الحديث عن بداية المستعمر البريطاني لجنوب الوطن الغالي سهل معرفته، وقد تكرر ذكره مراراً.
إنما من الصعب تحديد البداية الحقيقية للثورة الشعبية عليه؛ فقد تعددت الإرهاصات المبكرة لمواجهة المستعمر بتعدد الشخوص والكيانات والمناطق والجبـهات، وتنوعت المقاومة بكل الأشكال عسكرية وفدائية ومجتمعية، عمالية ونقابية، قبلية ونخبوية وتجارية، وما نريد عرضه هنا والوقوف أمامه هو تلك الضربات الموجعة والمؤلمة التي قضت مضاجع المستعمرين، وكسرت شوكتهم، وأرغمتهم على الرحيل.
وبعد أن تشعبت المواجهات مع قوات المستعمر البريطاني في المناطق الريفية، وامتدت إلى 12 جبهة، أعلنت فصائل الكفاح المسلح عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها، حيث أصبح للعمليات الفدائية التفجيرية، وطلقات الرصاص.
وبسالة المقاومة صدى إعلامياً عالمياً يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه عن أعين المجتمع الدولي الذي كان يراقب عن كثب، ويرسل الوفود والوسطاء لتقييم الوضع، واحتواء القتال بعد أن ظل الإنجليز يصرون على المكابرة، وقلب الحقائق في المحافل الدولية.
ضربات موجعة
بعد أن انتقلت المواجهات إلى مدينة عدن، وأصبحت الفرق الفدائية موحدة القيادة، مرسومة الخطط، تتحرك بسرعة، وجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب اليمني شماله وجنوبه. واتخذت مدينة تعز قاعدة إمداد ودعم لوجستي، ومركز تدريب لأفراد فصائل الكفاح المسلح الذي أخذ أشكالا عدة، كما أن الدعم العربي وفي المقدمة دعم مصر- عبد الناصر- لثورة الشعب اليمني ضد المستعمر البريطاني، بالإضافة إلى دعم دبلوماسي ومادي قدمته معظم الدول العربية، لفصائل الكفاح المسلح ما عزز موقف نضالات اليمنيين لنيل الاستقلال وطرد الاحتلال. وهذا أجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً وهو: إلى متى البقاء في وجه الطوفان الشعبي؟!
في 22 أبريل 1966 أسقط ثوار جيش التحرير طائرة بريطانية أثناء قيامها بعملية استطلاعية لمواقع الثوار في الضالع والشعيب، فأرسلت السلطات الاستعمارية للغاية نفسها طائرة أخرى، فكان مصيرها كسابقتها، ما جعل القوة الاستعمارية وأعوانها تشدد من قصفها للقرى، وتنكل بالمواطنين فيها.
وفي 28 يوليو 1966 نفذ فدائيون في حضرموت عملية قتل الكولونيل البريطاني جراي، قائد جيش البادية، وهو الضابط الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبو عماشة، عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.
في 31 ديسمبر 1966 قام ثوار جيش التحرير بهجوم مباغت على القاعدة البريطانية في الضالع، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية آخرين، وتدمير ثلاث سيارات «لاند روفر»، وإحراق عدد من الخيام بما فيها من مؤن ومعدات.
في غضون ذلك وحد ثوار الضالع وردفان والشعيب هجماتهم على القوات الاستعمارية وأعوانها من خلال تشكيل فرقة قتالية مشتركة أسموها «الفرقة المتجولة» بقيادة علي شايع هادي.
١٩٦٧م.. عام الاستبسال والفداء
يعتبر الثوار وكثير من الباحثين أن عام 1967 هو عام الفداء؛ حيث قويت شوكة المقاومة اليمنية، واشتدت سواعدها النضالية لتبطش بالاستعمار البريطاني، واستولت على كافة المناطق اليمنية، وألحقت ذلك بخوض معارك عنيفة مع جنود سلطات الاستعمار، والتي ذاقت شر الهزيمة.
