نشر سبتمبر نت تقريرًا مطولا عن ثورة فبراير مؤكدًا أن القضية الجنوبية ومؤتمر الحوار الوطني كان على رأسها.
جاءت ثورة فبراير الشعبية السلمية في مثل هذه الأيام الخالدة قبل تسع سنوات، انتصاراً للإرادة الوطنية التي قررت تغيير الوضع وبناء اليمن الجديد الذي يتطلع إليه اليمنيون في كل أرجاء الوطن، وتصدر قائمة أهداف الثورة، كما ظل حلما نبيلاً لأجيال اليمن منذ فجر ثورته العظيمة سبتمبر الخالدة وأكتوبر المجيدة قبل ما يربو على نصف قرن من الزمان.
وضع ثوار فبراير قضايا الوطن الكبرى نصب أعينهم، وفي مقدمة تلك القضايا القضية الجنوبية، فهي أكثر جراح الوطن نزيفاً، وكانت أسبابها ومظاهرها وملابساتها وظروفها والتداعيات الناجمة عنها تجعلها أكثر حضورا في صعيد الجدل السياسي والإعلامي، كما وأكثر القضايا ارتباطا بحاضر البلد ومستقبله، وتجعلها أيضا القضية الأولى في المسار التاريخي للشعب اليمني في وقته الراهن ومستقبله القادم، بما يحتم العمل في سبيلها تقوية للنسيج الوطني وتحقيقا لغايات المناضلين والأحرار الرامية إلى إرساء دعائم العدل والمساواة والإعلاء من قيم الشراكة الحقيقة في الثروة والسلطة والقرار، والمشاركة الفاعلة في بناء الوطن وحمايته والذود عن حدوده وسيادته والدفاع عن مكتسباته.
وبقدر أهمية القضايا الوطنية الكبرى في محطات التغيير ومراحل الانتقال جاءت أهمية القضية الجنوبية وضرورة العمل الدؤوب من أجلها والمعالجة الشاملة لها، إدراكا من قوى الثورة ومكوناتها أن القضية الجنوبية تمتلك خصوصيتها في ذاتها وفي تداعياتها على الأمد القريب والبعيد، بما يجعلها غير قابلة للتأجيل والتسويف والمماطلة، وهو أمرٌ أدركته قوى الثورة الشعبية ومعها كل المكونات السياسية والاجتماعية التي انخرطت في الثورة وآمنت بأهدافها السامية ومشروعها الوطني، وهو الوعي الذي تقاسمته النخب السياسية والقوى الثورية في مختلف ساحات الثورة على امتداد اليمن الحبيب.
وكما حضرت القضية الجنوبية في وجدان الثورة وعقلها المفكر.. حضرت الثورة وبالقوة نفسها في ميادين الكرامة وساحات الحرية بعدن وحضرموت كما في صنعاء وتعز، وفي شبوة وأبين كما في مأرب واب. وحين بدأت قوى الثورة المضادة تعمل على استخدام كل أوراقها في الحرب على الثورة والثوار، سعت جاهدة لإثارة النعرات المناطقية كمقدمة لإيجاد شرخ في بنيان الثورة اعتمادا على تركة هائلة من المساوئ والفساد والاستبداد في الفترة الماضية، وكان منها القضية الجنوبية التي كانت قد نشأت واتسعت رقعتها بسبب تلك الممارسات الخاطئة، وهي ممارسات أذكت نار الغضب واشعلت نيران الرفض بعدما وصلت المظالم حدا لم يعد القبول به ممكنا حين أعلن الحراك الشعبي الجنوبي عن نفسه عبر سلسلة متواصلة الحلقات من الفعاليات الاحتجاجية في عدد من المحافظات الجنوبية. وتصدرت قضية الجنوب كافة الرؤى التي انتجتها الثورة منذ انطلاقتها وعلى امتداد مسيرتها وفي كافة مراحلها، ورغم محاولات التشويش على هذا الحضور إلا أنه بقي أكبر من تلك المحاولات وبقي الاهتمام بالقضية الجنوبية الحاضر الأبرز في كافة ادبيات الثورة والتزامات المكونات السياسية والثورية، وبالقدر نفسه شرعت التغييرات السياسية التي أعقبت الفعل الثوري تحفر الجدار الذي وضعه صالح وعصابته للحيلولة دون تقديم أي حل من شأنه تخفيف حدة الاحتقان جنوبا.. وكانت المبادرة الخليجية واضحة في التركيز على أهمية وضع المعالجات الكفيلة بردم هوة ظلت تتوسع في كل اتجاه.
