دعا الدكتور بيتر هويسي، رئيس شركة الاستشارات الدفاعية “التحليلات الجيواستراتيجية”، إلى بقاء العالم صلباً في تعامله مع إيران. منذ سنة 1979، كان النظام الإيراني في حرب مع الولايات المتحدة وحلفائها وكشف عن نفسه بأنه دولة توسعية ورائدة في رعاية الإرهاب، وهي “تتعطش لدماء أعدائها”.
وكتب هويسي في “معهد غايتستون” الأمريكي أنه تم الزعم خطأ من قبل مناصري الاتفاق النووي في الغرب أن هذا الاتفاق سيمنع نظام آيات الله من حيازة أسلحة نووية، على الرغم من أنّ أبرز معالمه كان بند الغروب الذي يمكّنهم من الحصول عليها بمقدار ما شاؤوا في غضون سنوات قصيرة.
خرقت الاتفاق منذ فترة
علاوة على ذلك، رفضت الحكومة الإيرانية السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآت مشتبه بوجود نشاطات نووية داخلية فيها لأغراض عسكرية. ولم يظهر دليل ملموس على ذلك إلا بعدما حصل الموساد على مجموعة من الوثائق في مستودع بطهران أواسط سنة 2018. أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اتخاذ قراره الأخير بالانسحاب من الاتفاق النووي بناء على ذلك الدليل بشكل جزئي، قبل أن يفرض عقوبات على إيران.
انتقد حلفاء أمريكا الأوروبيون، كفرنسا وألمانيا، خطوة إدارة ترامب وسعوا إلى الالتفاف حول هذه العقوبات عبر تأمين مليارات الدولارات كديون لإيران عبر نظام تجاري يُعرف بإنستكس. واستمر حتى بعض المراقبين السياسيين المحترفين في واشنطن بالإشارة إلى أنّ الاتفاق كان يعمل بشكل جيد وأنّ الحكومة الإيرانية كانت على مشارف تليين سلوكها الإرهابي
انتقادات.. ثم تحول
أتى الرد الإيراني على سياسة البيت الأبيض والاسترضاء الأوروبي عبر هجمات على الطائرات الأمريكية المسيرة وناقلات النفط الأجنبية وتتوج بهجوم بواسطة صواريخ ومسيّرات على منشأتي لإنتاج وتكرير النفط في السعودية مما أدى إلى انخفاض بنسبة 5% من إنتاج النفط العالمي وارتفاع بنسبة 15% في أسعار النفط. تسبب الاعتداء الإيراني بجولة من التعليقات المنتقدة للإدارة الأمريكية والعديد من الدعوات كي تنخرط واشنطن في الديبلوماسية مع طهران والعودة إلى الاتفاق النووي.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مثلاً إنه بعودة واشنطن إلى الاتفاق وإسقاط العقوبات، يمكن الإدارة الأمريكية أن تضمن نهاية الهجمات الإيرانية على البنى التحتية النفطية التي تغذي الاقتصاد الصناعي العالمي. لكنّ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قال إنّ أمراً إيجابياً جيداً كانت تحققه سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه إيران
أربع إيجابيات
عزز تدخل أمريكا السريع إنتاج النفط والغاز اليومي في الولايات المتحدة من 5 ملايين برميل يومياً إلى ما بين 12 و 17.87 مليون برميل مما جعلها أكبر منتج للنفط في العالم. لهذا السبب، لم يؤد انخفاض إنتاج النفط السعودي بسبب الاعتداء الإيراني إلى انتشار الهلع في أسواق الطاقة العالمية واستقرت الأسعار عند ارتفاع بسيط نسبياً.
من جهة ثانية، توصل الاتحاد الأوروبي وقادته الأساسيون، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى خلاصة، وللمرة الأولى، مفادها أن الاتفاق كان معيوباً بشكل مرعب وبأنه ميت الآن. جاء ذلك حتى لو استخدمت تلك القوى خطاباً ديبلوماسياً.
ثالثاً، بسبب الأدلة الجنائية التي جمعتها السعودية، لم يعد بإمكان الأوروبيين تجاهل أو تغطية الإرهاب المدعوم من إيران. رابعاً، خفتت فجأة حملة الانتقادات ضد سياسة الضغط الأقصى الأمريكية بما أنّ الاستراتيجية الهادفة إلى تغيير موقف أوروبا وحلفاء آخرين تجاه الاتفاق وإلى إخضاع إيران اقتصادياً يبدو أنها تعمل.
لقد رأت إيران اقتصادها ينهار ومعدلي البطالة والتضخم يرتفعان وصادراتها النفطية تتراجع عن 200 ألف برميل يومياً بعدما وصلت إلى مليوني برميل. وانخفض الدعمان المالي والعسكري لمنظمتي حزب الله وحماس الإرهابيتين بشكل بارز.
لماذا هذه التطورات؟
حدثت هذه التطورات الإيجابية بسبب الردود الأمريكية على السلوك الإيراني وفقاً لهويسي. بعد الهجمات العسكرية الإيرانية، قامت الإدارة التي كانت تدرس فكرة تجديد الديبلوماسية، بتعزيز العقوبات الاقتصادية القوية أصلاً، وتفادت رداً عسكرياً انتقامياً. بذلك، بدت واشنطن أذكى من منتقديها: لو ردت الولايات المتحدة عسكرياً وسقط ضحايا مدنيون، لادعت طهران أنها ضحية وأصبح الاعتداء الأمريكي مركز النقاش. حتى من دون تلك الذريعة، ادعت إيران لفترة طويلة بأنها ضحية. باختصار، عبر دمج سياسة ضبط نفس عسكري بسياسة الضغط الأقصى، تمكنت إدارة ترامب من تحويل كامل النقاش حول إيران.