حيث قدم اليمنيون أعظم التضحيات في سبيل الخلاص من جحيم المستعمر البريطاني بمشاركة مختلف الأطياف والتوجهات والتكوينات من الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.
تكللت في العام 1967 بإعلان استقلال جنوب اليمن، وتحرره بخروج آخر جندي بريطاني من مستعمرة عدن، وكان 30 من نوفمبر هو يوم الحرية وعيد الاستقلال، لتعم الفرحة كل قرى ومدن اليمن شمالاً وجنوباً، وتثمر دماء الشهداء والفدائيين نصراً وعزاً وحرية وكرامة.
غرق بريطانيا في مستنقع الجنوب
أطل عام 1967 مترافقاً مع مجموعة من العوامل التي كانت تشير بما لا يقبل اللبس، أن بريطانيا تغرق أكثر فأكثر في مستنقع الجنوب الثائر، ومن هذه العوامل:
سحب سلطات الاحتلال في عدن مهام الأمن الداخلي من البوليس المدني، وتسليم مهمة إدارته للقوات البريطانية، وقد كان دافعهم لذلك شكوكهم المتزايدة في ولاء بوليس المستعمرة لهم، خاصة بعد القبض على أحد مفتشي البوليس بتهمة الانضمام للثورة.
إخفاق سلسلة الإجراءات التي اتخذتها السلطة الاستعمارية في عدن لإيقاف أو حتى عرقلة مسيرة الثورة المظفرة، مثلاً: توحيد أجهزة المخابرات القائمة، ورفع عدد كتائب لواء عدن (ايدن بريجيت) من ثلاث إلى خمس كتائب، ثم أضيف إليها لواء (24)، تقسيم عدن إلى أربعة محاور أمنية هي: المنطقة الغربية (التواهي والقلوعة)، والمنطقة الوسطى (المعلا)، والمنطقة الشرقية (كريتر وخورمكسر)، والمنطقة الشمالية (الشيخ عثمان والمنصورة)، وتم توزيع القوات على أساس تلك المحاور.. وغيرها من الإجراءات التي لم تحقق أهدافها.
نجاح الثورة في تصفية عدد من قيادات أجهزة المخابرات- محليين وبريطانيين- كاد أن يقضي على فاعلية قسم المخابرات في عدن، ولم تفد عملية دمج أجهزة المخابرات في تحقيق النتائج المرجوة.
التطور الواضح والخبرات العسكرية التي اكتسبها الثوار.. إذ زاد نشاطهم كماً وكيفاً، وتحسن إعداداً وتخطيطاً، وتنوعت الأسلحة المستخدمة في العمليات الفدائية، وأصبح الفدائيون أكثر جرأة في الاقتراب وخوض المواجهات والمعارك المباشرة مع قوات الاحتلال والالتحام معها أثناء الاشتباكات.
الالتفاف الوطني والشعبي الكبيران حول الثورة والدعم الشعبي الحاسم الذي حظيت به.
قوة وصلابة البناء التنظيمي لفصائل الكفاح المسلح الذي يقوم على أساس نظام الخلايا السرية، وحسن الاختيار للأعضاء، والإعداد الصارم لهم للنهوض بمهمات العمل السري.
ومن العوامل المباشرة في زيادة وتيرة الكفاح المسلح حيث أصدرت الخارجية البريطانية «ورقة الدفاع البيضاء» الصادرة في 22 فبراير 1966 الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع عام 1968. وفي أغسطس 1966 أعلنت الحكومة البريطانية اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965 التي أكدت فيه حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره.
٤٨٠ عملية فدائية خلال عام
لقد مهدت كل هذه المتغيرات والأحداث لاندفاعة أقوى للثورة المسلحة عام 1967، حيث انقضى عام 1966 وقد شهدت عدن لوحدها (480) عملية فدائية ضد أهداف ومصالح بريطانية (حسب التقارير للسلطات البريطانية).
