ادى الظهور الأخير للسكرتير الصحفي للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أحمد الصوفي التكهنات حول مصيره، خاصة وأنه اختفى عن الأنظار قبل مقتل الرئيس علي عبدالله صالح، إذ كان الوحيد الذي هاجم الحوثيين من داخل صنعاء، إلا أنه ظهر فجأة في الرياض.
وأكد في حوار مع «الوطن» أنه اختطف في كمين دبر بإحكام بعد خروجه من المنزل متوجها إلى ساحة المعركة مع علي عبدالله صالح، وتم سجنه في السجن منذ الثاني من ديسمبر 2017، وحتى الثالث من يناير 2018. وكشف أن الرئيس السابق قتل في ساحة المعركة، ودفن جثمانه في داخل أحد السجون بصنعاء، وسرد الصوفي كيف تتعامل ميليشيات الحوثي مع السجناء.
-أشرت إلى أنك كنت قد قدمت استقالتك لصالح احتجاجا على تحالفه الذي وصفته بالخاطئ مع الحوثيين. فلماذا إذا خرجت حاملا سلاحك في الثاني من ديسمبر؟
قبل أن أجيب على هذا السؤال، أوضح أن الحوثيين لم يعلموا بخبر استقالتي إلا عن طريق صحيفتكم «الوطن»، والحمد لله أنهم لم يتنبهوا للصورة الضوئية لخطاب الاستقالة الذي أرفق مع تصريحي لكم، لأن السبب الرئيسي للاستقالة كان واضحا، هو بسبب تحالف الرئيس السابق معهم، ونعود للإجابة على السؤال، وأقول لقد كانت وصية الرئيس الراحل الأخيرة أزالت كل سبب يجعلني أتشبث باستقالتي. فالاستقالة جعلتنا متطابقين في الرؤيا، ولابد أن نقف للدفاع عما كنا ندعو إليه. غادرت منزلي تلبية لدعوته، لأن خلافي معه كان بسبب تحالفه مع الحوثي، وأدركت أنني إذا لم أقاتل معه في هذا اليوم سيلاحقني العار ما حييت، وإن لم أختطف ويقبض عليَّ لكنت الآن أحد الشهداء الذين سيلقون ربهم وهم يدافعون مع الزعيم عن دينهم ووطنهم وجمهوريتهم.
– ما الذي كان يحدث في المعتقل، وكيف كنتم تعلمون ما يحدث في الخارج. هل أخضعتم للتحقيق أو للتعذيب، لماذا تحفظوا عليكم كل هذه المدة الطويلة وكيف أفرجوا عنكم؟
بداية نحن اختطفنا ولم نعتقل، وأودعنا في مكان لم نعلم إن كان سجنا قانونيا أو مكانا من الأمكنة التي يستخدمها الحوثي، لقد مضت أيام دون أن نعرف من المسؤول عن إيداعنا السجن، وعن إدارة شؤوننا، ومكثنا في عزلة شاملة عن العالم، وكنا نسمع أخبارا ممزوجة بالإشاعات من الذين يحملون إلينا الطعام، كنا على يقين بأنها جزء من حرب نفسية تستهدف تماسكنا النفسي. غير أننا أخضعنا بعد ذلك لعشرات التحقيقات، وكنا نجد في تلك التحقيقات مناسبة لمعرفة المزاج العام لمن يحققون معنا وتقييم مستواهم الثقافي، خاصة أننا كنا نقدم إلى جلسات التحقيق معصوبي العينين وفي أوقات متأخرة من الليل.
ورغم أننا كنا عددا ضئيلا في العنبر الذي قضينا فترة اختطافنا فيه، إلا أننا حفظنا عن ظهر قلب كل الأسئلة التي طرحوها ويتوقع أن تطرح. كانوا يلحون عليّ مرارا إدانة صالح باعتباره ارتكب جريمة بحق الوطن بتحالفه مع السعودية، وكانوا يعملون على غسل دماغ المعتقلين بتشويه صورة صالح والحديث عن الفساد في حقبته، لكنني كنت في كل مرة أطلب معرفة إن كان من يطرح عليّ الأسئلة رجل دولة، وإذا كان كذلك، لماذا يخاف من كشف هويته للمعتقلين، فينقلب التحقيق إلى جدل يولد أسئلة منطقية تكشف هشاشة تماسكهم الذهني.
