زراعة الموت تحت أقدام المدنيين وتهديدهم بها بغية تركيعهم وإذلالهم، منهج تمارسه مليشيا الحوثي الانقلابية في حربها ضد أبناء الشعب اليمني في كل المحافظات التي تسيطر عليها، من خلال زراعة الألغام بشكل هستيري في الطرقات والمدن والقرى والمزارع والجسور.
جرائم يومية ترتكبها المليشيا أينما حلت، لتترك ورائها موت مستقبلي ضحيته المدنيين ممن سلموا من قتلها قنصاً أو قصفاً بمختلف أنواع الأسلحة التي طالت منازلهم وتسببت في تشريدهم ونزوحهم، وتؤكد بعض التقديرات أن الحوثيين زرعوا أكثر من مليون لغم أرضي، منذ بدء الحرب، ما جعل اليمن “أكبر دولة ملغومة” منذ الحرب العالمية الثانية.
واعلن المركز التنفيذي التابع للبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام بالتعاون مع المشروع السعودي لنزع الألغام (مسام) اليوم الأربعاء نزع 868 لغماً في منطقة اليتمة بمحافظة الجوف كانت ميليشيا الحوثي الانقلابية زرعتها قبل تحرير المنطقة.
وفي تقرير حديث لمركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان وثق ارتكاب مليشيا الحوثي 135 انتهاكاً خلال شهر يناير في محافظة تعز، شمل مقتل 68 بينهم امرأة وطفل جراء الالغام والعبوات الناسفة خلال شهر يناير المنصرم.
وأعلن برنامج مسام لنزع الالغام التابع لمركز الملك سلمان في بيان له أن الفرق الهندسية نزعت منذ انطلاق المشروع في يونيو الماضي ولغاية يوم7 فبراير الجاري 41591 لغما وذخيرة غير متفجرة.
وتمكن المزارعون والفلاحون في قرى منطقة يختل شمالي شرق مديرية المخا من العودة إلى مزارعهم وبدأوا بحراثتها وزراعتها بعد قيام الفرق الهندسية التابعة لقوات ألوية العمالقة بنزع آلاف الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي بكثافة وبشكل عشوائي في مزارع المواطنين قبل تحريرها.
وعبر عدد من المزارعين عن سعادتهم وامتنانهم للدور الذي قامت به الفرق الهندسية التابعة لألوية العمالقة، بتطهير مزارعهم من آلاف الألغام التي زرعتها المليشيا، مما مكنهم من العودة إليها وزراعتها لكي ينعموا بخيرات أرضهم وتوفير قوتهم اليومي.
وذكر المزارعون أنهم كانوا لا يستطيعون الدخول إلى مزارعهم للعمل فيها خوفا من الألغام قبل أن تقوم الفرق الهندسية، بعملية مسح شامل للمزارع وتطهيرها من الألغام التي كانت منتشرة في كافة الطرقات والمزارع بأعداد كبيرة، حالت بينهم وبين مزارعهم فخاخ الموت لوقت طويل ونازعهم الشوق إليها لكن دون جدوى حتى حلت أياد العون والإغاثة والمدد، وقضت على شبح الخوف والموت في تلك الربوع وحررتها من قيد الألغام.
وفي محافظة الحديدة غربي اليمن كثفت المليشيا الانقلابية زراعتها للألغام متسببة في قتل الأطفال والنساء، وحصد ارواح المزيد من الضحايا التي يزداد عددها يوماً بعد آخر ضاربة بالمواثيق الدولية والهدنة التي تشرف عليها الأمم المتحدة في الحديدة عرض الحائط، وكان آخر ضحايا ألغام المليشيا يوم أمس طفلا سقط شهيدا وجرح شقيقه بانفجار لغم جنوب مدينة الحديدة.
