بين أزقة مخيم “الشابورة” للاجئين الفلسطينيين، بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يتوارى منزل صغير المساحة، مسقوفا بألواح حديدية، يخفي بين جدرانه معاناة سيدة وابنتيها من آفتي الفقر والسرطان.
ففي الوقت الذي تعاني فيه أحلام أبو موسى (20 عاماً)، من مرض السرطان الذي بدأ بنهش عظامها، تجلس الشابة يومياً لساعات طويلة على الأرض حول طاولة لتساعد والدتها وشقيقتها في تقشير وتقطيع “الفستق” إلى شرائح دقيقة؛ مقابل ثمن زهيد جداً.
الساعات الطويلة التي تقضيها الشابة وهي جالسة على الأرض تفاقم من سوء أوضاعها الصحية خاصة وأن السرطان أصاب “عظامها”، ما يعني أنها تحتاج إلى راحة كبيرة من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من قوتها.
الفقر لم يرحم الشابة أبو موسى، فهي تعيش حالياً على الأدوية المسكنة؛ التي بالكاد تستطيع أن توفرها من عمل تقشير وتقطيع “الفستق”.
في الوقت ذاته، يحرمها الفقر من الوجبات الصحية التي يحتاجها مريض السرطان، فهي وعائلتها بالكاد يستطيعون توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية اليومية.
**”الفستق” مهنة
قبل ثلاث سنوات، نجحت نساء عائلة أبو موسى في إيجاد مهنةً لهن من خلال التوافق مع تاجر لتزويدهن بأكياس كبيرة من “الفستق”؛ يحتوي الواحد منها على 25 كغ، لتقشيرها وتقطيعها إلى شرائح صغيرة، كما تقول الوالدة “وحيدة” (52 عاماً) لـ”الأناضول”.
تربح نساء أبو موسى من الكيس الواحد حوالي 38.1 دولارا أمريكيا.
تقضي تلك النساء، وفق الوالدة، جلّ أوقاتهن وهن جالسات إلى جانب بعضهن البعض أرضاً يقطّعن حبات الفستق.
ويحتاج الكيس الواحد إلى مدة زمنية من (3-8) أيام تقريباً من أجل إنجازه بشكل كامل؛ قبيل تسليمه للتاجر.
وبينما تنشغل نساء العائلة في تقطيع الفستق، تُمسك الشابة أحلام بساقها اليُسرى التي تعاني من كسر في العظم، وتواصل بيدها اليمُنى تقطيع الفستق.
وتوضح والدة أحلام، أنه خلال العامين السابقيْن كان المردود المالي الذي حصلت عليه من وراء تلك المهنة المتعبة يكفي لتوفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتها.
لكن اليوم، وبعد إصابة ابنتها بمرض السرطان، بالكاد يكفي ذلك المردود ثمناً للمسكّنات، وللمواصلات التي تلزم لنقل الشابة إلى المستشفى.
ورغم انقطاع التيار الكهربائي لساعات تصل 10 ساعات يومياً، إلا أن تلك النساء لا يتوقفن عن تقطيع الفستق على الأضواء الصغيرة الخافتة التي تستمد طاقتها من بطارية مستعملة، حتّى الساعات الأولى من وقت الفجر بشكل شبه يومي.
**فقدان بطئ للحياة
منذ مارس/آذار الماضي، اكتشفت “أحلام” إصابتها بمرض السرطان في العظام بدأ في ساقها اليُسرى، ما أدخلها بغيبوبة لمدة يوم، جرّاء حالة الخوف والقلق التي سيطرت عليها آنذاك، وفق والدتها.
وبسبب انعدام الأمن الغذائي والمكان الصحي الذي يتناسب مع حالة شخص مصاب بالسرطان، تعاني الشابة من مضاعفات صحية خطيرة حيث أثبتت صور الأشعة تآكل عظامها بشكل سريع، كما قالت والدتها.
اليوم، ومع ازدياد حاجة الشابة للمسكنات، دون تناول الأدوية المتخصصة بسبب الفقر، ينتابها حالة من الذعر فـ”هل ستستطيع أن توفّر ثمن تلك المسكّنات التي تهدّئ من آلامها، أم أن الفقر سيحول دون ذلك؟”.
وبصوت مرتعش، تقول “أحلام”، إنها تشعر بتغيّر كبير جداً طرأ على حياتها نتيجة إصابتها بالمرض.
فلم تعد الشابة، التي كانت تقطع مسافات طويلة جداً في المشي، قادرة على التجول داخل المنزل؛ فهي تلبّي في بعض الأحيان حاجيتها كالتنقل من مسافة لأخرى “زحفاً على ركبتيها”.
وخارج المنزل، تستند “أحلام” على عكازين استعارتهما من أحد الجيران الذين يسكنون بالقرب منهم لعدم قدرتها على شراء آخرين خاصيْن بها.
وحسب بيانات أممية نشرت العام الماضي، فإن قرابة 80 بالمائة من الفلسطينيين في القطاع يعيشون على المساعدات الإنسانية.
وارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة في الربع الأول من 2018 إلى 53 بالمائة، فيما تخطت معدلات البطالة الـ80 بالمائة، وفق بيانات المركز الفلسطيني للإحصاء (حكومي)، واللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية).
ووفق تقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن ما يقرب من 70 بالمائة من سكان قطاع غزة، “يعانون من انعدام الأمن الغذائي”.