وكانت الدعوة التي وجهتها فصائل الكفاح المسلح- الجبهة القومية- للإضراب العام في 19 يناير 1967، في ذكرى احتلال عدن استعراض واضح للقوة التي صارت عليها الثوار وشعبيتهم وقدرتهم الجماهيرية والعسكرية.
وبفعل النجاح الساحق للإضراب العام، ولقوة العمليات الفدائية، وأدت إلى إصابة (14) عسكرياً في صفوف القوات البريطانية، فيما استشهد فدائيان، اتخذ قرار استمرار الإضراب في اليوم التالي كذلك.
واستخدم تكتيك الإضراب العام مرة أخرى في 11 فبراير 1967، رفضا لمشروع سلطات الاحتلال في ذكرى قيام الاتحاد الفيدرالي، حيث تهيأت سلطات الاحتلال للموقف بسحب صلاحيات حفظ الأمن نهائياً من البوليس المدني والبوليس المسلح إلى قوات الأمن البريطانية.
وعلى الرغم من الإجراءات المشددة وقرار المندوب السامي بفرض منع التجول، فقد شهدت عدن اشتباكات ضارية ومتعددة في مختلف المناطق وفي الشيخ عثمان بالذات، حيث بلغ عدد الهجمات ضد قوات الاحتلال خلال الفترة 11 – 13 فبراير (66) هجوماً، لذلك اعتبر يوم 11 فبراير يوماً للشهداء؛ وهو استشهاد عبود مهيوب الشرعبي، عقب اشتباكات مباشرة بين مجموعة من الفدائيين بقيادة (عبود) والقوات البريطانية التي اعترضت مظاهرة نسائية حاشدة قادتها القيادية المناضلة نجوى مكاوي، التي اختطفتها القوات البريطانية من المظاهرات واقتادتها إلى داخل إحدى المدرعات بهدف اعتقالها، إلا أن عبود الشرعبي هاجم قوات الاحتلال وقتل عددا من أفرادها وانتزاع نجوى مكاوي من داخل المدرعة.. فصار المطلوب رقم (1) لسلطات الاحتلال، حيا أو ميتا، التي سارعت إلى تعزيز وحداتها في الشيخ عثمان لتدور اشتباكات عنيفة بين عبود ومجموعته الفدائية وقوات الاحتلال، شاركت فيها المروحيات البريطانية أدت إلى استشهاد عبود، وتكريما لبطولاته اطلق على يوم 11 فبراير يوم الشهيد يتم إحياؤه سنويا في جنوب الوطن.
تواصلت العمليات الفدائية والنشاطات النقابية والجماهيرية ضد الاستعمار وعملائه خلال ما تبقى من شهري فبراير ومارس 1967. وشهد شهر أبريل موجة جديدة من المواجهات الضارية التي ترافقت مع زيارة بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في جنوب اليمن، والتي بدأت زيارتها في 3 أبريل 1967، حيث سبقتها حركة إضراب شامل لمدة سبعة أيام توقفت خلالها الأعمال والأنشطة التجارية والمواصلات، ولم تتوقف المظاهرات والاشتباكات.
ووصلت العمليات الفدائية في أول أيام وجود البعثة الأممية في عدن وحدها (71) عملية، فقدت خلالها القوات البريطانية (15) فرداً من قواتها بين قتيل وجريح، فيما استشهد الفدائي البطل الذي دمر المصفحة- عبدالنبي مدرم. وغادرت لجنة الأمم المتحدة في السابع من أبريل وهي على قناعة تامة بالموقف الشعبي الكاسح المؤيد للاستقلال. وقد بلغت عمليات تلك الأيام الخمسة (280) عملية.
دعم شمالي لثوار الجنوب
في يوليو 1964 عاد إلى الضالع وردفان مجموعة من الشباب من مدينة تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينضموا إلى صفوف المقاتلين العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني.. وقد تلقى الثوار كل الدعم من إخوانهم في الشمال، فعاد قادتهم من تعز ومعهم السلاح والذخائر والقنابل اليدوية.
