حلت المناسبة السنوية للاحتفاء باليوم الوطني السعودي. واليوم الوطني تختاره الدول بحسب تاريخها ووعي نُخَبها بأهميته في قيام كيانها السياسي ودولتها الوطنية. لكنّ اليوم الوطني السعودي بالنسبة لنا نحن العرب ليس يوماً كغيره من أيام وعهود الدول الوطنية المحلية. إنه بالنسبة لنا في هذه السنوات بالذات يوم الوحدة، ويوم القوة، ورمزٌ للاستقرار والتماسُك العربي، والأمل العربي في الحاضر والمستقبل.
لماذا يكون اليوم الوطني السعودي كلَّ ذلك؟ لأنه في البدء ليس إعلاناً عن الخروج من قبضة الاستعمار، شأن كل الدول العربية والإسلامية الأُخرى مع أيامها الوطنية. بل هو فعلٌ إراديٌّ وواعٍ انطلق من قلب الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، لجمع وتوحيد الشتات الكبير في تلك النواحي الشاسعة. ثم بلغ هذا التوحيد الحرمين الشريفين، لاستعادة القيادة العربية للعرب وللإسلام. في سبيل ذلك، ما خاض السعوديون نضالاتٍ ضد المحليات وضد العثمانيين وتابعيهم فقط، بل وضد دول وكيانات التخوم التي كانت عبر عدة قرون تمد أيديها وجيوشها إلى داخل الجزيرة العربية بعدة حُجج، ومن حماية الحرمين، إلى حماية الطرق التجارية، فإلى مواجهة الغزو البحري الغربي على شواطئ البحر الأحمر والخليج. ووجهة نظر السعوديين كانت وما تزال أن الجزيرة العربية مهد العرب ومهد الإسلام، لا يحفظها ولا يحمل رسالتها غير العرب الأقحاح: «وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسألون».
وهكذا، وعندما أعلن الراحل الملك عبد العزيز آل سعود عن قيام المملكة في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، كان مخاضٌ طويلٌ يكاد يبلُغُ القرن قد خيض، وبلغ ذروته في الإعلان عن دولة العرب، ودولة الأمن والأمان والحماية.
والدليل الأوضح على الوعي بالرسالة إقبال المملكة في أربعينيات القرن العشرين، مع مصر، على إقامة الجامعة العربية، لترعى استقلال النواحي العربية بالمشرق والمغرب من الاستعمار وتساعدها في النهوض، ثم لتُنشئَ في ستينيات القرن منظمة المؤتمر الإسلامي، فيكتملَ بذلك عقدُ التكاتُف والتضامُن باتجاه إقامة التكتل البشري الأكبر ضمن الأُمم المتحدة.
والدليل الأوضح الآخَر في الحاضر على أنّ المملكة هي عمادُ القوة العربية والاستقرار العربي، هو هذا الانزعاج الشديد من جانب الإيرانيين من المملكة العربية السعودية. ففي مؤتمر القمة بسِرت الليبية عام 2010 نبَّه الراحل سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي آنذاك إلى حالة «الخواء العربي»، وإلى أخطار التدخلات الإقليمية والدولية بالدواخل العربية. وبالفعل فإن الإيرانيين بعد أن تقاسموا السلطة بالعراق مع الأميركيين إثر احتلالهم له عام 2003، اتجهوا لإكمال السيطرة في لبنان وسوريا، وأخيراً باليمن، مع التهديد لأمن الأردن، والدخول على خط الاضطراب في مصر. في الجزيرة سارعت السعودية والإمارات إلى حماية البحرين، وحاولوا حماية لبنان من نفسِه وصَغَار سياسييه. ووقفوا مع مصر حتى انقضت عوامل الزعزعة.
إنّ موقع السعودية ودورها الجامع والفاعل والموحِّد، هو الذي عرَّضها لأشد الهجمات. في البداية عقب هجمات 11 سبتمبر 2001. ثم في الاندفاعة الإيرانية عبر الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وقد أثبتت السعودية أنها أهمُّ الجهات والجبهات في مقاتلة الإرهاب، الذي هاجمها أولاً، والذي صارت إيران ملجأً له. وها هي السعودية تقف في مقدمة المناضلين ضد التخريب الإيراني للدول والمجتمعات وبشتى الوسائل، ومن العراق وسوريا ولبنان وإلى اليمن.
عندما يحتفي السعوديون باليوم الوطني، فإنما يحتفون بتجربة الوحدة العربية الأولى الناجحة في الأزمنة الحديثة. وما كانت هناك تجربةٌ ناجحةٌ أُخرى غير تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة. وعندما يحتفون باليوم الوطني، يحتفون بالازدهار والاستقرار والتنمية. أما نحن العرب في كل مكان فنرى في النجاح السعودي والقوة السعودية والإماراتية، الأمل والعمل من أجل استعادة السكينة في الدين، وإنقاذ تجربة الدولة الوطنية في المشرق العربي، وتصحيح العلاقة مع العالم.
نتطلع نحن العرب من حولنا في الظروف الصعبة بسبب الخراب الذي أحدثه الإيرانيون والإرهابيون والدوليون، فلا نجد نموذجاً لإمكان النهوض العربي، واستعادة الاستقرار العربي، والملاءة الاستراتيجية العربية، غير القيادة السعودية العاملة مع مصر والإمارات، لكي تكون لنا حياة أفضل.
هنيئاً للسعوديين بيومهم الوطني. وهنيئاً لنا نحن، عرباً ومسلمين، بالدور السعودي والنموذج السعودي في القيادة والتنمية وصنع الاستقرار في الحاضر والمستقبل.
* نقلا عن “الاتحاد”