“سبتمبر نت”
ثلاثة أعوام مرت منذ أن تشكّلت النواة الأولى لإعادة بناء الجيش الوطني منتصف 2015م بمجموعة من الضباط والأفراد الذين أعلنوا الانضمام إلى الشرعية الدستورية، ومن صحراء العبر كانت بداية الانطلاقة التي غيّرت مجرى الأحداث العسكرية والخارطة السياسية في اليمن.
عقب اقتحام المليشيا الحوثية وحليفها السابق علي عبدالله صالح للعاصمة صنعاء وانقلابهم على الشرعية وعلى حكومة الوفاق وسيطرتهم على القصر الجمهوري بصنعاء والمعسكرات ومخازن الأسلحة وانتقال الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مدينة عدن (21 فبراير 2015م) تم تكليف المقدشي بإبقاء المناطق العسكرية الأولى (سيئون) والثانية (المكلا) والثالثة (مأرب) ومحور الجوف والوحدات التابعة لها بيد الحكومة الشرعية، ليعود الرجل من محل اقامته في الخارج ويصل إلى مأرب في زيارة سرية لتنفيذ المهمة التي أوكلها له الرئيس هادي ويلتقي بالقادة العسكريين ويبدأ العمل على منع سقوط تلك المناطق العسكرية بيد الانقلابيين الحوثيين ودفع الوحدات العسكرية لصد محاولة الحوثيين التمدد باتجاه المحافظات الشرقية التي تتمركز فيها منابع النفط والثروة، وقد ساهم في ابقاء تلك الألوية والوحدات متماسكة والحفاظ على أسلحتها والاستفادة منها في معارك مواجهة الانقلابيين.
لم يجد رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي من مخرج سوى خيار “طلب التدخل” من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي لردع الانقلاب واستعادة الدولة، وهو ما أثمر انطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 ونجاحها في تعطيل القدرات الأساسية للجيش الذي أصبح –حينها – تحت قبضة الميليشيات الانقلابية.
وقد عرّت عملية عاصفة الحزم أدوار الرئيس السابق في استعماله الجيشَ حصانَ طروادة للعودة من حيث أخرجته المبادرة الخليجية، إذا أخضعه سنواتٍ طويلة لحماية حكم نظام العائلة بدلاً أن يكون جيشا جمهوريا، لا ولاء له لغير اليمن وشعبه.
بعد مرور نحو شهرين على بدء عمليات “عاصفة الحزم” وصمود المقاومة الشعبية وجزء محدود من المؤسسة العسكرية في وجه الانقلابيين، قرر الرئيس عبدربه منصور هادي، إعادة بناء القوات المسلحة بناءً وطنياً بعيداً عن المناطقية والطائفية كرافعة صلبة لاستعادة الدولة ومؤسساتها، فأصدر قرارا قضى بتعيين اللواء الركن محمد علي المقدشي -حينها- رئيسا لهيئة الأركان العامة، وتعيين اللواء ركن ناصر عبدربه الطاهري، نائبا لرئيس هيئة الاركان. وأوَكل إلى المقدشي مهمة إعادة تجميع القوات المسلحة على أسس وطنية وحشد الطاقات الشعبية الى جانب الجيش لاستعادة الدولة.
تولى المقدشي قيادة القوات المسلحة في وقت لم يعد فيه أي تواجد للجيش اليمني، بعد الحرب التي قادتها المليشيا الانقلابية ونهبها لمعسكرات الجيش، وعزلها للضباط المؤثرين فيه، وإخضاع كافة الوحدات العسكرية في المناطق التي وصلتها لتصرفها وأهدافها.
كانت مناطق حضرموت ومأرب هي الجغرافيا المناسبة لإنشاء النواة الأولى للجيش الوطني، فقد عمل المقدشي مع ضباط آخرين في الجيش على إنشاء وتشكيل وحدات عسكرية، من مجندين جدد، ومن الجنود والضباط السابقين الذين تمكنوا من تجاوز المليشيات الانقلابية والانتقال إلى الجيش المؤيد للشرعية، فتشكلت الكثير من الوحدات العسكرية، وتوسعت بشكل كبير، وكان لذلك تأثيرا إيجابيا في الجانب الميداني.
النواة الأولى وإعادة تجميع القوات
في يوم 18مايو 2015م وصل رئيس هيئة الأركان آنذاك اللواء محمد علي المقدشي وبعض الضباط إلى معسكر اللواء 23 ميكا في منطقة “العبر” بمحافظة حضرموت وشرع بالتنسيق والتواصل مع مجموعة من الضباط لتكوين نواة صلبة وتجميع القوات ليكون بذلك “اللواء 23 ميكا” هو نقطة انطلاق لإعادة بناء القوات المسلحة وفق الخطة الجديدة التي أقرها رئيس الجمهورية ودول التحالف العربي لدعم الشرعية.
