جسّدت ميليشيات الحوثي -ومنذ انقلابها على الشرعية في اليمن- المعنى الدقيق للحرب بأنها عدوان وقتل وإزهاق للأرواح والمقدرات، وبالتالي فإنهم جردوا انقلابهم من أي معنى أخلاقي، وتكرس هذا في لجوئهم إلى تجنيد الأطفال وزجهم في المعارك، بغض النظر عن سن هؤلاء، وعن النواميس الشرعية والدولية التي تحرّم هذا التجنيد.
وقد تضاعفت حالات تجنيد الأطفال من الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها مرات عدة خلال السنة الأخيرة، مع تداعي صفوفهم تحت ضربات قوات الشرعية المدعومة من التحالف، ومع رغبتهم في سد النقص في صفوفهم.
20 ألف طفل في المعركة
كشفت مصادر أن إجمالي الأطفال المجندين في صفوف الحوثيين بلغ 20 ألف طفل، تم الدفع بهم في الأعمال القتالية، بما فيها زراعة الألغام الأرضية، فضلا عن استخدام بعضهم دروعا بشرية، وعناصر حراسة في نقاط التفتيش ونقل المعدات والأسلحة.
وأجبرت الميليشيات الانقلابية عددا من الأسر اليمنية على إرسال أبنائها إلى الجبهات، معتمدة الترغيب تارة بالتنسيق مع مشايخ القبائل، ولاجئة إلى الترهيب تارة أخرى، حتى وصل بها الأمر إلى إخراج الأيتام من دور الإيواء التي يقطنونها، وتوجيههم إلى الجبهات.
تجنيد بالقوة
يؤكد الطفل محمد صالح الذي وقع في الأسر لـ«الوطن»، «عمري 10 سنوات، وأنا من منطقة حريب نهب، ويعاني والدي من مرض عقلي جعل ظروفنا المعيشية صعبة، مما اضطرني إلى الانتقال مع والدتي إلى بيت أخوالي في صرواح، وهناك جاء الحوثيون واقتادوني بالقوة للذهاب معهم، وقالوا: سنقدم لك كما نقدم لغيرك أموالا ومرتبات ونمنحكم وظائف ومناصب، وأنتم ستكونون معنا لقتال الدواعش الذين يريدون احتلال اليمن».
ويضيف «قالوا لنا إن الجنة أمامنا، وعرضوا لنا أفلاما ومقاطع لقتلى سابقين، وأين مواقعهم من الجنة والنعيم. ووعدونا إن عشنا وعدنا منتصرين بالسيارات الفارهة والبيوت الضخمة، ثم جمعونا بعد ذلك بأعداد كبيرة في صالة كبيرة، ثم قسمونا إلى مجموعات، وتم تدريبنا لفترة قصيرة لا تتجاوز الشهر على حمل السلاح والرماية على أهداف معينة، ثم أرسلوا بعض المجموعات إلى جبهات القتال، فيما أرسلوا مجموعات أخرى للقيام بعمليات الإمداد بالسلاح، وكنت ضمن المجموعة التي تتولى الإمداد ونقل الذخائر إلى الجبهات والكهوف، فيما كلفوا بعض المجموعات بعمليات الحراسة، واستخدموا مجموعة أخرى في نقاط التفتيش، فيما وجهوا آخرين إلى الجبهات ولكن ليس للقتال، وإنما لإعداد الطعام وخدمة المقاتلين وخدمة القادة الحوثيين».
ويكمل «كنا ننقل الأسلحة والذخائر، ونسير مسافات طويلة في الجبال الوعرة وتحت الشمس الحارقة، وقُتل بعضنا إما بالسقوط من المرتفعات الشاهقة، أو من العطش وضربات الشمس، أو من التعرض للدغات الثعابين القاتلة».
ويختم «بعض القيادات الحوثية كانوا بلا رحمة، فقد كانوا يحملون أسواطا من الأسلاك الكهربائية يلهبون بها ظهرونا إذا ما توقفنا نتيجة التعب والإرهاق، ليرغمونا على المواصلة».
