صنعاء (أ ف ب) – قصفت مدرسة رؤى أحمد في تعز جنوب اليمن، لكن الطفلة الحالمة بان تصبح معلمة لغة عربية لم تتوقف عن محاولة العودة للدراسة في خضم نزاع وضع أحلامها وأحلام نحو مليوني طفل يمني آخر في مرمى طائراته ومدافعه، مغلقا أبواب مئات المدارس.
رؤى (12 عاما) التي تهوى الرسم، انتقلت بعيد قصف مدرستها “اسماء” في سبتمبر الى مسجد لاستكمال تعليمها، لكنها فرت من تعز بعد شهرين بسبب المعارك، فقطعت مع عائلتها سيرا مسافة عشرة كيلومترات تحت نيران القناصة، الى أن خرجوا من المدينة محملين بملابسهم فقط فاستقلوا سيارة وتوجهوا نحو صنعاء.
وتقول رؤى لوكالة فرانس برس وهي تراقب بعينيها الواسعتين اطفالا يلهون بكرة زرقاء بالقرب منها “اصبحنا نازحين في صنعاء. حاولت ان اسجل نفسي في مدرسة هنا، لكن طلبي رفض بسبب ازدحام الصفوف بالطلاب”.
وتضيف “دراستي كلها توقفت بسبب الحرب. لا أعرف ما ذنبي، فانا لم أفعل شيئا”.
.لكن فاتورة النزاع لا تقتصر فقط على القتل: 1640 مدرسة (من بين نحو 16 الفا) توقفت عن التعليم، 1470 منها دمرت او تضررت، والبقية تحولت الى ثكنات او ملاجئ للنازحين، بحسب منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
وحرم توقف المدارس عن التعليم 1,84 مليون طفل من الدراسة لينضموا الى نحو 1,6 مليون طفل اخر لا يرتادون المدرسة منذ فترة ما قبل النزاع، كما اشار راجات مادهوك من اليونيسف. ويبلغ عدد سكان اليمن اكثر من 27 مليون نسمة، نصفهم دون سن ال18.
ودفع هذا العدد الهائل وكالات الامم المتحدة الى التحذير من عواقب اجتماعية وامنية وخيمة قد تستمر لعقود. وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن شابيا منتو لفرانس برس “هناك جيل بكامله يخشى أن يخسر مستقبله”.
وحذرت اليونيسف من جهتها من آثار طويلة الامد، ورأت في تقرير ان “الابتعاد عن المدرسة يخلق جيلا جديدا من المتوقع ان يواصل دوامة العنف”.
– “لو تنتهي الحرب” –
وجد بعض الطلاب الذين اضطروا للابتعاد عن مدارسهم بسبب النزاع أنفسهم مضطرين للبحث عن عمل، بينما عمد آخرون الى التسول، فيما تعرض اكثر من 1500 منهم وجميعهم من القاصرين الى التجنيد من قبل الاطراف المتقاتلة بحسب المفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة.
في مأرب شمال شرق صنعاء، يعيش أحمد سالم (16 عاما) منذ أن فر من منزله بسبب المعارك في خيمة في مخيم للنازحين. وبعيدا عن مدرسته، لم يجد الفتى مفرا من السعي يوميا لتأمين الغذاء لعائلته.
وروى أحمد “تركت الدراسة من يوم ان بدأت الحرب في منطقتنا صرواح (نحو 40 كلم غرب مأرب)، والان، كل يوم اخرج في الصباح لكي أؤمن لقمة عيش لأسرتي. اتردد على المنظمات من اجل الحصول على المساعدات”.
لكن على النقيض من رؤى، فقد أحمد أمله بالعودة الى الدراسة. وقال لفرانس برس “الحرب لا توفر لنا جوا ملائما لنواصل التعلم. وما الفائدة من ذلك اذا انتهت الدولة؟”.
وحتى في المناطق القليلة التي تشهد هدوءا أمنيا نسبيا وتفتح مدارسها أبوابها، فان اكتظاظ الصفوف بالطلاب، والاضرابات التي ينفذها استاذة احتجاجا على عدم تسلم رواتبهم، وعجز الاهالي عن تامين مستلزمات الدراسة، تمثل تحديات اضافية امام قطاع ينهار بسرعة.
.ويرى عبدالله محمد العزي الاستاذ في مدرسة الحسين بن علي في صنعاء ان “هناك عدم استقرار حتى في نفوس الطلاب الذين لا يزالون يتلقون تعليمهم. فعندما ياتي الطالب الى المدرسة يخاف من تحليق الطائرة. يخافون من القصف”.
ويزيد ابتعاد الطلاب عن مدارسهم من خطر تجنيدهم ليس فقط من قبل الاطراف المتقاتلة، بل أيضا من قبل الجماعات المتطرفة التي استغلت النزاع لتعزز نفوذها في بعض المناطق وخصوصا الجنوبية منها.
ويقول الاستاذ في احدى مدارس تعز ابراهيم ناجي “في احسن الاحوال يتجه (الطلاب) لمراكز تعليم دينية غير نظامية، أو حلقات المساجد، ظنا منهم ان هذا البديل المناسب عن التعليم النظامي في المدارس”.
في صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين، تواصل رؤى سعيها للعودة الى الدراسة. لكنها تأمل ايضا بان تنتهي الحرب قريبا حتى تعود الى مدرستها في تعز.
وتقول الطفلة التي تعيش في منزل أحد اقربائها في مدينة تقف عند حافة المجاعة “عندما أتذكر استاذتي وزميلاتي، انهار بكاء. أريد ان تعود حياتي هادئة كما كانت”.
وتضيف بهدوء “والله سأفرح كثيرا لو انتهت الحرب”.
بدأ النزاع في اليمن بين قوات الحكومة ومليشيات الحوثيين عام 2014، وتفاقم في آذار/مارس 2015 مع قيادة المملكة العربية السعودية تحالفا عسكريا عربيا في البلد الفقير لمساندة قوات الحكومة اثر سيطرة المتمردين المدعومين من طهران على صنعاء ومناطق اخرى.
وقتل في اليمن اكثر من 7700 شخصا غالبيتهم من المدنيين، بينهم 1546 طفلا على الاقل وفقا للامم المتحدة، في المعارك بين الطرفين وأعمال القصف بحرا وبرا وجوا منذ انطلاق الحملة السعودية التي تدخل الاحد عامها الثالث