بات السكن الخاص بالحكومة اليمنية في منطقة معاشيق، أو المعاشيق، في العاصمة المؤقتة عدن، بمثابة “منطقة خضراء” لقيادات الحكومة، بعدما صار تحركهم داخل المدينة محدودًا ومحفوفًا بالمخاطر، منذ المواجهات الأخيرة التي اندلعت بين الألوية الرئاسية المعنية بحماية المعاشيق، وأخرى موالية لما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المنادي بالانفصال.
ويخضع الدخول إلى منطقة المعاشيق، إلى إجراءات أمنية متعددة، تمر بأكثر من نقطة تفتيش، تبدأ في المدخل الشمالي الوحيد في منطقة صيرة، حيث يتم فيها التأكد من هوية الزائر وورود اسمه ضمن قائمة المسموح لهم بالدخول، يليه المرور على يمين ملعب رياضي، وصولًا إلى النقطة الثانية التي يمنع منها دخول السيارات، ويواصل الزائر سيرًا على الأقدام عشرات الأمتار، حتى النقطة الثالثة، إذ تنتظره حافلة مخصصة لنقل الزائرين لإيصاله إلى وجهته، وذلك بعد المرور عبر جهاز كشف إلكتروني.
وفي تلك الدقائق يلحظ صورة صغيرة للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، وملصقات توجيهية على جدران الغرفة، موجّهة إلى طواقم الحراسة.
ويشير بعض العاملين في المعاشيق إلى أن المكان ليس بعيدًا عن أعين القوة الإماراتية، التي تتولى واجهة عمل التحالف في عدن.
وتقطع الحافلة المسافة صعودًا في سفح ربوة المعاشيق المواجه للمدينة، إلى حيث الوحدات السكنية التي تتوزع على قمة الربوة وسفحها الجنوبي المواجه للبحر، وهناك عدة أبنية بأرقام محددة، يطلق عليها اسم “فيلات”، ويسكن في كل منزل وزير أو مسؤول كبير في الحكومة.
أما رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، فيقطن في مبنى خاص، علمًا أن معظم المسؤولين القاطنين في منطقة المعاشيق لا تقيم معهم عوائلهم، لعدم استقرار الأوضاع، ولكون المعاشيق ليس مخصصًا بالأساس ليكون مقر إقامة دائم لرجال الحكومة.
ويشعر الزائر أن المعاشيق منطقة معزولة تمامًا عن أجواء عدن، وهذا يجعلها من ناحية أمنية بمنأى عن القذائف المحتملة من جهة البر، غير أن جبل شمسان يهيمن عليها في كل حال. وحول أصل التسمية، تقول بعض المصادر إن المعاشيق (تنطق بأل التعريف ومن دونه) جاءت من كون البحارة كانوا قديما “يعشّقون” سفنهم عندها، بمعنى الرسو. وتمتد المعاشيق على مساحة كيلومترات قليلة، على شكل لسان برّي مطل على بحر حقات في خليج عدن، تقابله قلعة صيرة التاريخية من جهة الشرق. وإلى الغرب منه تخيّم حاليًا قيادة البعثة العسكرية السعودية.
ويقول أحد المسؤولين الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن طول إقامته في المعاشيق أشعره مع مرور الوقت أنه يقطن في سجن كبير، خصوصًا مع محدودية الحركة لمسؤولي الحكومة في أرجاء المدينة أخيرًا. ويضيف إن “المنظر الخلاب الذي توفره المساكن هنا باتجاه البحر، يتلاشى مع طول الإقامة”.
ويشير أحد المقيمين إلى مبنى أبيض صغير، موضحًا أنه مقر إقامة الرئيس هادي.
ويقع الأخير في موقع يتيح له الإطلالة على أكثر من مكان. ويزور المقيمون هناك بعضهم البعض، أثناء جلسات القات مساء، وبعضهم ينتظر ساعات حتى يصله شيء من الحاجيات من محال المدينة، غير متوفر في مرافق المعاشيق.
ورغم الحديث عن أن شركات إماراتية تولّت عملية ترميم المعاشيق بعد تحرير عدن من مسلحي مليشيات الحوثي، إلا أن الحالة الرثة التي تبدو عليها بعض زوايا المكان، لا تنسجم مع الانطباع الذهني الذي يرسمه الزائر للمكان قبيل زيارته له.
وخلال المواجهات الأخيرة، عاش بن دغر وأعضاء حكومته، ساعات عصيبة، وتناثرت الشائعات عن أنهم غادروا بمروحية خاصة إلى الرياض أو جيبوتي، وشائعة أخرى أن بن دغر سيقدم استقالته خلال ساعات، خصوصًا أن الموالين لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، المطالب بالانفصال، قادوا تصعيدهم بذريعة إسقاط الحكومة، لكن الرجل فضّل الصمود، مدركاّ، حسب إفادة مقربين منه، أن صموده يعني بقاء الشرعية ككيان.
واشتهر مجمع المعاشيق في وسائل الإعلام بوصفه القصر الرئاسي، وذلك بعد قيام الحوثيين بقصف مقر إقامة هادي فيه بمقاتلات حربية قبل أيام قليلة من تدشين التحالف بقيادة السعودية عملياته، في مارس/آذار 2015، لكن الصواب أنه سكن رئاسي، بينما دار الرئاسة تقع في مكان آخر من المدينة، وتحديدًا في منطقة التواهي، والتي كانت مقرًا للمندوب السامي البريطاني قبل الاستقلال، وفيه تم رفع علم الوحدة في 22 مايو/أيار 1990.
وتشير المصادر إلى أن الإنكليز، بعد احتلالهم عدن في 1839، بنوا في منطقة المعاشيق منارة لهداية السفن، ثم أصبحت مساكن لمستثمرين أجانب، جرى تأميمها لاحقًا بقرار حكومي في العام 1969، وبجوارها كان ثمة دار للسينما وملعب هوكي وساحل بديع يستهوي سكان عدن.
وبعد أحداث يناير/كانون الثاني 1986 اتخذها الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض، مقرًا لإقامته.
وبعد حرب 1994 صارت المعاشيق مقرًا لإقامة الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، والمسؤولين الذين يزورون عدن بصورة مؤقتة من صنعاء أو غيرها. وذات الأمر ينطبق على هادي بعد توليه السلطة مطلع العام 2012.
وكان هادي توجه إلى المعاشيق بعد إفلاته من الإقامة الجبرية التي فرضها الحوثيون عليه في صنعاء في يناير/كانون الثاني 2015.
وتمكنت المليشيات وحلفاؤهم الموالون لصالح، من اللحاق بهادي واقتحام المعاشيق بالتزامن مع انطلاق “عاصفة الحزم”، تحت شعار إعادة الشرعية في اليمن.
ورغم مرور ثلاث سنوات على انطلاق عمليات التحالف العربي، إلا أن هادي لم يستقر له المقام في المعاشيق سوى فترات محدودة، يعود بعدها إلى الرياض. وزاد الأمر سوءًا بعد أن آلت الأوضاع في عدن، وبشكل شبه تام، للقوة الإماراتية، التي دعمت عسكريًا على الأرض، حلفاء محليين معارضين لهادي.