ومثّل اللواء 23 أهمية استراتيجية من ناحية موقعه الهام، كما أنه يتبع المنطقة العسكرية الأولى وهي منطقة لم تسقط بأيدي الانقلابيين بالإضافة إلى قربه من المنطقة العسكرية الثانية والثالثة، وكذلك قربه من الحدود مع المملكة العربية السعودية وسهولة وصول الدعم والإمداد الذي تقدمه دول التحالف العربي عبر منفذ الوديعة.
مسؤول استقبال المجندين والمنضمين إلى الجيش في العبر العميد علي غالب العنيني ، قال في تصريح خاص لـ “سبتمبر نت” “إن الجيش الوطني تأسس من الصفر، وشهدت تلك الفترة توافد مئات المجندين والمنضمين الى الجيش الوطني بشكل يومي، وبدافع وطني وحماس عالي لتحرير اليمن من الميليشيات الانقلابية”.
مشيراً إلى أن جهود القادة الذين وضعوا اللبنات الأولى لتأسيس الجيش الوطني كانت كبيرة، كالمقدشي والطاهري والأبارة والشدادي والحوري والوائلي وغيرهم كثير من الضباط والجنود”.
وأوضح العنيني إن تدريب أفراد الجيش تم على ثلاث مراحل، تمثلت في التدريب الميداني، والتدريب التقني، وهو على مستوى متقدم، إضافة إلى تدريب القادة العسكريين، الذي يكون في دول التحالف.
ويضيف: “جيشنا الوطني ينتمي للوطن أكثر من انتمائه لشخص أو طائفة أو قبيلة، كما أن حب الذات منزوعة منه، والعصبية غير موجودة”.
إعداد وتحضير
في 28 من يوليو عقد مجلس الدفاع الوطني الأعلى اجتماعا له في الرياض برئاسة رئيس الجمهورية وأصدر قراراً بضَم أفراد المقاومة الشعبية في صفوف الجيش الوطني، وهو القرار الذي وحّد بندقية الشعب لمناهضة الانقلاب وهزيمته لصالح وتحت راية مشروع الدولة الوطنية العادلة.
وبدأت رئاسة الأركان في وضع نواة الجيش الوطني الجديد بعد تحرير العاصمة الموقتة عدن وابين ولحج والضالع وأجزاء واسعة من محافظة مأرب، من خلال دمج عناصر المقاومة الشعبية في أجهزة الجيش والأمن، وتسجيلهم بناء على معايير مهنية عالية بعيداً عن الولاءات القبلية أو المناطقية أو الدينية، وانخراطهم مباشرة في عمليات تدريب محترفة.
وبعد أيام من الاعداد والتحضير في معسكر العَبر توجه رئيس الأركان “المقدشي” إلى العاصمة المصرية القاهرة لحضور اجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية، وقد مثّل حضور وتمثيل الجيش اليمني رسميا عاملاً رمزياً مهماً ورفع مستوى التنسيق مع الأشقاء العرب في معركة استعادة الدولة وتحديداً إعادة بناء الجيش.
وفور عودة اللواء المقدشي من اجتماع القاهرة تم إعلان فتح باب التجنيد والانضمام إلى القوات المسلحة وفقا لقرار مجلس الدفاع الوطني، وتوافَدَ الآلاف من ضباط الجيش وأفراده الى معسكرات التجنيد في حضرموت وعدن ومأرب وشبوة وتعز وانخرطوا في التدريب والتشكيلات العسكرية وبناء وحدات وألوية مكتملة وجاهزة للالتحاق بمسرح العمليات في الجبهات على امتداد الجغرافيا اليمنية.
وخلال تلك الفترة اعتمدت قيادة الجيش الوطني استراتيجية ثلاثية الأبعاد، الإعداد والبناء للوحدات العسكرية المتمثلة بإعادة بناء الألوية بهيكلها ومسماها السابق، وأيضا دعم وإسناد جبهات القتال المفتوحة لوقف تمدد التمرد ووقفه عند حده، بالإضافة إلى إدخال وحدات عسكرية مدربة الى مسرح العمليات لدحر الانقلابيين والبدء بعملية التحرير.
