نشر توفيق السامعي، قراءة جديدة حول ذو القرنين، أثبت من خلالها أنه كان يمني الأصل، وجاءت القراءة بعنوان: “من هو ذو القرنين وما جنسيته..قراءة جديدة؟!
ذو القرنين أول ما نبه لذكره هو القرآن الكريم ولم ترد أية نصوص أخرى من نقوش أو مخطوطات عنه منذ ما قبل الإسلام أو الميلاد، لكن كانت هناك معرفة سابقة عنه -غير مفصلة- بحكم تواتر الروايات بدليل قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً}الكهف83، ويشير من أسلم من اليهود أن ذكره كان موجوداً حتى في التوراة.
وقد اختبر اليهود الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر حينما أرسلت إليهم قريش مبعوثين هما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط للبحث في قصة الرسول ونبوءته على اعتبار اليهود أهل كتاب وعلم ودراية، وقالا لهم إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاثة نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح وما هي، فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل. فسألت قريش النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الأسئلة الثلاثة فأنزل الله سبحانه سورة الكهف تجيب عن أسئلتهم. وهذا ما يجعلنا نسلم بصحة بعض روايات الإخباريين عنه بنسبة معينة.
وهذا الرجل الملك أعطاه الله وهيأ له كل أسباب القوة والملك وأوتي من كل شيء كما مكن لسليمان وبلقيس وأعطاهما من كل شيء {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}الكهف84..وتأمل دقة الألفاظ في هذه الآية؛ فمن التبعيضية دليل الاشتمال، كما قال عن سليمان {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}النمل16. حتى أن ما روي منسوباً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قرن بينهما في ملك الأرض، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “ملك الأرض مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود، وسيملكها خامس من هذه الأمة”.
غير أنني لا أرجح أيضاً رواية أن بختنصر أحد الملوك الأربعة الذين ملكوا الأرض وأعتبرها رواية غير صحيحة ولا حصيفة؛ فبختنصر تمدد من بابل في العراق إلى الشام وملك الشام والعراق وجزءاً من تركيا وجزءاً مما تسمى اليوم إيران فقط ولم يصل إلى الجزيرة العربية ولا اليمن ولا مصر ولا أفريقيا، ولا أوروبا ولا آسيا الصغرى، وكل هذه البلاد إلى جانب الصين وما جاورها، كانت تسمى العالم القديم وهي المقصود ب”الأرض” كل الأرض في النصوص والتوثيقات السابقة.
وقد وصف القرآن الكريم ذا القرنين بصفة الملك الرحال والرجل الصالح العادل وأثنى عليه، حتى أن الله خيره في أمر قوم من الأقوام إما العذاب وإما الحسنى فاختار التوفيق بين الخيارين؛ من كان له جرم مشهود فالعذاب جزاؤه، ومن استسلم وآمن فله الجزاء الحسن.
قال تعالى في قصة الرجل في سورة الكهف: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} 83 {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}84 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }86 {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً}87 {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً}88 {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً }89 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً}90 {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً }91 {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً }92 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }93 {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً}94 {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً}96 {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً}97 {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} الكهف98
وتمكين الأسباب معناه تهيئتها وإعطاؤه الوسيلة لذلك؛ فالسبب هو الوسيلة كما قال تعالى في آيات أخرى: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ}ص10، وقال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}غافر36، 37؛ أي أن الإنسان قد يعطى من الوسائل ما يمكن حتى الرقي في السماء وقطع المسافات الطوال، ولذلك قال عن ذي القرنين أنه بلغ مشرق الشمس ومغربها.
تسمية ذي القرنين:
إحتار بعض المفسرين والإخباريين كيف أن الرجل بلغ مغرب الشمس ومشرقها، وكم قطع من المسافات المكانية والزمانية؟! ولماذا سمي ذو القرنين؟! وهل كان له قرنان حقيقيان أم ظفيرتان من الشعر التي تسمى عند العرب قرنان؟ وبعضهم فسر القرنين ببلوغه من العمر مائتي عام (قرنين من الزمان) …إلخ؛ لأن غالبية الناس لا صدق أن يكون للإنسان قرنان فلذلك حاول بعض المفسرين التحايل على هذا الأمر.
ومما جاء عند ابن كثير في أمر التسمية، قال وهب بن منبه: كان ملكاً، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل علي -رضي الله عنه- عن ذي القرنين، فقال: كان عبداً ناصح الله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين. وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل، سمع علياً يقول ذلك. ويقال: إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب” (تفسير ابن كثير/ج5/ص189).
ونرجح أن الرجل فعلاً كان يمتلك قرنين حسيين كقرني الحيوانات، ففي زمن إعمال العقل والمنطق والمنهج التجريبي كزماننا لم يكن ليصدق أن الإنسان يمتلك قروناً حتى رأينا ذلك عياناً بياناً في بعض رجال اليمن ومنهم الرجل المعمر في شبوة صالح بن طالب صالح الجنيدي الذي تعمر أكثر من 160 عاماً، ورجل آخر أيضاً من محافظة الجوف واسمه علي عنتر، وتعمر أكثر من 130 عاماً، وتوفي بعد إزالة قرنه، ولا أستبعد أن يكون الرجلان من سلالة ذي القرنين المذكور، كما سنبين لاحقاً.