كان من أهم أسباب سقوط الاتحاد السوفييتي الحصار والعقوبات الأمريكية التي فرضها بقوة وحزم الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، والذي قطف الانتصار فيها الرئيس جورج بوش الأب. وليس لديَّ أدنى شك أن الملالي أنفسهم سيكون مصير جمهوريتهم في إيران المصير نفسه، إن لم يرعووا ويقبلوا الجلوس مع الأمريكيين على طاولة المفاوضات دون أي قيد أو شرط؛ أي أنهم سيجلسون على الطاولة وسيف العقوبات مسلطاً على رقابهم، وبالطبع سيستعجلون الوصول إلى حل، لأن طول مدة المفاوضات هو في صالح الأمريكيين وليس الإيرانيين، ومن المتوقع أن لا يكون الأمريكيون على عجلة من أمرهم، عكس الإيرانيين الذين هم تحت ضغوط السخط والتذمر الشعبي، لذلك سيحاولون الإسراع بإنهائها ما أمكنهم ذلك.
والسؤال الذي يطرحه السياق: لماذا عاند الإيرانيون كل هذه المدة، ثم رضخوا، مما أضعف موقفهم، وجعل كفة الميزان تعطي الأمريكيين أفضلية عليهم، وقد كان بإمكانهم أن يقدموا هذا التنازل في بدايات فترة حكم الرئيس ترامب؟.. السبب في تقديري أنهم كانوا يراهنون على سقوط الرئيس ترامب، وعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، وأنهم سيعودون مرة أخرى إلى تفعيل الاتفاقية النووية التي انسحب منها ترامب، غير أن كل المؤشرات شبه المؤكدة تقول إن الديمقراطيين منقسمون، وأن الأرجح فوز الرئيس ترامب بفترة ثانية، وهذا يعني أنهم سيجدون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالشروط الأمريكية، أو اللحاق بالاتحاد السوفييتي والتفكك إلى دويلات عرقية عدة، وكلا الخيارين هو بالنسبة للإيرانيين مصيبة، إلا أن الرضوخ والتفاوض هو أفضل الشرين.
إيران من الداخل يحكمها الحرس الثوري بقبضة حديدية، وجنوح إيران إلى السلام، وترك الإرهاب، والتمدد، وانهيار بناء الحلم الإمبراطوري الفارسي، يعني بالضرورة أن تتحول إيران إلى (دولة) وتتخلى عن (الثورة)، التي أصرت عليها طوال الأربعة العقود الماضية، وبالتالي دمج الحرس الثوري في الجيش الإيراني النظامي. والسؤال الذي يطرحه هذا السيناريو المتوقع: هل سيقبل جنرالات الحرس الثوري العمل تحت إمرة الجيش النظامي، والالتزام بالضوابط العسكرية التنظيمية التي تحكم الجيوش؟.. الأمر هنا قد يحتمل احتمالات عدة، أخطرها أن ينقلب جنرالات الحرس الثوري على سلطة الملالي، ويتولون بأنفسهم السلطة، ولا سيما أن الولي الفقيه علي خامنئي متقدم في السن، ويعاني من مرض عضال، وخلافته لم تحسم بعد، لعدم وجود خليفة وازن في المشهد السياسي يتفق عليه الإصلاحيون والمحافظون؛ وكما هو معروف أن الحرس الثوري ليس ذراعًا عسكريًا فحسب، وإنما دولة تكاد أن تكون مستقلة داخل جمهورية الملالي، ومتى ما شعر جنرالات الحرس أن البساط سيسحب من تحت أقدامهم، فلن يقبلوا بذهاب هذا الكيان وثرواته وأسلحته إلى آخرين، خصوصًا أن أولئك الجنرالات – كما هو الشائع – فاسدون، وأثروا من صفقات مشاريع الحرس الثوري، ومن المحتمل جداً أن تفتح تلك الملفات، وتجري محاكمتهم؛ ومن هنا سيبدأ في تقديري التطاحن بينهم وبين الجيش الذي سيستحوذ عليهم ولأسباب موضوعية فإن من المتوقع أن ينتصر في هذا الصراع الحرس الثوري، وسيقوم جنرالاته بتنصيب مرشد جديد صوري يتحكمون في قراراته.
إعادة انتخاب ترامب في تقديري ستدخل إيران في نفق مظلم مفتوح على كل الاحتمالات.
* نقلا عن “الجزيرة”