وتحدث مصدر طبي عن استشهاد الطفل “معاذ محمد سعيد علي النهاري” البالغ من العمر 10 أعوام، وإصابة شقيقه الأكبر “خالد محمد سعيد” بجروح متفرقة، وقال “أن اللغم الذي زرعته المليشيا الحوثية تسبب بإصابة مباشرة في رأس الطفل “معاذ” وتهشم الجمجمة، ما تسبب بوفاته، كما أصيب شقيقه “خالد” في القدم اليسرى”.
وقال مصدر محلي إن الأخوين “خالد” و”معاذ” كانا على متن دراجتهم النارية في طريق الدنين شمال شرق مديرية الخوخة، عندما انفجر بهما لغم أرضي من مخلفات المليشيا الحوثية، وفي سياق متصل استشهد امرأتان ورجل من أبناء قرية الدوح بمديرية حيس أثناء مرورهم في احدى طرق المنطقة صباح اليوم الأربعاء .
ووفقا لمصادر محلية فإن انفجار العبوة الناسفة أودت بحياة المواطن فتيني مسيّب بشارة ، والشقيقتين المواطنة عليّه علي سليمان بشارة ، والمواطنة جودة علي سليمان بشارة، والذي تم اسعافهم إلى المستشفى الميداني في مديرية الخوخة بعد أن فارقوا الحياة
ويسقط العشرات من المواطنين أغلبهم من النساء والأطفال ضحايا قذائف وألغام المليشيا وعبواتها الناسفة، كما يسقط العديد جراء رصاص قناصتها في مدينة وريف الحديدة، من جانبها واصلت الفرق الهندسية التابعة لألوية العمالقة نزع الألغام التي زرعتها المليشيا شرق مدينة الدريهمي .
وقالت مصادر في الفرق الهندسية لنزع الألغام أنها تسعى لتطهير كافة مناطق مديرية الدريهمي من حقول الألغام مختلفة الأحجام والتي زرعتها مليشيا الحوثي بكثافة وبشكل عشوائي في مختلف المناطق. حيث زرعت مئات آلاف الألغام في كافة مناطق الساحل الغربي بشكل عشوائي في الطرقات العامة، الأحياء السكنية، والمزارع.
وقد عملت الفرق الهندسية التابعة لألوية العمالقة، وفرق المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن “مسام” على نزع الآلاف من تلك الألغام.
وكلما حاولت المليشيا الانقلابية التواري وراء جرائمها الفاضحة في اليمن، تأتي رياح الحقيقة لتعريتها دون جدوى من تغطيتها، فالحق ساطع لا يمكن إخفاقه ودماء ضحايا الألغام من الأبرياء لن يغفرها لهم التاريخ ولن تطوى في صفحات المسكوت عنه.
ففي تقرير صادر عن برنامج أكليد الدولي المتخصص بجمع بيانات مناطق النزاع حول العالم وتحليلها، في 31 يناير تحت عنوان “كيف تقتل الألغام الحوثية المدنيين في اليمن؟”،، ، سلط الضوء على تأثير الألغام الحوثية على السكان المدنيين في اليمن، وأورد فيه الكثير من المعلومات والأرقام الصادمة.
ولفت التقرير إلى أنه في وقت سابق من الشهر ذاته في اليمن، قتل خمسة خبراء أجانب يعملون في مشروع “مسام” المعنية بنزع الألغام أثناء نقل الألغام من مقر المنظمة في مأرب، حيث انفجر لغم كانوا يحملونه في الشاحنة انفجاراً قوياً قتل الخبراء الخمسة وأصاب خبيراً آخر.
وأوضح التقرير أن تلك الحادثة ليست معزولة، بل تكشف عن الخطر الأوسع المتمثل في أن الألغام المجهولة إلى حد كبير والأجهزة المنفجرة البدائية (العبوات الناسفة) والتي لا تزال تشكل خطراً على المدنيين في جميع أنحاء البلاد.