موروث قبلي
يرى رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، أن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة قديم ومرتبط بالموروث الاجتماعي والقبلي، إذ توجب تقاليد القبيلة على كل قادر على حمل السلاح الاشتراك في الدفاع عن القبيلة خلال الثارات القبلية والحروب، بمن فيهم من هم دون الـ18 من العمر، ويقول «العادات القبلية تعدّ كل «غرام» بتشديد -الراء- مسؤولا عن حماية القبيلة والذود عنها، وإلا لحقه العيب والعار، والغرّام هو كل إنسان ذكر لبس «الجنبية» أو تزوج أو بلغ الحلم، وتلك العوامل تكون غالبا بعد أن يتجاوز الطفل الـ13 أو الـ14 من عمره».
ويتابع «في السنوات الأخيرة ظهرت مشكلة تجنيد الأطفال وإشراكهم في الحروب في اليمن، كنتيجة مباشرة لتسليط الضوء عليها من المدافعين عن حقوق الطفل، وكانت منظمة «سياج» صاحبة السبق في فتح هذا الملف منذ عام 2009».
ويكمل «كانت الحروب الستة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي 2004 – 2010 البوابة الأكبر لتجنيد الأطفال، والأمم المتحدة تتهم الحوثيين بتجنيد الأطفال، وعلى الرغم من عدم وجود تقديرات حديثة عن المشكلة، وعدم دراستها بشكل منهجي، إلا أنها تزايدت بشكل كبير، إذ نقدر أن عشرات الآلاف من الأطفال انخرطوا في جبهات القتال والأعمال العسكرية المباشرة في اليمن خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ تم تقدير ازدياد ذلك بنسبة 800% خلال العام الحالي مقارنة بالأعوام السابقة».
ويواصل «تفاقم هذه المشكلة يعود إلى الحرب وآثارها المدمرة، وعلى رأسها تزايد الفقر والنزوح بمعدلات غير مسبوقة، والانهيار الوشيك للتعليم، خصوصا في مناطق القبائل والمناطق المكتظة سكانيا، وكذلك الفقيرة في شمال ووسط وغرب اليمن، إذ تسيطر جماعة الحوثي، وحيث التوقف التام لأنظمة حماية الطفل التي كانت ضعيفة أساسا، كأجهزة الأمن والقضاء والمنظمات الحقوقية المعنية، وتزايد معدلات الفقر والنزوح والبطالة بنسب مهولة وغير مسبوقة، إضافة إلى انصراف الاهتمام الدولي والاقليمي والمحلي إلى توفير المساعدات المنقذة للحياة كالغذاء والمياه والدواء والمأوى، مقابل تدنٍّ كبير في خدمات الحماية الوقائية».
ويبيّن «هناك تحشيد للمجتمع نحو الموت والقتل على أسس طائفية ومذهبية ومناطقية، تستخدم فيه كل وسائل الترويج الإعلامي والديني والاجتماعي، وهناك تركيز شديد على الشباب والأطفال خلال الإعلام المسموع والمرئي وبرامج التثقيف المدرسي ووسائط التواصل الاجتماعي».
انهيار التعليم
يحذر القرشي من انهيار التعليم في اليمن، ويقول «إذا لم يتم تدارك كارثة الفقر وانهيار التعليم ببرامج اقتصادية وتوعوية، وخلق بيئة تعليمية جاذبة للطفل، وتوجيه اهتمام المجتمع والشباب بوجه خاص نحو التنمية المستدامة، وتحسين سبل المعيشة الذاتية للمجتمع، فإننا أمام كارثة حقيقية، لن يقتصر أثرها على اليمن، بل ستؤثر على الأمنَين الإقليمي والدولي، فغالب الأطفال الجنود سيتم التخلي عنهم عقب انتهاء الحرب، أو عند تدني الطلب عليهم كمحاربين رخيصي الكلفة المادية والبشرية، وبالتالي فإن الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة ستجد فيهم صيدا سهلا، لأنهم حاصلون على قدر من التدريب العسكري، والأفق مسدود أمامهم».
