمين الجنوبين.
الأستاذة “امتثال جميل” رئيسة نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين في مديرية خور مكسر قالت لـ”الأمناء” “إن النقابة اتخذت قرار الاضراب هذا العام بعد أن نفذ صبر المعلمين والتربويين الجنوبيين على حكومة الفساد فقد وعدتنا الحكومة بـ:أنّها ستلبي مطالبنا العام الماضي بشرط أن نعلق الإضراب وهذا فعلاً ما قمنا به وبدأنا التدريس وانتهى العام الدراسي ولم تعمل الوزارة أي شيء لأجلنا، لكم أن تعرفوا بأن راتب المعلم كان أكثر من 260 دولارًا , واليوم صار راتبه 85 دولار والعلاوات متوقفة منذ 2011م وكل ما نحتاجه لإتمام العملية التعليمية غير متوفر حتى أقلام السبورة والممحاة ؛ المعلم من يقوم بشرائها من راتبه الزهيد.
راتب الجندي ضعف راتب المعلم
وأضافت امتثال: “نعمل للأسف داخل المدارس في ظروف صعبة لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب نعمل منذ الصباح وحتى الظهيرة بدون مراوح في الفصول وهذا بحد ذاته يشق على المعلم ــ خصوصـًا وقت الظهيرة ــ يعني تسقط مغمي عليك مافي مجال يسعفوك إلا إذا عندك فلوس تروح تتعالج على حسابك الخاص المعلم بدون تأمين صحي”.
وتابعت بوجع: “نحن أولياء أمور ولسنا معلمين فقط إذا لم يتم النظر في حقوقنا لن نستطيع تعليم أبنائنا ولا نملك ما نطعمهم به، فقد تقلصت حتى وجباتهم وهم في سن نمو وهكذا تعسر علينا شراء أغراض المدارس، وتساءلت ” أليس من حق أولادنا التعلم والعيش الكريم ؟ الكثير من المعلمين تَرَكُوا المدارس وانخرطوا في البحث عن أعمال أخرى ، للأسف صار راتب الطالب الذي أدرسه ألف ريال سعودي لانّ لديه رقم عسكري وأنا معلمته راتبي لا يساوي نصف راتبه”.
واختتمت حديثها بالقول أن “يجب أن تعرفوا بأن دعوات نقابة المعلمين و التربويين الجنوبيين ليست ضد التعليم نحن نسعى لخدمة التعليم وتصحيحه من خلال منح المعلم كامل حقوقه لكي نحسن من جودة التعليم ومحاربة ظاهرة الغش بالمدارس كونها ظاهرة تفشت في مدارس الجنوب تحديداً بعد قيام الوحدة اليمنية عام 90م والهدف منها تجهيل الجيل الجنوبي والجميع يلاحظ نتائج الثانوية العامة درجات عالية ومستوى متدني جدًا … نريد أن نطور التعليم في بلادنا لكي نبني جيلاً متسلحـًا بالعلم و القيم و المبادئ ليرتفع بذلك شأن الوطن والمواطن”.
شعور بالعجز والإحباط
ليست النقابة وحدها من تعاني ؛ فمعظم المعلمين مع قرارات النّقابة بعد أن شعروا بـ:أنهم أمام مجاعة ووضع معيشي صعب للغاية ؛ فما تكاد تقدم سؤالاً إلا تجد الجميع كلاً يعبر بطريقته وهذا ما وجدناه في مدرسة /خالد بن الوليد حيث عبرت معظم المدرسات عن آرائهن وتحدثن عن المعاناة التي تواجه التعليم في اليمن.
“نحن أمام عام مضطرب منذ البداية غلاء فاحش وانهيار اقتصادي وأزمات مختلفة نشعر بالإحباط وعجزنا عن إكمال مهمة التعليم في هكذا وضع مؤسف لم نتوقع بأن الحال سوف يصل بناء إلى حالة نعجز فيها عن توفير الاحتياجات الضرورية أو مستلزمات اطفالنا المدرسية نشعر بالحرج حينما نقف عاجزين عن تلبية ابسط حقوقهم” , إفادة خصت بها الأستاذة / رضا عبدالغني في إطار بحثنا عن استقراء جوانب المشكلة من الميدان .
وقال رضاء : ” يعلم الجميع أنّ رواتب المعلمين ضئيلة جدًا ولم تعد تكفي لمتطلبات الحياة لهذا اضطررنا مجبرين وآسفين إلى تنفيذ مطالب نقابة المعلمين والتربويين بعد أن خذلتنا الحكومة وأصبحت كل وعودها لنا مجرد سراب لن ننصاع لهم إلا حين يستجيبون لنا وشددت “مطالبنا مشروعة وناقشناها مع الحكومة منذ سنتين ولكن الحكومة لا تفي بوعودها، ولم توفر أي شيء فالمدارس تعاني من نقص الفصول الدراسية ونقص الكتاب المدرسي وكذلك نقص الأثاث المدرسي والمختبرات التعليمية، نتمنى بأن تفي الحكومة بوعودها وتراجع أوضاع القطاع التربوي والتعليمي من أجل أجيالنا ؛ فهم حاضر اليوم و مستقبل الغد”.
حقوق مكتسبة , وفساد مستشرٍ
مدير دائرة الإعلام و النشر في مكتب التربية و التعليم في عدن الأستاذ/عبد الفتاح العود صرّح بـ:القول”بدأ الموسم الدراسي هذا العام في ظل ظرف في غاية الصعوبة ، وهي خلاصة تراكمات حالة الفساد المستشري الذي أعجز الحكومة عن معالجة الاحتياجات الأساسية التي تهمّ المواطن ، علاوة على تغول الدولار وضربه لعملتنا المحلية هذه الأسباب أدت إلى حالة العصيان المتزامن مع مطالب نقابة التربويين الجنوبية التي تمثلت في مطالب وحقوق مكتسبة تغافلت عنها القيادة السابقة في وزارة التربية والتعليم وأصبحت ملفـًا ثقيلا عجزت عن حله القيادة الجديدة وهي طبيعة العمل والعلاوات والتسويات منذ سنين مضت ؛ ربما 2011 علاوة على غلاء المعيشة والفساد المستشري بدءًا من مديري عموم الإدارات حتى الوزراء والحكومة برمتها”.
وأضاف العود :” بأنّ المواطن يعيش وضع معيشي صعب بالكاد ومديرو عموم ووزراء ووكلاء وزارات لهم شقق وعقارات في مصر وتركيا وقطر والإمارات ، كل هذه التراكمات جعلت الشارع والبيئة التعليمية التربوية متعكرة الأجواء ومتعثرة كون العملية التعليمية لا تتم إلا في أجواء صحية وطبيعية ” وفنّد العود ” الأخ وزير التربية والتعليم د/عبدالله لملس التقى بالقيادة التربوية وكان صريحا وواضحا في حقوق التربويين وسعيه لتطبيع العملية التعليمية والتربوية حيث قال إنه طرح على القيادة إمكانية الزيادة لأن تكون 50% لكن ربما للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا تم الوقوف على 30% والمشهد ربما سيكون أفضل فيما لو تم معالجة هذه الإشكاليات واستتباب الوضع العام إلى الحالة الطبيعية نهاية هذا الشهر حسب وعد الحكومة لامتصاص حالة الغليان الشعبي الذي تفجر نتيجة لتركم المظالم”.