سبتمبر نت
دخلت الحرب عامها الرابع ولا تزال أجراسها تقرع كما لو أن البداية لم تحن بعد أو أن الموت هو جل ما تبقى لذلك الشعب وتلك الأرض التي أطلق عليها يوما اليمن السعيد.
فالبلد السعيد لم يعد سعيدا، ومن لم تنله آلة الحرب سقط من مآلاتها، وسط إصرار غير مبرر من المليشيا الإنقلابية على انتزاع كل مقومات العيش وإفشال كل الجهود المبذولة لإحياء مبادرات السلام، تاركة البلد يضج بآلامه وأزماته الإنسانية دونما اكتراث.
فمنذ استيلائها على السلطة عمدت المليشيا الحوثية إلى قتل كل من يخالفها الرأي واعتقال كل من تسول له نفسة إبراز جرائمها التي لم تعد خافية على أحد.
ذلك الإصرار على قتل اليمنيين عمق تساؤلات عديدة حول الأسباب التي جعلت السلام غير وارد لدى الحوثيون.
الوقوف على تاريخ جماعة الحوثي هو المدخل الرئيس لفهم سياساتها وأهدافها وسلوكها وما الذي تطمح إليه، وذلك من شأنه أن يقودنا الى فهم أسباب رفضهم لمبادرات السلام وإصرارهم على المضي قدما في مشاريع القتل.
من هم الحوثيون
ميليشيا عقائدية نشأت في محافظة صعدة شمال اليمن عام 1992 وباتت تتخذ اسم “أنصار الله”، وتمت تسميتهم بالحوثيين نسبة إلى مؤسسهم حسين الحوثي الذي قتل في 2004 ووالده المرشد الروحي للحركة بدرالدين الحوثي.
كيف نبت التمرد الحوثي
بدأت القصة في محافظة صعدة (على بُعد 240 كم شمال صنعاء)، حيث يوجد أكبر تجمعات الزيدية في اليمن، وفي عام 1986م تم إنشاء “اتحاد الشباب المؤمن”، وهي هيئة تهدف إلى تدريس المذهب الزيدي لمعتنقيه، كان بدر الدين الحوثي -وهو من كبار علماء الزيدية آنذاك- من ضمن المدرِّسين في هذه الهيئة.
وفي عام 1990م حدثت الوَحْدة اليمنية، وفُتح المجال أمام التعددية الحزبية، ومن ثَمَّ تحول اتحاد الشباب إلى حزب الحق، وظهر حسين بدر الدين الحوثي -وهو ابن العالم بدر الدين الحوثي- كأحد أبرز القياديين السياسيين فيه، ودخل مجلس النواب في سنة 1993م، وكذلك في سنة 1997م.
خاض الحوثيون، 6 حروب مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بين 2004 و2010، بعدها أصبح صالح حليفهم الرئيسي والذي كان يعد القوة الحقيقية خلف صعودهم المثير منذ 2014، قبل ان يقتلوه في ديسمبر 2017م.
بعد انتفاضات الربيع العربي، التي شملت اليمن أيضاً، وبعد تنحي الرئيس السابق عن الحكم بموجب المبادرة الخليجية وإحلال هادي بديلا عنة، رعى هادي عملية حوارية في اليمن استمرت شهوراً عديدة سعى من خلالها إلى إشراك معظم أطياف الشعب اليمني -بما فيها الأقلية الحوثية- في تقرير مصير مستقبل اليمن، وإيجاد حلول وسط تناسب أغلبية الشعب اليمني، بما فيها تقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية.
إلا أن طموحات الحوثيين وقفت بالمرصاد أمام تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التوافقية التي رعاها الرئيس هادي، ثم توسع الحوثيون وسيطروا على صنعاء بحجة مكافحة الفساد، وبدأت طموحاتهم التوسعية تتزايد مستفيدين من عدم مقاومة الجيش الموالي بنسبة كبيرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح الى أن تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لكبح جماحهم بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على عدن.
ما هي أهداف الحوثيون
يطمح الحوثيون إلى إعادة ماضي الإمامة الزيدية الذي كان لهم نصيب في الحكم فترة طويلة جدًّا من الزمن تجاوزت عدة قرون مع ادعائهم انتمائهم الى أل البيت وانتسابهم الى ارث أئمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال عشرة قرون من الزمن تقريبا حتى العام 1962 عندما قامت الثورة اليمنية.