مؤتمر الحوار
منذ اللحظات الأولى للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي نصت عليه المبادرة الخليجية حضرت القضية الجنوبية.. من خلال حرص الرعاة والداعمين للعملية السياسية والانتقال السلمي في البلاد على مشاركة الجنوبيين في مؤتمر الحوار، أفرادا وكيانات، وفي هذا السياق جاءت سلسلة اللقاءات التي عقدها سفراء الاتحاد الأوروبي بقيادات الأحزاب السياسية والحراك الجنوبي في عدن ومحافظات جنوبية أخرى، كما عقد المبعوث الأممي إلى اليمن حينها جمال بن عمر لقاءات مماثلة مع قيادات الحراك وفصائل العمل السياسي والمنظمات المدنية لتحقيق الهدف ذاته: تحفيز الجنوبيين على المشاركة في مؤتمر الحوار باعتباره أساس بناء المستقبل، وفيما تفاوتت ردود الفعل على المبادرات والرؤى والجهود الهادفة لتعزيز مشاركة الحراك الجنوبي في أعمال الحوار تواصلت الجهود داخليا وخارجيا، الأمر الذي أثمر في تغيير كثير من المواقف والقناعات لصالح المشاركة الإيجابية والتفاعل الجاد والمسؤول مع الفعالية الوطنية الأكثر أهمية ممثلة هنا بمؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلقت أعماله في مارس من العام 2013 وانتهى بنجاح أواخر يناير من العام 2014.
وكان أبرز ما تحقق في صعيد الإعداد للمؤتمر إقرار مبدأ المناصفة في المشاركة في أعمال مؤتمر الحوار، المبدأ الذي انعكس تلقائيا على مجمل القوى المشاركة في الحوار، وتجلى الحضور الجنوبي في كافة فرق المؤتمر وجدول أعماله ونتائجه ومخرجاته التي حظيت بمباركة داخلية ودعم خارجي جعل من مخرجات الحوار وثيقة وطنية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو القفز عليها.
ومثلما أسهمت فرق الحوار المختلفة في تقديم التصورات والرؤى وطرح المعالجات في كافة القضايا.. كان فريق القضية الجنوبية يعمل وبجهود متواصلة على تحقيق أهم أهداف الثورة الشعبية ويتمثل في إعادة القضية الجنوبية إلى سياقها الطبيعي في المعادلة الوطنية ضمن مبدأ الشراكة وبعيدا عن منطق القوة والإقصاء والتهميش والالغاء.
وبشهادة المنصفين وحكمة العقلاء والمجربين تبدى ما انجزه مؤتمر الحوار الوطني مفتاح الحل التوافقي لجميع المسائل العالقة والأزمات المتفاقمة، ذلك أنه استحضر مستقبل اليمن وقرر الانطلاق إلى رحابه مع التخلي عن كل مساوئ الماضي واخطائه التي لم تخلف سوى الحروب والصراعات.
وخلال فترة انعقاد المؤتمر كان فريق القضية الجنوبية هو الفريق الأكثر حضوراً بين جميع الفرق التي اشتمل عيلها المؤتمر، بل إن كثيرا من نتائج المؤتمر النهائية في كثيرٍ من الفرق تأجّل البتُّ فيها إلى ما بعد صدور البيانات الأخيرة لفريق القضية الجنوبية، فضلاً عن الاهتمام الذي لاقته القضية الجنوبية لدى الأطراف الداعمة والراعية لمؤتمر الحوار الوطني، في مختلف مراحل المؤتمر، منذ بدأت مرحلة التحضير والإعداد مرورا بفترة اختيار الأعضاء والممثلين وتوزيعهم على الفرق الخاصة بقضايا الوطن التي اعتمدها المؤتمر، وانتهاء بلحظة إقرار النتائج والتوقيع عليها واختتام مؤتمر الحوار.
وأهم ما تضمنته مخرجات الحوار الوطني في هذا الشأن هو الالتزام بـ”حلّ القضية الجنوبية حلاً عادلاً في إطار دولة موحّدة على أساس اتحادي وديموقراطي جديد وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية، وذلك عبر وضع هيكل وعقد اجتماعي جديديْن يرسيان وحدة الدولة الاتحادية الجديدة وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وتمثل هذه الدولة الاتحادية الجديدة قطيعة كاملة مع تاريخ الصراعات والاضطهاد وإساءة استخدام السلطة والتحكّم في الثروة”. وإذ قدّر مؤتمر الحوار مساهمات وتضحيات الحراك الجنوبي السلمي ونضال اليمنيين من أجل التغيير، فإنه تطلّع إلى بناء الدولة الاتحادية الجديدة مع اعتراف كامل بالأخطاء المؤلمة والمظالم التي ارتكبت في الجنوب.