وأهم هذه الاستحقاقات: الرد الإيراني على أي قرار أميركي في شأن الاتفاق النووي، والإمكانات الفعلية للتصعيد سواء بمعاودة تفعيل البرنامج النووي، أم بإظهار مزيد من التطوير للبرنامج الصواريخ الباليستية. واحتمالات المواجهة العسكرية في سوريا – لبنان، وربما في العراق، ومحاولة تحديد «الخطوط الحُمر» فيها. الخيارات الإيرانية المتاحة في اليمن في حال اقتراب الحرب من نقطة حاسمة بالنسبة إلى «الحوثيين». ردود الفعل في البلدان التي اخترقتها تلك الميليشيات وتواجه فيها حالياً تحوّلات مضادة لها في صفوف ما يُعرف بـ «جمهورها». واحتدام النقاش حول مرحلة «ما بعد خامنئي»، والسعي بعيداً عن الأضواء إلى بلورة اصطفافات معينة مع بروز أسماء طامحة لخلافته.
من خلال الاتصالات مع الأوروبيين تحاول طهران استكشاف التصوّر الأكثر واقعية للسيناريوهات المرافقة لأي قرار يصدر عن الكونجرس الأميركي، أو عن الرئيس دونالد ترامب في شأن الاتفاق النووي. لم تعد تهتمّ بأي عقوبات جديدة مهما كانت خانقة، إذ اعتادت الالتفاف عليها عبر منظومات اقتصادية أقامتها مع الصين وروسيا وغيرهما. لكنها تفضّل، مثلها مثل الأوروبيين، الحفاظ على الاتفاق النووي للاستفادة من الهوامش التي يتيحها لعقد صفقات بناء على العقوبات التي أُلغيت. الإشكالية هنا أن الأوروبيين أوضحوا بما يقبل الجدل أنهم لا يستطيعون تجاهل أي توجّه أميركي، ولذلك يعتبرون أن بإمكان إيران أن تساعد نفسها (وتساعدهم)، إذا تخلّت عن تعنّتها وقبلت بتنازلات واضحة في برنامجها الصاروخي. وقد ساهم استخدام «الحوثيين» عيّنة من هذه الصواريخ ضد السعودية في تسليط الضوء على ارتباط الاتفاق النووي بالبرنامج الصاروخي الإيراني الذي برهن الآن عدوانيته. ورغم أن الخطاب العلني لا يزال محافظاً على تحدّياته إلا أن الدوائر المعنيّة في طهران تبحث جدّياً في طرح مبادرة تهدف إلى استباق أي قرار أميركي، لكنها ستركّز تحديداً على إظهار إيجابية حيال التوقّعات الأوروبية.
أما المواجهة العسكرية المحتملة بين إسرائيل والإيرانيين في سوريا – لبنان فقد لا تكون مرتبطة بقضية الاتفاق النووي، إلا أنها تتداخل فيها بالضرورة، بدليل أن المعلومات الشائعة في واشنطن تفيد بأن مناقشة الإجراءات المتوقّعة تنفيذاً لاستراتيجية الحدّ من نفوذ إيران تأخذ في اعتبارها تداعيات القرار الأميركي المتعلّق بالاتفاق النووي، والردّ الإيراني عليه. وبطبيعة الحال امتد هذا النقاش قبل أيام إلى اجتماع مجلس الأمن القومي بعد إبداء ترامب الانسحاب من سوريا، خصوصاً أن معظم التقديرات اعتبر أن «داعش» وإيران سيكونان المستفيدَين الأولَين من هذا الانسحاب، إذا حصل قبل/ أو من دون توجيه ضربة للوجود الإيراني في سوريا. وفي أي حال تتواصل استعدادات الميليشيات الإيرانية وسط تقديرات إسرائيلية وأخرى لخبراء غربيين تقول، إن المواجهة حتمية ومسألة وقت، إلا أن روسيا تحاول بدأب تأخيرها من دون أن تطرح مبادرات صلبة لمنعها.
لكن مصدر القلق لطهران أن ميليشياتها لم تعد تتمتّع بأوضاع مريحة في بلدانها، ومن ذلك مثلاً الانكشاف الجليّ لـ «عدم شعبية» إيران في سوريا الموالية للنظام والارتياح المتزايد لوجود الروس في شوارع دمشق وغيرها من المدن، وفي العراق تتغيّر باطّراد النظرة إلى «الحشد الشعبي» الذي لا يتوقّع له المراقبون نجاحاً معتبراً لمرشّحيه في الانتخابات، وحتى في لبنان حيث سيمكّن قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر «حزب الله» من إحراز عدد من المقاعد الإضافية في البرلمان إلا أن شعبيته تتراجع حتى داخل بيئته الحاضنة. أما في اليمن فتبدّلت على أكثر من صعيد، إذ أن «الحوثيين» يخسرون باستمرار وفقدوا آخر حلفاء كانوا إلى جانبهم. قد يقال إن سطوة هذه الميليشيات لم تتأثّر بعد، وهذا صحيح بسبب تسلّحهم وترهيبهم مواطنيهم، إلا أن مواطنيهم الذين تأذّوا من ممارساتهم باتوا يضيقون ذرعاً بالمشروع الإيراني اللاوطني الذي يعملون في خدمته.
* نقلاً عن “الاتحاد”