وكان يعتقد في السابق أن حملتهم العسكرية في الشمال عام 2014 تهدف إلى ضمان أكبر قدر من الأراضي لهم في اليمن الاتحادي الذي يفترض أن ينشأ بموجب قرارات الحوار الوطني، إلا أن تمددهم إلى سائر أنحاء البلاد عزز المخاوف من سعيهم للسيطرة على سائر اليمن.
لما ذا يرفض الحوثيون كل مبادرات السلام
لا يلتزم الحوثيون بأي مبادرة سلام، ويعملون على إفشال كل الجهود الرامية للدفع بعملية السلام المتعثرة منذ سيطرتهم على الحكم، وهو موقف تكرر في ثلاث جولات من المفاوضات التي كانوا طرفا فيها.
وفي آخر إفادة له كشف المبعوث الأممي السابق الى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أمام مجلس الأمن الدولي نهاية شباط/فبراير 2011 رفض مليشيا الحوثي مقترح سلام وافقت علية جميع الأطراف المعنية، ما عكس عدم جديتهم في إنهاء الحرب، واستهتارهم واستهانتهم بدماء الشعب اليمني.
تحرك الحوثيين يفسر تصورات الجماعة العقائدية بفكرة التمكين الإلهي لاسترداد إرثها التاريخي والديني، وهو حكم الإمامة لليمن أو للجزء الشمالي من اليمن منذ القرن السابع عشر حتى قيام ثورة 1962م كما ينقل خبراء، لذا يرفض الحوثيون جل مبادرات السلام.
ويرى مراقبون أن مليشيا الحوثي ما زالت تستمد وجودها من بقاء السلاح وتجنيد مقاتلين، وليس من برنامجها السياسي، والتجربة التي خاضتها الجماعة في الحوار الوطني لم تنضجها سياسياً، حيث شنت حربها على اليمنيين بعد الحوار مباشرة، ,في آخر خطاب لصالح الصماد أمام جمع من أنصار الحوثي في ميدان السبعين لم يذكر السلام أو العملية السياسية ولو لمرة واحدة، لأن الجماعة لا ترى أنها تستمد شرعيتها من هذه المفردات
وفضلاً عن كونهم كيان عسكري أيدولوجي عقائدي مستلب الإرادة لصالح طهران التي تستخدمه ولا تعتبره امتدادا حقيقيا لها كما هو الواقع بحسب سياسيين، فإن هذا الموقف المتصلب تجاه عملية السلام تفسره أهداف المليشيا، وخاصة عندما تتحول الحرب عندها إلى وسيلة للتكسب ويزداد الأمر سوءاً حين تضاف لها أهداف عقائدية ايدلوجية، فالحرب عندها وسيلة عيش وكسب، والحياة السلمية عندها موت حقيقي، ولهذا فهي تكره السلم وتبحث عن المناطق المشتعلة التي تمثل مواردها المادية.
ويرى مراقبون أن الحوثيين لا يستطيعون العيش والبقاء دون الحرب واختلاق أعداء لتحشيد الناس معهم، ولا يمتلكون مشاريع بناء، ويؤكد أن تفكيرهم ينصب دوماً على أن ما حصلوا عليه بالقوة لن يتخلوا عنه إلا بالقوة، وأن السلام لن يكتب لهم أي حياة أو تطور؛ فمنذ الحروب الأولى كانوا مجرد عصابة، والآن سيطروا على موارد دولة.
ويرجع مراقبون أن لذلك السلوك أيضا علاقة بطبيعة نشأة الحوثي في منطقة معزولة مثل صعده والذي جعلتهم أكثر جهلاً بطبيعة تغيرات المجتمع اليمني واقل قدرة على تعلم السياسة وممارستها بشكل براجماتي، إضافة الى تلكؤ المجتمع الدولي واكتفائه بإطلاق عبارات التنديد التي لا توثر على مجريات الأحداث، ويعتبرها الحوثي بمثابة ضوء أخضر للاستمرار والوصول لما يطمح إلية.