مثل 30 من نوفمبر محطة تاريخية من محطات اليمن النضالية توج من خلالها نضالاته بإخراج آخر جندي بريطاني من اليمن وباعتراف عالمي بميلاد جمهورية اليمن الديمقراطية في مقدمة تلك الاعترافات اعتراف دولة الاحتلال نفسها بعد نضال طويل وتضحيات جسيمة سجلها التاريخ في أنصع صفحاته حول المناسبة وما تمثله من أهمية بالنسبة لليمن قديماً وحديثاً كان لصحيفة 26سبتمبر هذا اللقاء مع العميد عبدالله على السقلدي مدير دائرة الإمداد والتموين..
تحتفل اليمن بالعيد الـ52 لثورة 30 من نوفمبر، ما الدلالات والمعاني التي نستنتجها من هذه المناسبة؟
مرحلة تاريخية مهمة تأتي احتفاء بـ52 عاماً منذ أن حقق شعبنا اليمني استقلاله الوطني حيث كان قبل ذلك يرزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني الذي ظل جاثما على صدر جنوب الوطن 129 عاما خلال هذه الفترة عانى الشعب اليمني من ويلات ذلك الاستعمار ما لا يحصى ولا يعد ظل خلالها يسطر أنصع صفحات التاريخ المشرق في مقاومة الاحتلال الغاشم بدءا من الانتفاضات الشعبية ومروراً بالعمليات الفدائية فضلا عن تطوير أساليب الكفاح المسلح ضد قوات المستعمر لتشرق بارقة الأمل من قلب العمل الفدائي المسلح ثورة الرابع عشر من اكتوبر 1963م المجيدة التي وضعت البدايات الأولى لإنهاء ذلك المحتل من اليمن وإلى غير رجعة حيث أعطت ثورة 14 أكتوبر قوة دفع حقيقية للعملية السياسية التفاوضية التي تجسدت معالمها البارزة في تحقيق الاستقلال الوطني واستعادة القرار السياسي اليمني من خلال جلاء الاستعمار الأجنبي.
اليوم يحتفل شعبنا اليمني بالذكرى الثانية والخمسين لإنهاء الوجود الانجليزي ويحيي اليمن قيادة وشعبا هذه الذكرى المجيدة وسط تحديات شديدة وظروف بالغة التعقيد يمر بها الوطن بالظرف الراهن وهو يستعيد الذكرى العزيزة على قلوب اليمنيين والغالية على نفوسهم والمتمثلة بانتصار الإرادة الوطنية التي كان أساسها ودافعها وجوهرها ومضمونها نيل الاستقلال الوطني والتحرر من تبعيات الاستعمار الانجليزي بما حملته تلك الذكرى التاريخية المجيدة من قيم الوحدة الوطنية والتضحية والفداء ومعاني العزة والكرامة والتمسك بالمبدأ الوطني الثابت والمتمثل فكراً وسلوكاً بحق تقرير المصير ليمن واحد موحد آمن ومستقر ومزدهر بدون قوى خارجية تعبث بإرادته الوطنية وتصادر استقلاله السياسي.
وما أحوج الشعب والقوى السياسية اليمنية من أحزاب وتنظيمات مختلفة أن تستشعر ذكرى الـ 30 من نوفمبر 1967م وما تجسده في حياة الشعب اليمن من دلالات عظيمة ومعاني وطنية محفورة في ذاكرة التاريخ المعاصر لشعبنا اليمني حيث ينبغي استلهام العظات والعبر والدروس المستفادة من هذه المناسبة العظيمة وتجسيدها واقعا عمليا بعيدا عن التدخلات الخارجية لأن الثلاثين من نوفمبر 1967م كان ضد التدخل الخارجي ممثلا بالاستعمار الانجليزي بكل مكوناته وتحالفاته وعملائه وسلاطينه كما كان الـ30 من نوفمبر مشروعا طموحا لنيل الحرية والاستقلال بعيدا كما أشرنا عن التبعية والارتهان والوصاية الخارجية بكافة أشكالها وأنواعها.
