صادف يوم أمس الثاني من شهر يونيو/حزيران، الذكرى ال19 لوفاة/ استشهاد/ الفقيد الدكتور عبدالعزيز السقاف في2/6/1999 ، والذي كان علماً بارزاً في المجال الاعلامي والسياسي والاقتصادي، والنضال السلمي لإرساء دعائم المجتمع مدني والمواطنة المتساوية ..
ومن المؤسف أن تمر المناسبة دون أدنى إشارة في أي وسيلة إعلامية لذلك الحدث المروع الذي أودى بحياة قامة وطنية، خاض غمار معارك ساخنة بالقلم والكتابة والإعلام في مناهضة الظلم والفساد السياسي..
ولو كان ممن عاشوا في كنف السلطة آنذاك، وهادن الظلم ونافق الظالمين، لأفردت له الصحف مقالات وأبحاث، لكن يكفيه شرفاً، سكوت بائعي الضمائر عن الإشارة إليه، وهي شهادة له لا عليه..
كان الفقيد من أشد المعارضين ضراوة للنظام القائم آنذاك، بما أوتي من الشجاعة والمنطق السليم ودقة المعلومات التي يستند إليها.. كان معارضاً للنظام منذ وقت كانت فيه كثير من الأحزاب والشخصيات الاجتماعية والسياسية تحت عباءة النظام، يتأبطها كيفما يشاء، للتدليل على ما يسميه منظروا السلطة بالإجماع الشعبي..
ولعل المتابعين حينها يتذكرون كتاباته عن الفساد، وكيف نشر مجموعة من الأسماء يعتبرون من ركائز النظام الفاسدين، كمبادرة لإعانة النظام على تتبعهم إن كان جاداً في تطهير الفساد، واعتبر النشر بلاغاً للسلطة، ووعد بنشر مجموعة أخرى إذا وجد استجابة للبلاغ، وكان ذلك رداً على علي عبدالله صالح حين تساءل في إحدخطاباته عن الفاسدين؟! أين هم وقال؛ دلوني عليهم وانا أحاسبهم!!! ولقي الفقيد جراء ذلك المقال تهديدات ومضايقات، لم يأبه لها، واستمر في مناهضة الفاسدين.
ولقد شكلت صحيفته (يمن تايمز) منبراً إعلامياً جريئاً، مان يطل منها الفقيد بكتابات جريئة وفي موضوعات كانت تعتبر بالنسبة للنظام خطاً أحمر، وكانت تعد بالنسبة للهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، مصدراً عليماً مهماً فيما يخص الشأن اليمني، وقد أدار الصحيفة باحترافية وتمكن، وتتلمذ فيها مجموعة من الشباب الذين عملوا معه في الصحيفة، من صحافيين وفنيي طباعة وإداريين.
لم يكن الفقيد منتمٍ لحزب معين، ولا يتبع توجهاً محدداً، لكنه كان يعتبر اليمن حزبه، وعامة اليمنيين أعضاء حزبه، لذلك لم تعترِ كتاباته ومواقفه التباس بمراوغة سياسية، أو مجاملات، كما هو دأب الحزبيين، بل كان واضحاً يتميز بالجرأة والشجاعة والاندفاع..
ومع ذلك وعندما تعلق الأمر بكرامة اليمنيين، انبرى مدافعاً عن كرامة اليمن وعزته.. ولعل سائر اليمنيين يتذكرون حواره المشهور من على منبر قناة (الجزيرة) إثر غزو قوات صدام حسين لدولة الكويت.. فرغم معارضة الفقيد للغزو، إلا أنه وقف مدافعاً عن اليمن كشعب، وذلك حين وجد موقف دول مجلس التعاون الخليجي، قد تجاوز الحدود، وأفرطت في عقوبة اليمنيين، بجريرة رأس النظام /علي عبدالله صالح/ ، وأظهرت ضغينة، وعقاباً طال اليمنيين المقيمين فيها وطردتهم من دولها وأنكرت عليهم أبسط حقوقهم المادية دون أي مراعاة حتى لأبسط الحقوق الانسانية، مما خلق أزمة خانقة لدولة الوحدة الفتية عند بواكير قيامها في ٢٢مايو ١٩٩٠م. .
لقد انبرى الفقيد مدافعاً عن اليمن واليمنيين، رغم ضراوة معارضته للنظام، عندما تعلق الأمر بكرامة اليمنيين وسيادتهم..
لقد كان الفقيد بسيطاً تلقائياً، لا يجيد المراوغة السياسية، ولذلك اتسمت مواقفه بالتلقائية الفطرية والاندفاع الغير المحسوب أحياناً، مما سبب له مآزق مع النظام ورأس النظام المتمثل بالرئيس علي عبد الله صالح..
لقد قدم الفقيد خدمات لمنطقته، ما زالت شاهدة للعيان، ومآثره ما تزال حية في وجدان الأهالي المستفيدين من تلكم الخدمات.. وما تزال الألسن تلهج بالثناء والترحم عليه، مع كل قطرة ماء آت من مشروع المياه الذي تبناه وتابع تأسيسه، ومع كل لمعة ضوء كانت تنير بيوت المنطقة، من الكهرباء التي تابع توصيلها وتوزيع الشبكة على المنطقة كلها وليس على قريته فقط..
كان محباً لمنطقته ومحافظته تعز، ولديه شعور فائق بالإنتماء لتعز ولمنطقته، وقد سعى كثيراً لجذب مشروعات وخدمات لمنطقته ولتعز، وكان يواجه من قبل الجهات الرسمية بالصد والعراقيل.. ويتهمه البعض بالعصبية والمناطقية لمجرد أنه يحب تعز ويعتز بالإنتما لها، لكن هدفه كان المجتمع المدني والمواطنة المتساوية..
حقيقة كنا نود لو أن من اقترب منه وعايشه أن يوثق سيرته، ويبرز مآثره ومناقبه، وهذه دعوة لكل من يهمه الأمر من أهله وأصدقائه ومحبيه.. وليس ما كتبته في هذه السطور المقتضبة سوى لمحة خاطفة واجتهاد شخصي متواضع، فلم أعايش الفقيد بما يكفي للكتابة عنه بما يستحق، وليست سوى محاولة للتذكير واستنفار كل من كان تربطه بالفقيد علاقة من أي نوع، من زملائه الأكاديميين، والصحفيين، أو من يجمعهم معه حس وطني أو أخلاقي، أو قناعات مشتركة أو غير ذلك من العلاقات، التي توجب الوفاء لمثل تلك العلاقة، ولتلك الشخصية الفذة…
رحمة الله تغشاك يا دكتور عبد العزيز السقاف، وعسى أن يعوّض الله وطنه ومواطنيه ومنطقته، أشخاصاً من أمثاله..
والله من وراء القصد،،،،