ووثق التقرير مقتل 267 مدنيا على الأقل بفعل الألغام الحوثية في 140 حالة تم الإبلاغ عنها منذ العام 2016، وهذا الرقم يشمل الأسماء المسجلة رسميا فقط، وتشير التقديرات إلى أن عدد المقتولين بفعل الألغام يتجاوز 920 مدنيا، فضلا عن آلاف الجرحى.
وازدادت حدة الانفجارات الناجمة عن الألغام الحوثية منذ بدء المعارك التي تحوضها قوات الجيش الوطني في محافظة الحديدة ، والتي تشكل نحو 60% من مجموع الوفيات المدنية المرتبطة بالألغام التي زرعها الحوثيون في عام 2018.
كما ازدادت حوادث الألغام تدريجيا خلال العام الماضي، وبلغت ذروتها في ديسمبر 2018 ويناير 2019 وهي الأشهر الأكثر دموية منذ أن بدأ برنامج أكليد بتوثيق أحداث العنف في اليمن، ويقول التقرير إن تفحص البيانات عن كثب، يمكن أن يساعد في تفسير العوامل التي تقف وراء هذه الزيادة، حيث تفيد التقارير أنه بين يناير ومايو من العام الماضي، قتلت الألغام التي زرعها الحوثيون، ما يبلغ متوسطه ثلاثة مدنيين في كل شهر في الحديدة.
وتشكل مناطق التحيتا والدريهمي والخوخة وحيس أكثر من 70% من إجمالي حوادث الألغام المسجلة في جميع أنحاء الحديدة، ولا يبدو أن هذا الارتفاع مجرد نتيجة ثانوية للعنف المتصاعد فحسب، بل يبدو وكأنه تكرار لنمط سبق وأن لوحظ في عدن في عام 2015 وذلك عقب تراجع مليشيا الحوثي المنسحبة منها، حيث عمدت، وبشكل عشوائي، لزرع الآلاف من الأسلحة المضادة للأفراد والألغام الأرضية المضادة للدبابات في المناطق السكنية والطرقات العامة.
وأشار التقرير إلى أن الاستخدام المتفشي للأجهزة المتفجرة يؤدي أيضا إلى إضعاف النشاط الاقتصادي، فكثيرا ما أصابت الألغام الأرضية التي يتم زرعها في المراعي المزارعين والحيوانات التي تشكل المصدر الرئيس لكسب العيش بالنسبة لكثير من الأسر في المناطق الريفية.
وفي البحر الأحمر زرع الحوثيون ألغاما بحرية تهدد السفن التجارية والصيادين، الذين يواجهون بالفعل التهديد المستمر للهجمات الجوية، ووفقاً لبيانات “أكليد”، فقد تسببت الألغام البحرية المتحركة في مقتل ما لا يقل عن 13 صياداً قبالة ساحل الحديدة منذ يوليو الماضي.
وحذر التقرير من أن الاستخدام العشوائي للألغام والعبوات البدائية الصنع يساهم في معاناة المدنيين، في الوقت الذي يشكل فيه أيضا انتهاكا لمبادئ التمييز، وأخذ الاحتياطات على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، تقطيع أوصال المحافظات وحتى الحارات، رهان عملت عليها مليشيا الحوثي بسبل شتى على رأسها الألغام، وقد كدست هذه المليشيا المارقة على كل القوانين فخاخ الموت على جسور مدينة الحديدة والمحافظات المجاورة في عدوان صارخ ضد المدنيين.
وأفادت مصادر محلية يمنية بأن مليشيا الحوثي فخخت عشرات الجسور في شبكة الطرق الرابطة بين الحديدة وعدد من المحافظات المجاورة لها، وقالت المصادر، إن مليشيا الحوثي نشرت ألغاما متفجرة أسفل الجسور، بعد حفر أنفاق على الطرق الرابطة بين الحديدة ومحافظات صنعاء وحجة وذمار والمحويت وإب وتعز وريمة.
