أدخلت الحرب المتصاعدة في اليمن، منذ أكثر من عامين ونصف العام، ملايين المواطنين تحت خط الفقر، لكن محافظة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، غربي البلاد، تتصدر المحافظات المنكوبة، من حيث تدني مقومات الحياة واتساع رقعة الفقر وانتشار الأوبئة.
ويقطن المحافظة التي تعرف بـ”عروس” البحر الأحمر، مجتمعات فقيرة تعتمد في الغالب على مهنة الصيد، ومع توقف رواتب موظفي الدولة، منذ قرابة العام، التحق ما تبقى من السكان برصيف الفقر، ليجد الآلاف أنفسهم غير قادرين على توفير قوت يومهم.
وتقول إحصائيات غير حكومية، صدرت نهاية العام الماضي، إن معدلات الإصابة بسوء التغذية بين الأطفال في الحديدة، تجاوزت ضعف مؤشر الطوارئ العالمي المحدد بـ 15%.
وتضاعفت معاناة سكان الحديدة، الذين يبلغ تعدادهم قرابة 3 ملايين نسمة (من إجمالي سكان اليمن البالغ 27.8 مليون)، بسبب تراجع مستوى الخدمات الطبية في مستشفيات المدينة، حيث توقفت كثير من المرافق الصحية عن تقديم خدماتها في أغلب مديريات المحافظة البالغة 26.
وقف تلك الخدمات نجم عن الحرب، وعدم تمكن منظمات المجتمع المدني من الوصول إلى المديريات والقرى النائية.
أسر افترسها الفقر
فاطمة أحمد صعفان (45 عاماً)، تعيش أوضاعاً مادية غاية في الصعوبة، بعد توقف كامل لراتبها التعاقدي الذي كانت تتقاضاه من أحد المكاتب الحكومية في مدينة الحديدة، كما هو الحال مع أكثر من مليون ومائتي ألف موظف بالقطاعين الحكومي والمختلط، ممن توقف صرف رواتبهم، أو فقدوا وظائفهم بسبب الحرب، وباتوا فريسة لوحش الفقر.
تقطن فاطمة مع أسرتها المؤلفة من تسعة أولاد، في حي “البيضاء” بمدينة الحديدة، فيما يعيش زوجها، شبه بطالة دائمة، جراء تدهور الحركة التجارية في ميناء الحديدة الذي كان يعمل فيه.
فاطمة، كانت تعمل منذ عشر سنوات كعاملة تنظيف في مكتب حكومي، براتب شهري لا يتجاوز 12 ألف ريال يمني (33 دولاراً)، وعلى الرغم من المبلغ الزهيد، لم يكن يخطر ببالها، أنه سيصبح حلما بعيد المنال.
تقول فاطمة، للأناضول، إن الراتب، كان يوفر لها في الظروف الطبيعية جزءًا من الأمان الذي يمكنها من اقتراض الاحتياجات الضرورية لأسرتها، وتسديد ديونها نهاية كل شهر.
ووفقا لفاطمة، فقد كانت أسرتها تعتمد سابقا على راتبها الثابت، بالإضافة إلى الأجر اليومي الذي كان يتقاضاه زوجها صعفان (50 عاما)، من عمله في ميناء الحديدة الخاضع حاليا لسيطرة جماعة “الحوثي”، والذي لا يتجاوز ألف ريال يمني (أقل من 3 دولارات).
قبل حوالي عام، أبلغ المكتب الحكومي فاطمة بعجزه عن سداد راتبها بسبب انخفاض موازنة المكتب، وبعد محاولات استجداء عديدة تم الاتفاق على تسليمها مبلغاً رمزيا بسيطاً كل ثلاثة أشهر لا يتجاوز 7 آلاف ريال (نحو دولارين)، وهو – حسب تعبيرها ـ أشبه بالاستغناء البطيء عن خدماتها.
وفي المقابل، كان عمل الزوج يتضاءل تدريجيا حتى انقطع قبل خمسة أشهر، ليبحث عن مصدر رزق آخر في ميناء صيد الأسماك، بشكل متقطع.
وحسب فاطمة، كان زوجها يعمل في ميناء الاصطياد بأجر يومي لا يتجاوز 500 ريال (أقل من دولار ونصف)، وفي بعض الأحيان، يكون الذهاب للميناء بدون جدوى.