لذلك ينبغي تجسيد تلك المعاني حاضرا بالنظر إلى ما تمر به اليمن من أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية فضلا عما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية حتى لا يكون الـ30 من نوفمبر مجرد محطة عابرة في حياة القوى السياسية اليمنية دونما تجسيد لمعانيه وقيمه الوطنية النبيلة
ولذلك تكمن أهمية 30 نوفمبر 1967م في رفض الإملاءات الخارجية كون ذلك التاريخ أنهى الاحتلال البريطاني ويرفض شكلا ومضمونا وجود المحتل وأي تدخل خارجي يصادر الإرادة الوطنية للشعب اليمني وينتهك حقوقه الطبيعية الحرية والاستقلال طبقا لمبادئ وأهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين وكذلك الـ 30 من نوفمبر الذي يجسد استقلال الوطن وقراره السياسي ووحدته الوطنية من الشروط الموضوعية والذاتية لاستكمال أسس ومقومات بناء الدولة الوطنية.
موقع عدن له أهمية استراتيجية.. ما علاقة ذلك الموقع بالاحتلال؟
دعك من الحديث عن عدن منفردة وتحدث عن موقع اليمن الذي يمثل موقعه الاستراتيجي الهامّ وثرواته الضخمة والمتعددة المصادر ولا تزال محطةً لمطامع كُلّ الدول الاستعمارية، وملعباً لصراع الأقطاب العالمية؛ خصوصا في ظل غياب مشروع الدولة الوطنية المستقلة جعل هذه النعمة تتحوَّلُ إلَـى نقمةٍ تجر الويلات على أبناء شعبها.
فالـيَـمَـن تُعتبَرُ أحَدَ أهمِّ بوابات المنطقة، باعتبارها المتسيّدةَ على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط، وما يضاعفُ أَهَميَّةَ موقعها، إطلالتُها المباشرة على أهم مضيقٍ في العالم وهو مضيق باب المندب الذي يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصلُ قارة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط، ومن خلال التمعُّن في الخارطة، نلاحظُ انتشارَ جُزُرَها في مياهها الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وهذا ما عزز سلطتها على هذا المضيق الحيوي.
إضافةً إلَـى التداخل الوثيق بين مضيق باب المندب ومضيق هُرمُز، باعتبارهما طريقَين للناقلات المحملة بنفط الخليج باتجاه أوروبا، ناهيك عن اعتباره الحزامَ الأمني للجزيرة العربية، وهمزة وصلٍ بين إفريقيا والجزيرة والخليج.
كيف تقرؤون تداعيات الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839؟
حينما احتلت بريطانيا عدن واستولت عليها سنة 1839 لم تركن إلى حصانة عدن ومناعتها وحدها ولا قوة بريطانيا العسكرية فيها ولكنها اخذت تمد نفوذها إلى مناطق شاسعة من اليمن فاستولت على ما أسمته فيما بعد بـ “المحميات التسع” التابعة لمستعمرة عدن باعتبار ما كانت عليه حتى 1880، وبعد هذا التاريخ بسطت حمايتها فيما بعد على كثير من المناطق المجاورة الأخرى بين مشيخة وإمارة وسلطنة عن طريق مشايخها وامرائها الذين ارتبطت معهم بأحلاف ومعاهدات وربطتهم بحكومة عدن، وجعلت من كياناتها شبه مستقلة عن بعضها البعض، وتغيرت تباعاً مسمياتها من مخاليف إلى إمارات وسلطنات، لتكون حصوناً لحماية مستعمرة عدن، وصارت تدعى المحميات الغربية والشرقية وهو ما يثبت كيف عمل الاحتلال على تمزيق النسيج المجتمعي في المناطق التي بسط عليها سيطرته آنذاك وهو ما أسهم بشكل مباشر في تنامي الرفض الشعبي لسلطة المستعمر الغاشمة.