شكلت الجبهة القومية في 5 أبريل 1966، لجنة لجمع التبرعات من المناطق الشمالية، استهلت اللجنة عملها من لواء إب.. اذ بادر المسؤولون والمشايخ والمواطنون بالتبرع بالمال والحبوب بأنواعها وأسهموا بنقلها إلى قعطبة.
وفي 5 أكتوبر 1966 قدم ثوار الشمال الدعم الشعبي والعسكري الكبير لإخوانهم في الجنوب، وذلك بدءاً من الضالع وحتى وصولهم إلى عدن، مما أدى إلى إرباك وأضرار كبيرة في صفوف قوات الاحتلال، والهزيمة الساحقة في نفوس قواته.
انقسام الجيش والأمن
تم في الفترة نفسها تعيين مندوب سامي جديد، حيث تم استبدال السير (ريتشارد ترينبول) بآخر هو السير (همفري تريفليان) الذي حددت له مهمة ترتيب انسحاب بريطانيا من دون كارثة، فقد كانت سلطة السلاطين في ولاياتهم تزداد تدهوراً، وأصبح الاتحاد بلا قوة فعلية، وانقسم الجيش والأمن بين ولاءاتها القبلية وولاء قطاع كبير منهما للثورة بعد ثبوت انغماس عدد متزايد من جنود وضباط الجيش والبوليس في العمليات الفدائية ضد القوات البريطانية، وتهريب الأسلحة للفدائيين.
لذلك كان من الضروري إعادة ترتيب أوضاع الجيش الاتحادي كي يصبح قادراً على تسلم زمام الأمور (حسب التصور البريطاني) بعد الانسحاب البريطاني المقرر عام 1968. فصدر قرار السلطات البريطانية في الأول من يونيو 1967 بإنشاء جيش الجنوب العربي من خلال توحيد خمس كتائب من جيش الاتحاد النظامي، وأربع كتائب من الحرس الاتحادي، والتي وضعت تحت إشراف العميد داي (بريطاني). وتم تعيين العميد ناصر بريك العولقي قائداً للجيش، بينما توزعت المناصب الرئيسية الأخرى بصورة لم تقنع ضباط الجيش الجديد، فكان ذلك بمثابة إضافة جديدة للتوتر الحاصل في الجنوب بأسره بصورة عامة، وفي صفوف الجيش بصورة أخص.
رد الاعتبار للعروبة وللقومية العروبية
وبدلاً من أن تسبب هزيمة الجيوش العربية في نكسة 5 يونيو 1967، حالة من الانكسار والتراخي وفقدان الثقة بالنفس في صفوف المجاهدين العرب والجماهير العربية، إلا أن المرارة التي شعرت بها وعاشتها الجماهير كانت دافعاً للصمود والتحدي. ولم يكن شعب الجنوب استثناء في ذلك، فقد كان الإحساس الشعبي بأن بريطانيا حليفاً لإسرائيل، وما أبداه جنود الاحتلال من شماتة لهزيمة العرب وزعامة جمال عبدالناصر وزهوهم بالانتصار الاسرائيلي، دافعاً للفدائيين لتشديد الضربات لرد الاعتبار للعروبة المجروحة وللقومية العربية.
توقيف الضباط الأربعة
في هذا الجو المشحون بالتوتر كان من الطبيعي أن يؤدي أبسط احتكاك إلى إشعال حرائق، وكانت بداية الأحداث عندما قامت الحكومة الاتحادية بإيقاف أربعة ضباط من الذين وقعوا مذكرة المطالب التي رفعت إلى المجلس الأعلى لحكومة الاتحاد وإلى المندوب السامي في 14/6/1967.
