مع بدايات كل عام ميلادي جديد تدشن وحدات القوات المسلحة العام التدريبي بفعاليات احتفالية وعروض عسكرية وزيارات ميدانية من قمة هرم قيادة وزارة الدفاع ومرورا بالمستويات القيادية المختلفة كتقليد سنوي دأبت عليه الجيوش في الكثير من دول العالم.
يعد التأهيل العسكري الاحترافي والتدريب الميداني المتكامل المحاكي لظروف وطبيعة المعركة الفعلية بمستوياتها وأنواعها المختلفة التي تدرس ضمن النظريات العسكرية الحديثة وفي بيئة جغرافية وتضاريسية متنوعة وبحسب تنوع مسرح عمليات الجمهورية اليمنية بمختلف الأحوال المناخية وتغيرات اجواء الطقس هو الأسلوب الأمثل للبناء التدريبي والتأهيل النفسي والعملياتي لمنسوبي المؤسسة الدفاعية والأمنية المحترفة وفقا لمعايير, بناء وتأسيس الجيوش الحديثة.
وكذلك الاحتياج النظري والعملي لمعرفة منظومة التسليح الحديثة علميا ومعرفيا ومن ثم القدرة العالية على الاستخدام الأمثل لتلك المنظومة.
هذا البناء المعرفي والعلمي المصاحب لبرامج التدريب والتأهيل العالي هو أحد الركائز الأساسية للنجاح والنصر في المعركة الوطنية وتتمثل تلك الركائز في المثلث الذهبي للنصر, الناجز(الإيمان الراسخ بعدالة القضية الوطنية – التأهيل والتدريب الاحترافي الفعال – التوظيف الأمثل للموارد والإمكانات والطاقات البشرية والمجتمعية والوطنية في خدمة المعركة الشاملة).
وإن أي خلل أو تقصير أو إهمال لأحد تلك الركائز يعني بالضرورة فشل المعركة قبل أن تبدأ وكما يتبعها من سلسلة متوالية من الهزائم والخسائر المتلاحقة وما يعني ذلك من فاتورة وطنية باهظة الثمن عالية التكاليف من مقدرات وثروات وبنية الوطن والمجتمع البشرية والاستراتيجية.
وهنا يجب التأكيد أن هناك ضرورة ملحة لإيلاء التأهيل والتدريب مساحة اوسع من الاهتمام من كل مستويات القيادة خصوصا في الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد واستمرار معركة الاستنزاف لأهم كوادر اليمن المؤهلة والمدربة تدريباً عالياً في المعركة المفروضة والحتمية التي تخوضها القوات المسلحة في مواجهة مشروع المليشيات الكارثي ولعل اهم عوامل توازن اللحظة الحرجة وأخذ زمام المبادرة والتفوق الميداني هو رفد جبهات العزة والكرامة ومحاور القتال بكوادر اكثر تأهيلاً وأصلب عودا وتملك مرونة عالية في الحركة والقدرة على إدارة معطيات مسرح العمليات وضخ دماء جديدة في مكينة ودواليب العمل العسكري والميداني والعملياتي وفق أسس وقواعد إدارة المعركة الحديثة.
السلاح بكل مستوياته وتقنياته هو اداة طيعة لمن يملك أبجديات التعامل معه وهو اكثر قدرة على الحسم.
عندما تكون الأيادي والعقول الذي خلفه اكثر دراية واحترافية في التعاطي مع أدواته وتملك القاعدة المعرفية الكاملة بخصائصه وفق معايير الجودة الشاملة في التخصص الدقيق فتستفيد المعركة من كل ميزاته الفنية والتقنية والتكتيكية.
ونحن نشارك مناسبات تدشين العام التدريبي الجديد يجب أن نقف عند محطات التقويم والتقييم للأعوام التدريبية الماضية من حيث تنفيذ الخطط وفاعليتها ومدى ملائمتها لاحتياجات الميدان ومتطلبات المعارك ذلك أن التأهيل والتدريب الفعال في قاعة الدراسة وميادين البناء وأجهزة المحاكاة يحقق جملة من المكاسب في جبهات ومحاور القتال وعند اشتداد المعارك أهمها:-
اولاً: تقليل الخسائر البشرية والمحافظة على الكوادر النوعية المحترفة عسكريا والمخلصة وطنيا وهو أهم ما تعمل الجيوش المحترفة والقيادات الوطنية على تحقيقه باعتبار الكادر البشري الوطني أهم واغلى ثروات الوطن الاستراتيجية.
ثانياً: تحقيق الانتصارات السريعة والحاسمة بأقل الخسائر المادية وتجنيب الوطن ويلات الحروب الطويلة.
ثالثاً: تكبيد العدو خسائر نوعية وشل حركته ومتابعة الهجوم بما يحقق انهيار منظومة القيادة والسيطرة وهزيمة العدو نفسيا ومعنويا قبل سحقه عسكريا.
رابعاً: المحافظة على صمود وجاهزية القوات المسلحة في ظروف المعركة المستمرة.
خامساً: التدريب العالي يعطي مرونة وقدرة أكثر على الحركة والمناورة والتفوق على العدو في ميدان المعركة ما يجعل منسوب المعنويات مرتفعاً في احلك ظروف المعركة وأكثرها ضراوة.
وهناك الكثير من الإنجازات التي تحققها مستويات التدريب الفعال والتأهيل العسكري الاحترافي ويمكن أن نطبق عكس تلك العوامل في تأثيرها على القوات عندما يكون مستوى التدريب والتأهيل في حالات متدنية.
لكن ما يمكن أن نسميه خللاً استراتيجياً واضحاً ومعيباً في منظومة التأهيل والتدريب للقوات المسلحة اليمنية المنضوية في إطار الشرعية هو انعدام التأهيل في الكليات العسكرية المختلفة للمستوى العادي في الظروف الطبيعية ناهيك عن الوضع الاستثنائي والنزيف الجارف للكوادر العسكرية المؤهلة في ظل حرب الاستنزاف الطويلة الأمد.
مع وجود اهتمام شديد عند المليشيا في تخريج دفع من الكليات العسكرية خارج المعايير الوطنية والعلمية في سباق محموم مع الزمن لفرض واقع مليشاوي طائفي مغلق داخل وحدات الجيش عند اي عملية تفاوض أو تسوية سياسية قادمة.
الحاجة ماسة وضرورية إلى فتح الكليات العسكرية والتي لا تحتاج أكثر من كادر تعليمي متخصص ومنهج متطور وكل ذلك متوفر والعمل بالإمكانات المتاحة والاستفادة من الطاقات البشرية التي صقلت تجربتها العالية جبهات ومحاور القتال الملتهبة، وكذا الحاجة الى تحويل المركز التدريبي في الرويك بكادره المتميز والنشط على أقل تقدير، إذ لم يكن فرعاً للكلية الحربية، فليكن معهداً عالياً للتأهيل والتدريب العسكري.
حفظ الله اليمن من كل سوء ومكروه.