كيف واجه اليمنيون الاحتلال البريطاني بآلياته العسكرية وتقدمه في كل المجالات؟
بالنظر الى الوضع المعاش في اليمن وخضوع اليمن الشمالي للحكم الإمامي والمحافظات الجنوبية توزعت الى سلطنات مرتبطة بالمستعمر البريطاني فقد تأخرت مقاومة الاستعمار بالشكل المنظم نوعا ما حتى حدث العدوان الثلاثي على مصر من قبل اسرائيل وبريطانيا وفرنسا وهو ما استفز الشعب اليمني، فازدادت وتيرة العمل الوطني المنظم ضد التواجد البريطاني، اذ شهدت عدن حوالي 30 إضراباً عمالياً في مارس 1956، وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان محافظة شبوة بالهجوم على المركز الحكومي، وفي خريف عام 1956م في مستعمرة عدن والمحميات الشرقية (السلطنة الكثيرية والقعيطية والمهرية) والغربية، فعمل المستعمرون على زيادة التوغل في المناطق الريفية لاسيما المحاذية لأراضي المملكة المتوكلية في الشمال في محاولة لقطع التواصل بين ثوار المحافظات الشمالية والجنوبية.
وقد شهدت المحميات الغربية في فبراير 1957 أكثر من خمسين حادثة معظمها إطلاق نار على المراكز البريطانية وعلى المسؤولين المحليين في كلٍ من ردفان وحالمين والضالع، وفي أغسطس أو سبتمبر من العام نفسه بدأت انتفاضة قبيلة الشعار في إمارة الضالع، فتضامن معهم أبناء القبائل الأخرى، وعند مرور القوات العسكرية الخارجة من عدن عبر لحج لقمع تلك الانتفاضة وزعت منشورات في لحج، تدعو أفراد جيش الليوي والحرس الحكومي إلى الثورة والهروب من الخدمة العسكرية، وتمّ رمي تلك القوات أثناء مرورها بلحج بالحجارة، كما انتفضت قبائل بيحان ودثينة وقامت القوات البريطانية باعتقال العديد منهم وصادرت الممتلكات.
وفي عام 1958 رفض سلطان لحج علي عبد الكريم الانضمام إلى اتحاد الإمارات للجنوب العربي، فأرسلت بريطانيا في أبريل في العام 1958- 4000 جندي بالأسلحة الثقيلة واحتلت السلطنة، تحت مبرر اكتشاف مخازن للأسلحة والذخائر، وإثر ذلك نزح جزء من قوات سلطان لحج إلى تعز وبلغ عددهم 45 ضابطاً و300 جندي. وفي 22 أبريل 1958 قامت قبائل الشاعري والدكام والحميدي والأحمدي والأزرقي والمحاربة وجحافة وبني سعيد وحالمين وردفان باحتلال مركز السرير في جبل جحاف بقصد السيطرة عليه، أما في يافع السفلى فقد نشب خلاف بين السلطان محمد عيدروس والبريطانيين على أسعار القطن الذي كانت تتحكم به السلطات البريطانية، فعملت بريطانيا على عزل السلطان محمد عيدروس الذي قاوم الإجراءات البريطانية، فاستمرت العمليات القتالية بين السلطان عيدروس وقوات الاحتلال البريطاني من فبراير 1958 إلى أبريل 1961 واستخدمت القيادة العسكرية البريطانية كل وسائل التدمير ضد قوات السلطان بما فيها الطيران الذي دمر تدميراً كاملاً معقل السلطان محمد عيدروس في قلعة (القارة) الحصينة في يافع وإثرها نزح السلطان عيدروس إلى تعز. وفي 19 يوليو 1958 اندلعت انتفاضة قبائل سيسان والمناهيل في حضرموت، كما قامت قبائل الربيزي في العوالق في مارس 1959 بإجبار القوات البريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق، فقامت القوات البريطانية بقصف مناطق تلك القبائل بواسطة الطيران ما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وأحرقت المزارع، وأبيدت المواشي وتشردت الأسر ولجأ الثوار إلى الجبال لمواصلة المقاومة.