وعلى الرغم من مشاركة اثنان من أطفالها (13و 15 عاما)، في تحمل أعباء الأسرة؛ من خلال العمل بأجر يومي، تقول فاطمة “تمر أيام طويلة لا نجد فيها أحيانا قوت يومنا إلا بشق الأنفس”.
سوء التغذية الأكبر في البلاد
خلافا لباقي المدن اليمنية، تتصدر محافظة الحديدة قائمة أكثر المناطق تعرضا لمعدلات سوء التغذية الحاد، وخلال الأشهر الماضية من الحرب، ظهر مئات السكان في حالات إعياء شديدة وقد تحولوا إلى ما يشبه الهياكل العظمية.
وفتك وباء “الكوليرا” بما تبقى من رمق لدى السكان، ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف”، تحل الحديدة في صدارة المدن اليمنية التي تعرضت للوباء خلال 5 أشهر، وذلك بأكثر من 95 ألف حالة.
ويواجه السكان صعوبات في تحمل تكاليف التنقل إلى المراكز الصحية في المدينة للعلاج من الكوليرا وسوء التغذية، ما يجعلهم يستسلمون للأمراض في مجتمعاتهم.
وقال عاملون بالمجال الصحي، للأناضول، إن غالبية الحالات القادمة من الريف تصل إليهم وهي في مرحل متقدمة من المرض، بسبب عجز الأهل عن إسعاف المرضى وبخاصة الأطفال، في الوقت المناسب.
ومع تكرار المناشدات، لجأت منظمات دولية، وعلى رأسها منظمة “يونسيف”، للعمل من أجل التغلب على الأزمات التي تواجه تلك المجتمعات الفقيرة.
ووفقا لتقرير، اطلعت عليه الأناضول، فقد قدمت “يونسيف” مساعدات عاجلة للسكان تتمثل في توفيرخدمات المياه، ودعم صناديق النظافة والصرف الصحي، وخدمات التغذية، بالإضافة إلى تحويلات نقدية للنازحين، الفارين من مناطق النزاع.
كما قامت المنظمة، بدعم المرافق الصحية، لتقديم التغذية العلاجية للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد، وكذا توفير اللقاحات الحيوية لهم، ومعالجة الكوليرا، بجانب تأهيل المدارس وتوفير مستلزمات الدراسة للتلاميذ الأكثر تضرراً.
بيع المدخرات وأساليب سلبية للعيش
مع انعدام مصادر الدخل وتوقف الرواتب، لجأت 80 % من الأسر اليمنية لبيع مدخراتها، وباتت تعيش على الاقتراض أو غارقة في الديون فقط لتوفر الطعام وأساسيات الحياة، وفقا لتقرير صادر عن “يونسيف”.
وذكر التقرير، أن هناك الكثير من الأسر، لجأت لأساليب سلبية للتعايش مع الأزمة الإقتصادية الخانقة، فباتت تدفع بأطفالها نحو التجنيد مع أطراف الصراع.
ووفقا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فقد تم التحقق من تجنيد أكثر من 1600 طفل دون السن القانوني في الحديدة.
ولا تتوقف الأساليب السلبية للتعايش مع الأزمة الاقتصادية عند التجنيد فحسب، فهناك مئات الأسر دفعت بأطفالها إلى الشوارع للعمالة، وخلال العام الأخير من الحرب، تزايد ظاهرة الباعة المتجولين في شوارع المدن اليمنية، وخصوصا الحديدة، كما أجبرت الحرب آلاف الأسر على مد أياديهم للتسول.
وبعيدًا عن ذلك، لجأت بعض الأسر إلى تزويج فتياتها القاصرات، من أجل التغلب على الأزمة الاقتصادية، وسُجلت عدد من حالات زواج فتيات أقل من 15 عاما في المحافظات اليمنية، وخصوصا المجتمعات الفقيرة بمدينة الحديدة، ومحافظة إب (جنوب صنعاء).
ويشهد اليمن حربًا منذ قرابة 3 أعوام بين القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة، ومسلحي الحوثي، وقوات الرئيس السابق، علي عبد الله صالح من جهة أخرى.