استهداف المستقبل
قال وزير حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر لـ«الوطن»، «الأطفال هم مستقبل اليمن، مثلما هم مستقبل أي بلد في العالم، وبالتالي فإن استهداف هذا المكوّن، هو استهداف لليمن بكامله، وقد لجأت الميليشيات إلى تجنيد الأطفال، وهذه قضية محورية في عملية الحشد لحربهم العبثية، وقد ساقوا أعدادا كبيرة من الأطفال، إذ جندوا وفق الإحصاءات 20 ألف طفل، وهذا رقم كبير وكارثي».
وأضاف «يأخذون الأطفال من مدارسهم إلى مراكز التدريب، ويعملون على غسل أدمغتهم وحقنهم بأفكار غربية، ثم يرمونهم في الجبهات الأمامية، ويجعولنهم وقودا للمعركة، وحين يحتدم الصراع تهرب قياداتهم تاركة الأطفال خلفها يواجهون مصيرهم. حدث هذا في عدة جبهات، مثل عدن والمخا، وقد وجد الجيش الوطني هؤلاء الأطفال بلا حول ولا قوة».
وتابع «صادق اليمن على اتفاقية منع تجنيد الأطفال، ووافق عليها البرلمان اليمني، وهناك بروتوكولان إضافيان للاتفاقية وقّع عليهما اليمن، لكن الميليشيات لم تراع قانونا ولا اتفاقا ولا نظاما، وهي جميعها تمنع تجنيد من تقل أعمارهم عن 18 عاما».
استغلال الجهل
يقول القيادي الحوثي سابقا، المنشق حاليا، عبدالناصر العوذلي لـ«الوطن»، «عمد الحوثيون إلى تجنيد الأطفال منذ وقت مبكر، ومنذ كانوا في صعدة، بالتنسيق مع مشايخ القبائل الخاضعين لهم، مثل قبيلة خولان بن عامر في صعدة، وذلك عن طريق رئيس ائتلاف القبائل ضيف الله رسام، وهو رئيس التجمع القبلي التابع للحوثيين، وتم استقطاب الأطفال بداية بالتنسيق مع آبائهم، وعمدوا بداية إلى استغلال الأسر الفقيرة وحاجتها المادية، إذ كانوا يصرفون لكل طفل مجند 30 ألف ريال يمني، أي ما يعادل قرابة 350 ريالا سعوديا شهريا، مستغلين جهل الأكثرية، وبعد سيطرتهم على صنعاء، إذ أصبحوا قوة مسيطرة استقطبوا وهاجموا مراكز دور الأيتام في صنعاء، وجنّدوا نزلاءها الذين لا يتجاوز أكبرهم الـ14 من عمره، وبعضهم في الثامنة من عمره، وأغلقوا تلك المراكز، ثم تغلغلوا في قبائل محيط طوق صنعاء ومشايخها، والمكونة من سبع قبائل، منها بني مطر والهدا، واستطاعوا خلال دعم علي صالح، وخلال علاقاته مع المشايخ أن يزجوا بالأطفال في الجبهات، بما فيهم صغار في السابعة والتاسعة من أعمارهم، وخلال زحفهم في المحافظات حوّلوا عملية الترغيب في التجنيد، إلى الإجبار، وأخذوا الأطفال بالقوة من بعض الأسر.
لوبي سري للاختطاف
يضيف العوذلي «هناك فريق مخصص مهمته خطف الأطفال الذين يسيرون وحدهم أو يكونون بمفردهم، وهو ينتشر في كل المحافظات، لديه سيارات خاصة، إذ يحمل الأطفال ويكمم أفواههم ويغطي أعينهم، ويقودهم إلى مراكز جبلية للتدريب شهرا، وبعد ذلك يزج بهم في الجبهات دون أي خبرة أو معرفة، ويمنع الأطفال من استخدام الجوالات أو التواصل مع ذويهم إلا بعد شهر من اختطافهم، يتم خلالها إقناعهم أنهم في جهاد في سبيل الله».
نقلا عن الوطن السعودي