خلال الفترة من1956-1958 شهدت الثورة في المحميات الغربية والشرقية اطراداً في الكم والكيف نتيجة للمد الثوري العربي الذي خلفته الثورة العربية في مصرَ منذ قيامها في عام 1952 وتنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر، واستفادت المقاومة الشعبية من الدعم المحدود الذي قدمه الإمام أحمد لها؛ إلا أنّ التراجع الذي أقدم عليه الإمام أحمد بعد أن شعر بخطورة تنامي الوعي الوطني في الشمال والجنوب على حدٍ سواء ضد حكمه والحكم البريطاني، فتوصل إلى حلول مع البريطانيين قام إثرها بقطع كافة أشكال الدعم والمساندة على رجال المقاومة الشعبية، فكان نتاج ذلك زيادة الهجمة العسكرية البريطانية ضد القبائل الثائرة التي لم تجد معظمها -وخاصة القيادات- من وسيلة سوى اللجوء إلى المناطق الشمالية ومع ذلك فإنّ تلك القيادات التي لجأت إلى الشمال، قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 اتخذت من المحافظات الشمالية قاعدة لانطلاقتها النضالية ضد المستعمر، وتكوَّنت في عام 1957 جبهة أسميت (العاصفة العدنية) بقيادة محمد عبده نعمان الحكيمي الأمين العام للجبهة الوطنية المتحدة انطلقت من صنعاء وكانت تذيع برنامجاً إذاعياً من إذاعة صنعاء باسم (صوت الجنوب)، لكن الإمام رفض أي نشاط لهم في صنعاء، فعملت مجموعة من المناضلين على تكوين تجمع جديد لهم في منطقة البيضاء الحدودية برئاسة محمد عبده نعمان الحكيمي ومقبل باعزب وباشتراك عدد من رؤساء القبائل وأسسوا هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل وحصلوا على بعض الأسلحة من مصرَ عام 1960 لكن الإمام لم يسمح بخروج هذه الأسلحة من ميناء الحديدة.
في 24 فبراير 1963 عقد في دار السعادة بصنعاء مؤتمر “القوى الوطنية اليمنية” حضره أكثر من 1000 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من فرع حركة القوميين العرب. وقد توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة. وجرى في المؤتمر استحداث مكتب تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله، وذلك على هيئة نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة، وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي، حيث استقر الرأي على تسمية هذه الجبهة باسم “جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل” أخذت في أغسطس من نفس العام تسميتها النهائية “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل” على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوبا وحيدا وفعالا لطرد المستعمر. وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية من الشخصيات والقيادات المشاركة فيه كان على رأسها قحطان محمد الشعبي، وبعد اجتماعات عدة عقدتها اللجنة التحضيرية.
أقرت في 8 مارس 1963م نص الميثاق القومي الذي كان يتألف من مذكرة والميثاق نفسه، وبرز في صدر الميثاق شعار الجبهة “من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية”. ونشرت في مايو 1963 الوثيقة الموضحة للخط السياسي لهذا التنظيم.
وفي 19 أغسطس 1963 تم إعلان تأسيس “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل”. وتم تشكيل قيادة الجبهة من 12 شخصاً. وقد تكونت الجبهة من خلال اندماج سبعة تنظيمات سرية أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، وهي: حركة القوميين العرب، الجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، الجبهة الوطنية، التشكيل السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية (تشكيل القبائل)، ثم التحقت ثلاثة تنظيمات أخرى بالجبهة القومية، وهي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، منظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.
وفي أغسطس 1963 استقبل أبناء ردفان الثوار العائدين من شمال الوطن بقيادة غالب بن راجح لبوزة، بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الوليدة.
انطلقت الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر في اليمن الجنوبي في 1963 ضد الاستعمار البريطاني، وذلك من جبال ردفان، بقيادة راجح لبوزة، وشنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة “الأرض المحروقة”، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللاإنسانية.
نفذ خليفة عبد الله حسن خليفة في 10 ديسمبر 1963 عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، وأسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى اتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لها في عدن. وكانت هذه العملية الفدائية التي أعاقت هذا المؤتمر هي البداية التي نقلت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة.
