الاناضول
تتواصل حركة النزوح من مدينة الحديدة، غربي اليمن، مع استمرار المعارك جنوبي المدينة، بين ميليشيا (الحوثيين)، والقوات الحكومية المدعومة بقوات التحالف العربي، ومنذ مطلع الشهر الجاري حتى الثلاثاء الماضي، نزحت 5 آلاف و200 أسرة من المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر، حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
أغلب النازحين، انطلقوا بلا وجهة، وتقطعت بهم السبل، وغُلقت أمامهم الأبواب، يفزعهم مصير من سبقوهم، ممن اضطروا للتسول أو أكل أوراق الشجر، حسبما يفيد نشطاء ونازحون للأناضول، تسند أم إيهاب ظهرها على جدار أحد الفصول بالمدرسة التي لجأت إليها في حي الحوك وسط المدينة، وتحاول بلا جدوى أن تصارع قيظ الصيف ودرجة الحرارة المرتفعة التي تصل إلى 40 درجة مئوية.
هي واحدة من ألف شخص على الأقل نزحوا من جنوبي المدينة إلى وسطها، بعد أن دارت في قريتهم “منظر” أشرس المعارك التي انتهت بسيطرة القوات الحكومية والتحالف العربي عليها، حسبما يقول عبدالله باشا مسؤول الهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية التابعة للحوثيين.
وبخطى وئيدة تتجول المرأة الستينية في فصول المدرسة المتهالكة، وبعينين ذابلتين تتلفت في الفصول بحثاً عن أبنائها وأقربائها بين النازحين، لكن العجز وقلة الحيلة بفقدانهم، يجعلها تعود كل مرة إلى مهجعها في فصل المدرسة، خائبة الرجاء.
تقول أم إيهاب للأناضول، إنه منذ أن غادرت الأسرة منزلها في قرية “منظر” تشتت الأفراد، فأبنائها وأحفادها وصلوا معها إلى المدينة قبل أسبوعين، لكنهم تشتتوا واختفوا عنها، دون أن تعلم عنهم الكثير.
وتضيف “علمت أن أحد أبنائي ذهب إلى منطقة القطيع (بلدة تقع شرق مدينة الحديدة)، والآخر اتجه إلى منطقة الزيدية (شمال الحديدة)، والآخرون لا أعلم أين ذهبوا، فيما أنا بقيت عالقة لا أنني لحقت بهم، ولا أنني استقريت هنا”.
تتابع أم إيهاب “ليس لنا حول ولا قوة.. ننام ونحن نبكي ونصحى كذلك ونحن نذرف الدموع”.
**نزوح في محيط المدينة
ومن مدينة الحديدة توزعت حركة النزوح، واتجه نازحون إلى العاصمة صنعاء، واستقر آخرون في القرى المحيطة بالمدينة، فيما نزح البعض إلى المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، وهم قليل جداً.
ولا يوجد إحصائيات دقيقة بعدد النازحين وحركة النزوح، ومعظمهم اتجهوا إلى البلدات والقرى القريبة من المدينة، حسب ما يقول كمال البعداني الناشط في منظمة محلية تعمل في توزيع المواد الإغاثية .
يقول البعداني للأناضول إن النازحين لا يملكون مقومات النزوح، ويضعون خططهم كاملة على الدعم الإنساني الذي تقدمه المنظمات الإنسانية الدولية، مما قد ينذر بأزمة إنسانية كبيرة.
ويضيف “ستتكرر ظروف النزوح من مدينة الحديدة، كالتي مر بها النازحون من مدن الخوخة وحيس (جنوبي محافظة الحديدة) خلال الأشهر الماضية، حيث لجأوا في النهاية إلى التسول وأكل أوراق وبذور الأشجار”.
ويسيطر الفقر على مدن وبلدات الساحل الغربي في اليمن، ويقول عبد الغني محمد وهو أحد النازحين للأناضول، إنه أُجبر على مغادرة منزله في مدينة الدريهمي مع تصاعد المعارك، لكنه لا يملك المال أو الطعام.
وقال “نحن فقراء، وغالبيتنا إما عمال بالأجر اليومي أو عمال بشركات ومصانع بأجور زهيدة، أو سائقي دراجات نارية، وبيننا موظفون انقطعت رواتبهم منذ عامين، لذلك لا نملك المال الكافي لمواصلة الحياة”.
**نزوح بلا وجهة
لكن المأساة الأكبر تتلخص في أن نازحين غادروا منازلهم دون أي وجهة، وبعد عناء استقروا في نهاية المطاف بالعاصمة صنعاء ومدينة إب، الخاضعتين لسيطرة الحوثيين، لكنهم واجهوا صعوبات كبيرة.