وفتحت معسكرات التجنيد واعادة تجميع القوات السابقة في مأرب وعدن وحضرموت وشبوة وتعز والجوف وميدي.. وكان لقرار الرئيس عبدربه منصور هادي بتعيين الفريق الركن علي محسن صالح نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة أثراً إيجابياً ودفعة قوية في الاهتمام بالمؤسسة العسكرية في ظل الوضع الاستثنائي الذي تمر به ولمزيد من الإنجاز العسكري على مختلف المستويات.
من التأسيس إلى ميادين القتال
تبعاً للاستراتيجية العسكرية التي تعتمد أسلوب إعادة تجميع القوات وإحداث ترابط وتماسك بين أجزاء الجيش الوطني فقد شمل ميدان العمل على إعادة بناء القوات المسلحة جميع المناطق العسكرية التي سيطر عليها الحوثيون أو التي تمكنت من الصمود وصيانة الشرف العسكري الوطني.
ففي المنطقة العسكرية الثالثة، الذي كان يقودها اللواء الركن عبد الرب الشدادي، الذي اطلق عليه “مؤسس الجمهورية الثانية”، شرع الجيش بتحرير محيط مدينة مأرب بعد وصول معدات وآليات عسكرية وقوات بشرية من التحالف العربي إلى منطقة “صافر” في أغسطس 2015 حيث بدأت قيادة الجيش الوطني بالإعداد للمرحلة الأولى من تحرير محافظة مأرب، وانطلقت العمليات في 13 سبتمبر وتم تحرير سد مأرب والجفينة ووصولاً إلى معسكر كوفل ثم صرواح غربي المحافظة.
وتمثلت المرحلة الثانية بتحرير مديريات الجدعان ومعسكر “ماس” وصولا إلى مفرق الجوف، وتوسع نطاق التحرير حتى استعاد الجيش معسكر فرضة نهم شرقي العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من مديرية نهم أكبر مديريات محافظة صنعاء من حيث المساحة الجغرافية.. كما تمكن أيضا في الوقت ذاته من تحرير مديرية حريب وعين وأجزاء من بيحان التابعة إدارياً لمحافظة شبوة، وصولا إلى تحرير كامل المحافظة والانتقال إلى عمق محافظة البيضاء.
ومنذ اللحظة الأولى للشروع في إعادة بناء الجيش تم الاعداد والتنسيق لعملية “السهم الذهبي” لتحرير مدينة عدن، عدن حيث أثبتت الألوية التي شكلت في إطار المنطقة العسكرية الرابعة قوة وفاعلية في العمليات القتالية وهو ما ساعد في تحرير مدينة عدن في وقت قياسي خصوصا مع الدعم المكثف واللامحدود لدول التحالف العربي، وانتقلت بعدها القوات إلى المرحلة التالية واستعادة المحافظات المجاورة وقاعدة العند الاستراتيجية وتحويلها الى مركز متقدم للعمليات العسكرية، بالإضافة إلى تجميع أفراد اللواء 22 ميكا في تعز وعدد من الوحدات العسكرية التي يشرف عليها قائد المحور.
أما في المنطقة العسكرية الخامسة فقد تم إنشاء 5 ألوية عسكرية على الحدود مع المملكة العربية السعودية في جازان وبدأت العمليات فيها ابتداء من 14 ديسمبر 2015م وتمكنت قوات الجيش الوطني من قطع شرايين التهريب للانقلابيين عبر سواحل مدينة ميدي بمحافظة حجة فيما لا تزال القوات تعمل على قدم وساق لاستكمال المهام وفق الخطة المرسومة، وبالتوازي جرى العمل في المنطقة العسكرية السادسة وتجميع قواتها في محافظة الجوف كجزء من مسرح عمليات المنطقة، حيث تمكن الجيش من تحرير موقع اللبنات ومدينة الحزم عاصمة المحافظة وصولا الى مديرية الغيل، واستعاد معسكر الخنجر وأجزاء واسعة تحرير مديريتي المتون والمصلوب، ثم تحرير معظم مديرية خب الشعف.
وفي المنطقة العسكرية السابعة جرت تحضيرات واستعدادات من حيث التدريب والتسليح حتى وصل الجيش الوطني إلى مشارف مركز مديرية نهم ويفصله 9 كيلوهات عن نقيل بن غيلان، الموقع الاستراتيجي الذي يطل على العاصمة صنعاء ومديرية أرحب، واصل الجيش الوطني بمساندة قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تقدمه نحو معقل الحوثيين بصعدة عبر فتح ثلاث جبهات، وتمكن من استعادة ثلاث مديريات في محافظة البيضاء، ولا يزال يخوض معارك التحرير في الساحل الغربي حتى بات استعادة ميناء ومدينة الحديدة قاب قوسين أو ادنى.