بدأت في 7 فبراير 1964 أول معركة للثوار اليمنيين استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان (لحج)، وفي 3 أبريل 1964 شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية، لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنها فدائيو الجبهة القومية من أراضيها. وفي 28 أبريل 1964 شن مجموعة من فدائيي حرب التحرير هجوماً على القاعدة البريطانية في الحبيلين (ردفان) ، وقامت طائرات بريطانية في 14 مايو 1964 بغارات ضد الثوار في قرى وسهول ردفان، أدت إلى تدمير المنازل في المنطقة، كما أسقطت منشورات تحذيرية للثوار الذين أسمتهم بـ”الذئاب الحمر”، وفي 22 مايو 1964 أصاب ثوار الجبهة القومية في ردفان طائرتين بريطانيتين من نوع “هنتر” النفاثة.
انطلق الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه في إمارة الضالع بتاريخ 24 يوليو 1964 بقيادة علي احمد ناصر عنتر، عقب عودة عدد من الشباب من تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينضموا إلى صفوف الرجال العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني. وقد تلقى الثوار كل الدعم من إخوانهم في الشمال، فعاد قادتهم من تعز ومعهم السلاح والذخائر والقنابل اليدوية.
اشتدت العمليات الفدائية على قوات الاستعمار وأصدرت قانون الطوارئ في 19 يونيو 1965 وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بإبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.
عقدت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل مؤتمرها الأول في تعز بتاريخ 22 يونيو 1965، وأعلنت فيه موقفها الثابت لمواصلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى جلائه عن أرض الوطن. واعتبرت نفسها الممثل الوحيد لأبناء الجنوب اليمني المحتل. وأقرت في هذا المؤتمر لائحتها الداخلية والميثاق الوطني.
في 30 يوليو 1965 هاجمت فرقة ثورية بقيادة علي احمد ناصر عنتر سرية بريطانية كانت قد تمركزت في نفس اليوم حول دار أمير الضالع، كل ذلك وتلك التضحيات اجبرت وزارة الخارجية البريطانية في 22 فبراير 1966م إصدار “الكتاب الأبيض الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968. شكلت الجبهة القومية في 5 أبريل 1966، لجنة لجمع التبرعات من المناطق الشمالية، استهلت اللجنة عملها من لواء إب حيث بادر المسؤولون والمشايخ والمواطنون بالتبرع بالمال والحبوب بأنواعها وأسهموا بنقلها إلى قعطبة.
في 22 أبريل 1966م أسقط ثوار جيش التحرير طائرة بريطانية أثناء قيامها بعملية استطلاعية لمواقع الثوار في الضالع والشعيب، فأرسلت السلطات الاستعمارية للغاية نفسها طائرة أخرى، فكان مصيرها كسابقتها، ما جعل القوة الاستعمارية وأعوانها تشدد من قصفها للقرى وتنكل بالمواطنين فيها. في 28 يوليو 1966م نفذ فدائيون في حضرموت عملية قتل الكولونيل البريطاني جراي، قائد جيش البادية. وكان هذا الضابط هو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبو عماشة عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.
أعلنت الحكومة البريطانية في أغسطس 1966 اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965 الذي أكدت فيه حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره.
في 31 ديسمبر 1966م قام ثوار جيش التحرير بهجوم مباغت على القاعدة البريطانية في الضالع، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية آخرين، وتدمير ثلاث سيارات “لاند روفر” وإحراق عدد من الخيام بما فيها من مؤن ومعدات. في غضون ذلك وحد ثوار الضالع وردفان والشعيب هجماتهم على القوات الاستعمارية وأعوانها من خلال تشكيل فرقة قتالية مشتركة أسموها “الفرقة المتجولة” بقيادة علي شايع هادي.
في 5 أكتوبر 1966 قدم ثوار الشمال الدعم الشعبي والعسكري الكبير لإخوانهم في الجنوب، وذلك بدأً من الضالع وحتى وصولهم إلى عدن، مما أدى إلى الضرر الأكبر في صفوف القوات البريطانية، والهزيمة الساحقة في نفوس قوات الاحتلال البريطاني.
في 15 فبراير 1967 خرجت جماهير غفيرة في عدن في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.