وارتفعت أسعار الإيجارات فجأة في صنعاء. وقال نازحون إن ملاك العقارات استغلوا مأساتهم، ورفعوا سعر شقة السكن المتوسطة الذي يتراوح بين 30 – 40 ألف ريال، إلى 50 – 60 ألف ريال (سعر الدولار الأمريكي 485 ريالاً).
ومن لا يملك المال في صنعاء استقر في مدرسة أبو بكر الصديق، وأعلنت سلطات الحوثيين “سرعة الاستجابة لتلبية احتياجات النازحين الغذائية والإيوائية والصحية”، حسبما قال وزير الصحة في حكومة الجماعة (غير معترف بها)، طه المتوكل.
آخرون انتهى بهم المطاف في مدارس محافظة المحويت (خاضعة للحوثيين شمال شرق الحديدة)، فيما انتقل البعض إلى مدينة إب (وسط اليمن)، واستقروا في مناطق أعدها الأهالي، كمراكز إيواء لهم، لكنها تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ويقول مختار ناجي وهو أحد سكان حي الربصة جنوبي الحديدة، للأناضول، “حملت ما غلا ثمنه وخف وزنه على سيارتي، مع أطفالي الأربعة وزوجتي، وانطلقت بلا وجهة، وفي الطريق قررنا التوجه إلى قريبنا في إب”.
**مناطق سيطرة الحكومة
تدخلت الحكومة اليمنية في أزمة النازحين، ووجهت دعوة للنزوح إلى المناطق والمدن الخاضعة لسيطرتها.
وقال وكيل محافظة الحديدة وليد القديمي، على صفحته بتويتر “نداء الى كل المتضررين من أبناء تهامة من عبث المليشيات الحوثية وخصوصا في مركز المدينة أدعوكم الى النزوح الى المناطق المحررة، الخوخة أو عدن”.
وأشار إلى أن الحكومة ستتكفل بترتيب كل الاحتياجات والمتطلبات للنازحين، من إيواء وغذاء ودواء.
وتابع “لن نسمح للمليشيات الحوثية في صنعاء والمحويت وباقي الأماكن التي نزحتم إليها أن تعبث بكم وتبتزكم. أنتم كرام وأعزاء ولا تقبلون بالذل والمهانة سنستقبلكم في المناطق المحررة وسنكون إلى جانبكم”.
كما أعد الهلال الأحمر الإماراتي مخيماً لاستقبال النازحين في مدينة المخا، جنوب محافظة الحديدة (تابعة إداريا لمحافظة تعز).
لكن النزوح إلى مواقع سيطرة الحكومة والتحالف العربي يبقى مخاطرة كبيرة، فعلى النازحين اجتياز خطوط النار، أما محاولة السفر عبر المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين فهي مسألة قد تفشل مرات كثيرة.
السبت الماضي، أوقف الحوثيون في منطقة الراهدة بمحافظة تعز، جنوب غربي البلاد، عشرات الأسر النازحة، كانت في طريقها إلى مدينة عدن، وأعادوها بالقوة إلى مدينة إب، حسبما قال مصدر محلي للأناضول اليوم الأحد.
**دعم قليل للغاية
ويقول عبدالله باشا مسؤول الهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية، للأناضول، إن الدعم المقدم من المنظمات الدولية يكاد يكون معدوماً.
ويضيف “توزع النازحون في المدينة (الحديدة) والمناطق المحيطة بها، ولم توصل أي مساعدات لهم، لذا يجب على المنظمات الدولية، أن تثبت للشعب اليمني بأنها تعمل في الجانب الإنساني وتقدم الدعم الكامل للنازحين”.
وبحسب باشا فإن المنظمات التابعة للأمم المتحدة وإذا لم تقدم الدعم للنازحين المتضررين، فإن دورها سيكون بأنها قدمت غطاء لـ”العدوان (الحكومة وقوات التحالف)، كما قدمت له غطاءً في السابق”.
ومنذ أسابيع، تتواصل العمليات القتالية على طول الساحل الغربي لليمن باتجاه محافظة الحُديدة، حيث بدأت القوات اليمنية بإسناد من التحالف العربي، فجر 13 يونيو/ حزيران الجاري، عملية عسكرية لتحريرها من الحوثيين.
وسيطرت القوات الحكومية على مطار المدينة ومواقع محيطة، فيما تدور معارك شرسة بين الطرفين في الجهة الجنوبية.
ويعاني اليمنيون أوضاعا معيشية وصحية متردية للغاية؛ جراء الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، بين القوات الحكومية والمسلحين الحوثيين، الذين يسيطرون بقوة السلاح على محافظات، منها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.