وكان أبرز الموقوفين كلا من العقيد حيدر بن صالح الهبيلي، والعقيد حسين عثمان عشال. وكان ذلك الموقف يعبر عن جهل وعدم إدراك لحجم الاستياء والنقمة لدى أفراد الجيش و«الشرطة العرب».
وعند تسرب قرار التوقيف قررت قيادة الجيش والأمن وبالتنسيق مع قيادات فصائل الكفاح المسلح وعلى رأسها الجبهة القومية التي كان لها تأثير كبير في أوساط ضباط الجيش والأمن، قبول التحدي واستباق القرار عبر القيام بحركة تمرد بداية الدوام الأسبوعي، أي: يوم السبت 20 يونيو 1967، تصاعد التوتر إلى خوض الثوار معارك ومواجهات مباشرة مع القوات البريطانية، بدأت يوم الجمعة في الـ 19 من يونيو، واستمرت 10 أيام سيطر خلالها الثوار على مدينة كريتر، ما اضطرت سلطات الاحتلال إلى استدعاء تعزيزات من قوات التاج الملكي (النخبة) لاستعادة السيطرة على المدينة.
ودفعت معركة كريتر البطولية بوزير الخارجية البريطانية إلى الإعلان عن سياسة حكومته القاضية بتحديد تاريخ الاستقلال، وكذلك توفير دعم جوي من حاملات الطائرات البريطانية الراسية قرب شواطئ المنطقة للحكومة الاتحادية بعد الاستقلال.
وبدلاً من أن تكون تلك رسالة تطمين تسهم في تهدئة الأوضاع المتوترة، أسهمت من حيث لا يرغب مرسلوها، في تفاقم وتعقيد الموقف، وزادت من إصرار الجبهة القومية وعناصرها في الجيش والأمن بضرورة أخذ زمام المبادرة، والسير في مشوار التحدي والمجابهة إلى نهايته من خلال تصعيد الخلاف حول الضباط الموقوفين خاصة بعد أن أصبح من المؤكد سعي قوات الاحتلال إلى تصفية خلايا فصائل الكفاح المسلح المتغلغلة في صفوف الجيش والأمن.
أبرز أحداث عام ١٩٦٧
وفي 11 فبراير تلغيم وتفجير ميدان الاتحاد، وذلك لأنه كان مقرراً أن يقام فيه الاحتفال بعيد الاتحاد الفيدرالي الثامن، والذي تأسس في 11 فبراير 1959، وحضر كل السلاطين ووزراء حكومة الاتحاد الفيدرالي والقادة والمسؤولون البريطانيون، وعند حضور المندوب السامي البريطاني، وقائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط بطائرة مروحية تم اكتشاف أن ميدان الاحتفال مزروع بالألغام، فلم تهبط الطائرة وقفلت عائدة من حيث أتت إلى حي التواهي وانفض الاحتفال.
وفي 15 فبراير خرجت جماهير غفيرة في عدن في مظاهرات حاشدة ضد الاستعمار البريطاني، وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.
وفي 8 مارس أصدرت الجامعة العربية قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن.
وفي 2 أبريل حدث إضراب عام شمل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية، وجبهة التحرير في وقت واحد، وخروج مظاهرات عارمة ضد الإنجليز، وحاولت القوات البريطانية تفريقها بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع عليها من طائرات الهيلوكبتر، فكانت الجموع تتفرق عند إلقاء قنابل الغاز، إلا أنها سرعان ما تعود للتجمع بعد انتهاء مفعول الغاز. وفي الشيخ عثمان حاصرت الجموع الثائرة مركز البوليس، ولم تفك الحصار إلا نجدة من القوات البريطانية المعززة بالمدرعات. وقد تمكن أحد الفدائيين من تدمير إحدى مصفحات صلاح الدين حيث استشهد أثناء العملية.
وفي 3 أبريل نفذ فدائيو حرب التحرير عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.
وفي 4 أبريل تجنبت القوات البريطانية النزول الى الشوارع وتسيير الدوريات، إلا أن مواقعهم ظلت عرضة لإطلاق النار من قبل الفدائيين.