أصدرت الجامعة العربية في 8 مارس 1967م قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن. وفي 2 أبريل 1967م حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.
في 3 أبريل 1967م نفذ فدائيو حرب التحرير عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.
تمكن الفدائيون في 20 يونيو 1967 من السيطرة على مدينة كريتر لمدة أسبوعين.
وفي 21 يونيو 1967 سيطر ثوار الجبهة القومية في إمارة الضالع على عاصمتها ومعهم آلاف المواطنين الذين دخلوها في مسيرة حافلة يتقدمهم علي أحمد ناصر عنتر. وتبع ذلك سيطرة الجبهة القومية على مشيخة المفلحي في 12 أغسطس 1967 بعد أن زحفت عليها بمظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء القرى والمناطق المحيطة بالمشيخة، وتوالى بعد ذلك سقوط السلطنات والمشيخات بيد الجبهة.
وفي 5 نوفمبر 1967 أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في جنوب الوطن المحتل وقوفها إلى جانب الثورة ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها.
أعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) في 14 نوفمبر 1967 أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967 وليس في 9 يناير 1968م، كما كان مخططاً له سابقاً.
بدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية في 21 نوفمبر 1967 من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن. وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد شاكلتون.
وبدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن في 26 نوفمبر 1967، وغادر الحاكم البريطاني هامفري تريفليان.
وفي 30 نوفمبر 1967 تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً.
في 30 من نوفمبر 1967م أعلن رئيس وزراء بريطانيا رحيل آخر جندي، ما هي دلالاته؟
دلالاته إن أرادت الأمم لا تقهر أن الشعوب وحدها هي من تقرر مصيرها وان الشعب اليمني يصعب ابتلاعه وإن حالت الظروف بينه وبين تحقيق اهدافه التحررية والوطنية.
هل ماتزال مشاريع الاستعمار القديم تحاول التجدد في اليمن بأدوات محلية وإقليمية؟
دعنا نكون أكثر تفاؤلا ولنترك للأحداث الحكم النهائي خصوصا بعد توقيع اتفاقية الرياض التي نعلق عليها آمالا كبيرة لإيماننا المطلق بأن قيادة المملكة العربية السعودية تدرك مخاطر وجود المشاريع الصغيرة على اليمن وعلى دول الجوار، وبطبيعة الحال اليمن تمثل الحديقة الخلفية للملكة وحتما اشتعال النيران في اليمن ستنتقل الى المملكة وهذا ما اثبتته الاحداث التاريخية في كل قارات العالم.
كلمة أخيرة تودون قولها؟
احيي القيادة السياسية والعسكرية في البلاد ممثلة في فخامة رئيس الجمهورية المناضل المشير الركن/ عبدربه منصور هادي ونائبه المناضل الفريق الركن/ على محسن صالح الذي قدر لهما مهمة قيادة سفينة الوطن في منعطف تاريخي حاسم تمر به المنطقة العربية هذا المنعطف مثل نتاج تراكمات وعواصف وازمات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنموية طويلة الأمد اليمن لم تكن استثناء عن واقعها العربي وبالذات الأنظمة الجمهورية التي فشلت في توفير متطلبات الشعوب واحتياجاتها المتنامية من التنمية كما حققته الدول العربية الاخرى التي أثبتت انها عصية على الاهتزاز اضف الى ذلك تماهي المشروع العائلي الخارج لتو من السلطة مع المشروع السلالي الذي قدم مشاريعه القديمة بأغلفة ثورية جديدة الامر الذي وضع البلد على هاوية الانفجار والسقوط المريع في مستنقع ملالي فارس ومع ذلك ها هي سفينة اليمن تمخر وسط الامواج المتلاطمة متعددة الاهواء والمشارب والحسابات وبإذن الله سنصل الى بر الامان بفضل الله ثم بفضل تضحيات أبطال الجمهورية وجهود المخلصين في قيادة البلاد وكذلك بفضل دعم قيادة الشقيقة الكبرى بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ستحقق أهداف اليمن وينتصر اليمن الاتحادي، فالليل يعقبه الفجر.