لم يعد العراق ممراً رئيساً للمخدرات العابرة من الحدود الشرقية مع إيران، بل بات سوقاً رائجة لمختلف أنواعها المستثمرة في أغلب مناطق الجنوب ومحافظات الفرات الأوسط.
وقبل أيام قليلة أقر السفير الإيراني لدى العراق بأن المخدرات تُهرب من بلاده إلى العراق، الذي تُهرب منه إليها الخمور والأسلحة. وأكد السفير ايرج مسجدي في حديث متلفز، أن المخدرات التي تُهرب من إيران إلى العراق مصدرها أفغانستان وباكستان.. فيما ادعى قيام مهربين عراقيين بتهريب الخمور والأسلحة إلى الأراضي الإيرانية.
ويعد الجنوب العراقي المكون من محافظات (البصرة وميسان وذي قار والمثنى وواسط)، ميداناً استثمارياً لمادة الكريستال، المنتشرة في أغلب المقاهي الشعبية، جراء ترويجها من قبل تجّار محترفين يتعاونون مع ميليشيات دينية مسلحة تتمتع بعلاقة عقائدية مع إيران ذات النفوذ الحدودي الواسع، مع محافظات البصرة وميسان وواسط.
إلى ذلك، عزى مصدر استخباري مطلع رواج تجارة المخدرات في جنوب العراق إلى “تبني الميليشيات المسلحة” لهذا الملف.
وأكد المصدر للعربية.نت، أن “تلك الميليشيات ذات الولاء العقائدي لإيران، تحاول فرض هيمنتها على مختلف القطاعات التجارية في تلك المحافظات”، مضيفاً “تقوم تلك الجماعات المسلحة بحماية مستثمريها من تجّار المخدرات لخلق توازٍ بين سطوتيها الأمنية والاقتصادية معاً”
وأشار المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لحساسية المعلومات وموقفهِ الأمني، إلى أن “تفاقم ظاهرة تهريب الخمور المستوردة من العراق إلى إيران، قابلها تهريب الحشيشة والحبوب المخدرة من إيران للعراق”، مؤكداً وجود “تعاون فاسد بين الميليشيات المسلحة وبعض منتسبي الشرطة وقوات الحدود، بغية تسهيل هذا النوع من التجارة، مقابل رشى وإتاوات”.
وتابع المصدر قوله إن “محافظة البصرة على وجه الخصوص، تعاني منذ العام 2006 ولغاية العام الحالي، من ملف انتشار المخدرات فيها”، موضحاً أن “المجاميع المسلحة فرضت سيطرتها على المنافذ الحدودية البرية والبحرية ولها سلطة مطلقة على الموانئ العراقية من خلال الاستفادة من الرسوم الجمركية على المواد الداخلة، ولم تفلح السلطات الأمنية الرسمية، بغلق المنافذ أو تحجيم دور المهربين، فالمدينة بحكم (السوق المزدهرة) للمخدرات اليوم”.
“منافذ تصدير المخدرات”
تحاذي محافظات البصرة وميسان وواسط، الحدودية الإيرانية برياً ونهرياً، إذ عن طريق تلك المنافذ الحدودية يتم إدخال المواد المخدرة من إيران إلى العراق.
وفي هذا السياق، أشار المصدر الأمني العراقي إلى أن “توريد المخدرات يأتي دائماً عبر منفذ الشلامجة الحدودي بين البصرة العراقية والأهواز الإيرانية”، مبيناً أن “منفذ مهران الحدودي بين محافظتي واسط العراقية وكرمنشاه الإيرانية، يعد من المنافذ الرئيسة التي منها يدخل مادة الكريستال”.
كما أضاف أن “قيادات وسطى في فصائل مسلحة، كميليشيا سيداء الشهداء، وميليشيا الخراساني، وميليشيات صغيرة كالجهاد والبناء ومنتظرون، هي المتهمة بالاستيراد من الجار الشرقي للعراق”، موضحاً أن “تلك المجاميع المسلحة، تستثمر تواجدها الأمني والاستخباري عبر تلك المنافذ، لتسهيل عمليات التهريب”.
“مسح ميداني”
وفي السياق ذاته، أجرى عددٌ من الباحثين العراقيين، دراسةً ميدانيةً في ثلاثِ محافظات جنوبية، وهي (البصرة وميسان وذي قار)، حيث كشفت الدراسة تزايد نشاط الجماعات المتاجرة والمهربة لمادة “الكريستال” المخدرة، وفيما أوضحت الدراسة أن تغيير العقوبة الرادعة بالإعدام والسجن المؤبد إلى العلاج الصحي والنفسي للمتعاطي، فضلاً عن الفساد المالي والإداري، ووجود التهديدات العشائرية كلها أسباب ساهمت في حجم انتشار الادمان على المخدرات.
وقال الدكتور خالد حنتوش، رئيس اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة ملف المخدرات في الجنوب، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة بغداد، للعربية.نت، أن “هناك علاقة عضوية بين الجرائم التي ترتكب في تلك المحافظات، من سرقة وسطو مسلح واختطاف، وجريمة تعاطي المخدرات”، مشيراً إلى أن “أهم أنواع المواد المخدرة ومناطق انتشارها، ومنها مادة (الكريستال) التي تعد الأكثر انتشاراً في المحافظات الثلاث الجنوبية”.
كما لخص حنتوش أسباب انتشار المخدرات بـ “التساهل القانوني بعد عام 2003، إذ تغيرت العقوبة الرادعة من الإعدام والسجن المؤبد إلى العلاج الصحي والنفسي في المصحات بالنسبة لمتعاطي المخدرات والسجن من (5- 15) سنة بالنسبة لمروجيها”.
ولفت إلى “تهرّب كبار التجار من العقوبة بسبب الفساد في الأجهزة الأمنية والتهديدات العشائرية وضعف المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بتجارة المواد المخدرة، فضلاً عن وجود أسباب أخرى كتقليص صلاحيات منتسبي مكافحة المخدرات وقلة الكادر الأمني المتخصص والدوريات والسيطرات على حدود المدن مع قلة الكلاب البوليسية وأبراج مراقبة الحدود الدولية، إذ يستغل تجار المخدرات النقاط الهشة للحدود المفتوحة ولاسيما مع إيران، لتهريب بضاعتهم، مع البطء في حسم قضايا المخدرات في جميع المحافظات”.
إلى ذلك، أشار إلى “افتقار الأجهزة الرسمية العراقية، لأجهزة فحص المتعاطين للمخدرات، ما يؤثر على سير مكافحة المتهمين بالتعاطي، من ناحية تأخير حسم موقفهم، واحتمالية التلاعب في نتائج فحوصاتهم”.