وأضافت المصادر أن بعض العبوات الناسفة يتم التحكم بها عن بعد، حيث ربطت المليشيا الألغام بشبكة متصلة ليكون التفجير بشكل متزامن وفي وقت واحد، كما نشروا العبوات المفخخة في 41 جسرا على مسافة تمتد نحو 110 كلم، موزعة في مناطق ووديان نخلة، وزبيد، ورماع، وديان، والعقوم، ورمانة، وأودية أخرى.
وأكدت المصادر ذاتها أن الحوثيين فخخوا أيضا 14 جسرا على امتداد الخط المحاذي لوادي سهام شمال مدينة الحديدة، في المنطقة الممتدة من مديرية المراوعة إلى المدينة، كما زرعوا عبوات مماثلة في 18 جسرا على الطرق الرابطة بين مناطق باجل والكدن والضحي شرق وشمال شرق الحديدة على مسافة تزيد على 60 كيلومترا.
من جهته دعا مدير البرنامج الوطني لنزع الألغام العميد ركن أمين العقيلي مدراء برامج نزع الألغام العرب إلى دعم ومساندة اليمن لضمان موافقة المجتمع الدولي على خطة التمديد الخاصة ببرنامج نزع الألغام المقدمة للدول المانحة والتي تقضي بالتمديد لثلاث سنوات من العام 2020 وحتى العام 2023.
وأكد التزام الحكومة اليمنية بتعهداتها أمام اتفاقية أوتاوا بخصوص حظر ومنع تصنيع ونقل واستخدام وزراعة الألغام الفردية، كما عبّر عن شكره للبعثة اليمنية الدائمة في جنيف ممثلة برئيسها الدكتور علي محمد مجور، نظير تقديم التسهيلات للوفد في جنيف، كما أعلن مكتب مسام الإعلامي نقلا عن مدير عام المشروع السيد أسامة القصيبي أن الفرق الميدانية نزعت خلال الأسبوع الأول من فبراير 578 لغما وعبوة ناسفة.
وقال السيد القصيبي إن الفرق الهندسية التابعة للمشروع تمكنت خلال الأسبوع ذاته من نزع 257 لغما مضادا للدبابات، و13 لغما مضادا للأفراد، وذكر القصيبي أن عدد الذخائر غير المنفجرة التي تم نزعها خلال الأسبوع الأول من فبراير بلغت 300 ذخيرة، مضيفا أن فرق المشروع نزعت خلال الأسبوع نفسه 8 عبوات ناسفة.
وقال القصيبي إن عدد الألغام والذخائر غير المنفجرة التي تم نزعها منذ انطلاق المشروع ولغاية يوم 7 فبراير بلغ 41591، أزال المركز التنفيذي، التابع للمركز الوطني للتعامل مع الألغام مئات الألغام التي خلفتها ميليشيا الحوثي الانقلابية، ومسح وطهر عشرات الكيلومترات في مدينة عدن ومحيطها خلال أقل من شهر.
وأوضح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أن المركز التنفيذي لنزع الألغام تمكن خلال 24 يوما من نزع 2862 لغما وذخيرة غير منفجرة، وكان الأسبوع الماضي قد توقع وزیر حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر، أن يصل عدد الألغام التي نزعھا الخبراء إلى 250 ألف لغم مصنعة محلیا وزرعت بشكل عشوائي.
من جهة ثانية تمكن المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن من نزع 41591 لغما وذخيرة غير منفجرة منذ انطلاق المشروع في يونيو الماضي ولغاية 7 فبراير الجاري، ورغم تعنت المليشيا وتهاونها بدماء الضحايا من المدنيين والمواثيق الدولية والقانون الانساني الدولي إلا أن الإدانات الموثقة من مختلف الجهات ستظل سيفاً مسلطاً على رقابها التي مهما توارت وراء ألغامها وفخاخ الموت التي تزرعها فلن تفلت من قبضة العدالة ومن محاكمة التاريخ لها.