وفي 5 أبريل حاصر الثوار بعثة الأمم المتحدة نفسها عند زيارتها للمعتقلين في سجن المنصورة من خلال مهاجمة القوات البريطانية المحيطة بالسجن والمتمركزة داخله بمختلف أنواع الأسلحة، ولم تستطع السلطات البريطانية إخراجها منه إلا تحت جنح الظلام وبواسطة طائرة هيلوكبتر.
وفي 6 أبريل وهو اليوم الأشد على القوات البريطانية، حيث تعرضت لأربعين هجوم في منطقة الشيخ عثمان وحدها، وكانت المعارك فيها تأخذ طابع المواجهة مع القوات البريطانية وجهاً لوجه.
وابتداء من شهر مايو 1967 بدأت القوات البريطانية في إجلاء المدنيين والأسر البريطانية، كما بدأت عبر ميناء عدن ترحيل أجزاء من مكونات القاعدة البريطانية ومستودعاتها تمهيداً للانسحاب الكامل والمقرر في عام 1968.
وفي 20 يونيو تمكن الفدائيون من السيطرة على مدينة كريتر لمدة أسبوعين، كما كانت معسكرات الأمن والجيش التالية ساحة اندلاع الانتفاضة الباسلة: معسكر صلاح الدين (في البريقة)، معسكر ليك (الشهيد عبدالقوي)، ومدينة الاتحاد (مدينة الشعب)، ومعسكر شامبيون (النصر)، ومعسكر البوليس المسلح (20 يونيو)، وإن كان المعسكر الأخير هو الساحة الرئيسية لهذه الانتفاضة، ودخلت القطاعات الجماهيرية والشعبية إلى الواجهة، وتولت المناضلة نجوى مكاوي، وعناصر القطاع الجماهيري مهمة دعم المقاتلين وتموينهم بالمياه والأغذية بعد قطع المياه عن المدينة ونقل الأسر المتواجدة قرب مواقع الاشتباكات إلى أماكن آمنة، وهي الإجراءات التي مكنت الثوار من السيطرة على مدينة كريتر لمدة 18 يوماً رغم الحصار البريطاني.
وفي 21 يونيو سيطر ثوار الجبهة القومية في إمارة الضالع على عاصمتها ومعهم آلاف المواطنين الذين دخلوها في مسيرة حافلة يتقدمهم علي أحمد ناصر عنتر.
وفي 12 أغسطس سيطرت الجبهة القومية على مشيخة المفلحي بعد أن زحفت عليها بمظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء القرى والمناطق المحيطة بالمشيخة، وتوالى بعد ذلك سقوط السلطنات والمشيخات بيد الجبهة.
في 28 سبتمبر تأسست إذاعة المكلا التي انطلقت باسم «صوت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل».
وفي 5 نوفمبر أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في جنوب الوطن المحتل وقوفها إلى جانب الثورة، ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها.
في 14 نوفمبر أعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967، وليس في 9 يناير 1968، كما كان مخططاً له سابقاً.
في 21 نوفمبر بدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية من أجل نيل الاستقلال، وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن. وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة (قحطان محمد الشعبي)، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد (شاكلتون).
في 26 نوفمبر بدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن، وغادر الحاكم البريطاني (هامفري تريفليان).
في 26 نوفمبر تم توقيع اتفاقية بين الطرفين حددت فيها 30 نوفمبر 1967 موعداً لخروج بريطانيا من عدن.
في 30 نوفمبر تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام «جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية»، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إبان حرب التحرير تتولى مسؤولية الحكم.
وفي اليوم ذاته 30 نوفمبر صدر في عدن قرار القيادة العامة للجبهة القومية، بتعيين قحطان محمد الشعبي، أمين عام الجبهة، رئيساً لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لمدة سنتين، والذي ترأس أول حكومة للجمهورية، تم تشكيلها آنذاك.