لم يخلو منزل في اليمن من فقدان أحد أفراد الأسرة، سواء أخ، أخت، أبن، أبنه أب، أم، حيث سيطر السواد والحزن على فقد الأحباب قلوب أهالي اليمن، الذين يتمنون أن تنهي هذه الأزمة في أقرب وقت قبل فقد الكثير من الأبناء، واتخذ البعض الهرب الوسيلة الوحيدة للافلات من قبضة الحوثي والنجاة بحياتهم وحياة أبنائهم، ولكننا اليوم أمام نموذج مختلف، قوي وصامد، ليس رجل أو شابا فر عمر الزهور، ولكنها إمرأة تتسم بصفات الرجال، على الرغم من إنها ذاقت ألم الفراق ومرارة الفقد، بعد قتل أبنها على يد الحوثيين، إلا إنها رفضت الهرب وقررت أن تظل صامدة في وجه الانقلابين ورفضت أن تترك ممنزلها الذي يقع أعلى قمة جبل جرة في مدينة تعز، وهي السيدة أم أنور، والتي تلقب يـ« الحاجة محصنة».
تقلب الحاجة محصنة صور أبنها أنور، الذي قتل في مواجهات مع المتمردين الحوثيين، والغصة تملأ حلقها، على فراقه وغدر هؤلاء، ولم يمر حينها ثلاثة أيام على الخسارة، حتى تلتها أخرى، بتعرض منزلها للدمار، وحرقت أجزاء منه، إثر سقوط قذائف عليه.
أما هي، فأصيبت برصاصة قناص، اخترقت صدرها واستقرت في يدها اليسرى.
ورغم ما أصابها من ويلات، تصر أم أنور على ملازمة بيتها، أو ما تبقى منه، غير عابئة بخطر القذائف والرصاص، وتمضي وقتها وهي تربي بعض الماشية، وتصلح ما تقوى على إصلاحه، لمواصلة حياتها مع زوجها واثنين من أولادها.
ولم تمنع الظروف الحاجة محصنة من العودة للعمل على ماكينة الخياطة، إذا ما توفرت الإمكانات.
ويبدو منزل أم أنور الوحيد على قمة جبل جرة في مدينة تعز، فمعظم السكان نزحوا عن منازلهم هربا من الموت.
وبنبره يملؤها الشموخ والصمود أكدت أم أنور، أنها لن تخسر المزيد، بل إن بقاءها يشكل رسالة صمود داخل منطقة هي الأكثر تعرضا للقصف في تعز.