أصبح يحبو على ركبتيه يلهو ويلعب ويبتسم للأطفال وكأن شيئا لم يحدث له؛ إنه الطفل درهم الذي بترت قدماه نتيجة لغم حوثي أمام منزلهم في منطقة الجبلية بمحافظة الحديدة.
كان أبوه محمد وأمه وأختاه في منزلهم الصغير في منطقة الجبلية فأتت الميليشيات الحوثية لتزرع لغما أمام بوابة المنزل، وعندما أراد وأمه وبجواره أختيه أن يخرجا لقضاء حاجة جرت عليها العادة ربما ! تقدم “درهم” الطفل الذي تعلق عليه أمه أن يكون رجلا حاميا لأختيه، كيف لا يتقدم وقد دعته العادات التهامية التي تقتضي أن يكون الذكور في مقدمة الإناث.
فتح الطفل الباب ثم خرج مسرعا لا يريد أن يتأخر عن حاجته فهو الطفل الطموح الذي يرى من المستقبل صديقا قابعا تحت الشجرة المجاورة لمنزلهم، والذي اعتاد أباه أن يعقر حماره بجذعها، سيهرب الحمار وسيكون فرس الطموح مكانه ، لكنه لن يكون معقورا.
صوت انفجار جاء كصدى لانفجار بعيد فقد كان فعل الانفجار سريعا أسرع من الصوت الذي أعطى إنذارا للأهالي في المنطقة بأن الطفل درهم قد بترت قدميه وأصيبت أمه وأختيه، كان الانفجار سريعا أسرع من قدمي “درهم” أسرع من فرس الطموح فخسرت قدما درهم السباق لكنه لم يكن نزيها أبدا.
محمد الرجل الذي يكد من أجل تأمين لقمة العيش لأسرته لم يخيل إليه يوما بأنه سيعود إلى منزله قبل أن ينتهي دوامه، أن يعود لمنزل لا يسمع فيه صوتا لوقع قدما “درهم” الولد الوحيد له.
عاد محمد وكان النزوح له سبيلا للخلاص من طريق بجوار المنزل التي تحولت أشواكها خناجر، وألغاما لا تسمع عتابا فيؤنبها الضمير فتهرب بعيدا عن منزلهم الصغير، فكان الهروب والنزوح منه الحل المناسب.
قرية المتينة كانت في استقبال محمد مع طفله درهم مقطوع القدمين وزوجته وابنتيه المصابات بجروح بالغة.
الطفل “درهم” وجد أطفالا يشبهونه إلى حد كبير فالمعاناة مرسومة على وجوههم جميعا وبألوان مختلفة الحمار أصبح الصديق الذي يلاعبه درهم فهو من حمله على ظهره بعد أن بترت قدماه، وفرس الطموح عقرته ميليشيات الحوثي بالألغام التي زرعت بجواره وينتظر من يفك عقاره.