ضلت مفردة (الحوار) لصيقة أساسية لكل تفاصيل المرحلة السياسية الراهنة في اليمن، هذه المفردة اللغوية كانت في البدء رؤية معبرة عن التطلعات العامة للقوى المؤثرة لحلحلة الإشكاليات السياسية بالأساس، خاصة مع إزدياد زخم الحراك الشعبي في جنوب البلاد ضد الممارسات التعسفية والإقصائية الممنهجة من قبل نظام الحكم في حينه ضد سكان هذه المناطق، ومع إنطلاق الثورة الشعبية السلمية في كامل أرجاء البلد أصبح (الحوار) مطلباً سياسياً وإجتماعياً رئيسياً، في محاولة لإيجاد حلول منصفة وعادلة للمعضلات المتراكمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بطريقة حضارية متسقة مع مبادئ العمل السياسي الديمقراطي خاصة وأن اليمن بلد جمهوري ذا طابع تعددي.
أضفى واقع الحال دعماً وتعزيزاً لمطلب (الحوار)، فاليمن بلد فقير نسبة المتعلمين فيه متدنية ويواجه عدد لا حصر له من المعضلات المتداخلة على رأسها الإرهاب وإنتشار السلاح وعدم إستقلالية المنظومة القضائية والتشريعية ووجود جهاز أمني وجيش نظامي ليس ذا طابع وطني معبر عن الدولة ولا يأتمر بأمرها، مما أضعف فرص فرض حل بعيد عن الحوار من قبل أحد الأطراف السياسيين أو تجاهل رأي طرف أخر.
توالت الأحداث حتى أصبح الحوار حقيقة سطرت تجربة سياسية متفردة على المستوى الإقليمي والدولي في التمثيل المتنوع والمشاركة المتعددة والمدة المتتابعة غير القصيرة والكافية لإعطاء كل موضوع حقه في النقاش وجمع الأراء ودراسة الحلول وكذا عدد المواضيع التي تم نقاشها إبتداء من أعقد القضايا السياسية حتى أبسط التفاصيل الإدارية للدولة، وكان الناتج وثيقة سياسية تضم أكثر من ألف وثمانمائة بند ومادة، والمتعارف عليها بـ(وثيقة مخرجات الحوار الوطني) والتي أجمعت عليها جميع القوى السياسية والمدنية المشاركة في مؤتمر الحوار دون إعتراض أو ملاحظات مما أكسب هذه الوثيقة إعترافاً إقليمياً ودولياً بها كوثيقة قانونية رئيسية مؤسسة لمستقبل جديد لليمن وهذا الإعتراف بالمجمل ماهو إلا إمتداد لعدد من الوقائع السياسية وأهمها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
ومن تلك اللحظة تحول (الحوار) من مطلب ومفردة لغوية معبرة عن التطلعات إلى مشروع سياسي متكامل ممثلا بوثيقة المخرجات.
الحوار وأثناء الإعداد له وإنعقاده وحتى بعد نهايته واجه كثيراً من المعوقات ومن ضمنها السعي الإعلامي الدؤوب لتشويهه (مرحلةً وآلية) من قبل بعض القوى السياسية التي لاجت في الحوار مرغمة دون إيمان منها بضرورة رسم ملامح مستقبل اليمن بطريقة حضارية تشاركية، فأرادت تشويه هذا العقد السياسي في عقول المجتمع تمهيداً لنسف الحوار من أساسه ليس كوثيقة سياسية وفقط بل كمفهوم إنساني وسياسي ديمقراطي أيضاً، في خطوة إحترازية لتحقيق مآربها في فرض حكم الواقع على الشعب.
الحوار وأثناء الإعداد له وإنعقاده وحتى بعد نهايته واجه كثيراً من المعوقات ومن ضمنها السعي الإعلامي الدؤوب لتشويهه (مرحلةً وآلية) من قبل بعض القوى السياسية التي لاجت في الحوار مرغمة دون إيمان منها بضرورة رسم ملامح مستقبل اليمن بطريقة حضارية تشاركية، فأرادت تشويه هذا العقد السياسي في عقول المجتمع تمهيداً لنسف الحوار من أساسه ليس كوثيقة سياسية وفقط بل كمفهوم إنساني وسياسي ديمقراطي أيضاً، في خطوة إحترازية لتحقيق مآربها في فرض حكم الواقع على الشعب.
أضفت هذه الحملات الإعلامية المدروسة والتي تغلغلت في أوساط المجتمع بطريقة غير مباشرة إلى وجود حساسية عامة عند بعض الفئات من (الحوار) جعلتهم لا يفكرون حتى بقراءة ورقة واحدة من وثيقة المخرجات مدفوعين بمبررات جاهزة تمثل التوجهات السياسية للطرف المؤثر عليهم، أغلب هؤلاء ليسو بالضرورة أفراد يتبعون فكرة معينة أو مشروع معاكس للحوار، ولكن التغذية الرجعية المتعلقة بالحوار في عقولهم سلبية جداً تدعوهم إلى النفور من أي شيء متعلق بالحوار بمجرد سماعهم للمفردة.
هذه الحالة التي وصل إليها البعض تحتاج إلى مجهود إعلامي يسلط الضوء على تفاصيل الحوار بموضوعية على شكل أسئلة لطالما جالت في فلك الحوار وكانت الإجابات عليها مشوهةً بتعمد من البعض ودون قصد من البعض الأخر، لذلك أتت فكرة هذا العمود الأسبوعي كدعوة للنظر في مرحلة الحوار الوطني وفي وثيقة مخرجاته بطريقة مغايرة وبتجرد يشبه عنوان العمود، الذي جرد كلمة الحوار إلى الحروف المشكلة لها من لغتنا العربية (حاء واو ألف راء).
نقلًا عن صحيفة ١٤ أكتوبر