– أين اختفى أحمد الصوفي، بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح؟
أولا أنا لم اختف ولكنني اختطفت في كمين دبر بإحكام بعد خروجي من المنزل متوجها إلى ساحة المعركة مع الرئيس علي عبدالله صالح ورفاقه، وكان بمعيتي نجلي معتز، كلانا حمل سلاحه وتحرك. كنت من أوائل الذين عبروا خطوط التماس بين أنصارنا ومقاتلينا وبين زمر ميليشياتهم، وأول مختطف لدى ميليشيا الحوثي التي أودعتني ونجلي السجن منذ الثاني من ديسمبر 2017، وحتى الثالث من يناير2018.
وعلى الرغم من حرماني من المشاركة في ميدان الانتفاضة، إلا أنني أعتبر اختطافي هبة إلهية لأكون شاهدا على واحدة من أعقد لحظات التاريخ، وأشد صور الصدام التاريخي بين اليمنيين من مختلف المناطق والمنحدرات القبلية، وبين ميليشيات الحوثي التي تلعب على انقساماتنا، ثم نكتشف جميعا أننا نقبع في سجن واحد يضيق بحجم عنبر رقم 4 حيث كنت معتقلا، أو يتسع لرقعة العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي.. لقد شاء الله أن يكون لقلمي دور من داخل هذا السجن لأسجل شهادات من لحقوا بي، إما بسبب نفاد ذخيرتهم، أو بسبب تدخل مشايخ قبلهم للاستسلام وعدم مواصلة قتال الحوثيين، أو أولئك الذين تم ملاحقتهم إلى منازلهم، وفي أماكن أعمالهم.. كنا جميعا خلال هذه الفترة نواسي أنفسنا بزعم أننا وقفنا بما اتخذنا من قرارنا بمحض إرادتنا للوقوف مع الرئيس السابق ولم نمكث في منازلنا ولم نراقب مواجهته لهم عاجزين مشلولين، ولم نقبل أبدا أن تكسوا أو تعتري وجوهنا أيا من صور العار لو لم نقف تلك الوقفة التي وضعتنا بين خيارين، إما الشهادة أو النضال.
– كيف تلقيت خبر اغتيال على عبدالله صالح؟
تلقيت نبأ اغتيال الرئيس صالح وأنا في السجن، ولم أكن مصدقا أن علي عبدالله صالح يمكن تصفيته بتلك الصورة الشنيعة. كما لم نصدق أبدا تلك المسرحية السمجة التي أخرجت موته على أنه كان هاربا إلى قريته. علمت لاحقا من جميع الذين قاتلوا معه أن الرجل اختار بإرادة واضحة أن يقاتل بسلاحه دفاعا عن موقفه، وتأكيدا على عدالة قضيته ودفاعا عن عرضه وبيته، وعلمت من الذين أدلوا بشهاداتهم لي ويترقبون صدورها في كتابي القادم، أنه قضى بعد الساعة التاسعة من الـ4 من ديسمبر في منزله بـ«الثنية» وهو يقاتل بسلاحه الشخصي طالبا من رجاله الذين نفدت ذخيرتهم وأعياهم السهر لـ3 أيام مغادرة ساحة المعركة، وتركه يلقى أعداءه بجسد وإرادة أصلب من جبل عيبان، ورغم أنني كنت مسجونا، إلا أنني كنت معه بكل جوارحي وعقلي رغم أنني أول من قدم استقالته احتجاجا على تحالفاته الخاطئة مع الحوثي. كنت أعلم أنه مغدور لا محالة، وسمعها مني مرات عديدة، أن هؤلاء قتلوا من قبله سيف بن ذي يزن الذي استجار بهم، وكان كمن استجار من الرمضاء بالنار.
– مقاطعا، وما طبيعة تلك الأسئلة؟
كان هاجسهم الأول أموال علي عبدالله صالح، وخوفهم من الدور الذي يمكن أن يلعبه نجله أحمد فيما إذا انتقل إلى مأرب وأيد الشرعية، وكنت أستغرب من ترديد اسم مأرب عشرات المرات وتجاهلهم لعدن التي بدأ بأنهم واثقون من أنها لم تكن حاضنة لأتباع صالح.
وفي الأيام الأولى كانت تتكرر الأسئلة عن الأماكن والمنازل التي يتواجد فيها الشهيد المغدور، كما تركزت أسئلتهم حول المعسكرات التي زرناها، وما إذا كنا نعلم مكان مخازن الصواريخ أو لدينا معلومات عنها. ولا شك أنه كان هناك أسئلة تفصيلية حول قيادات المؤتمر التي تحظى بتأييد وتؤثر على قرارات الرئيس صالح. لقد كانت التحقيقات عبارة عن لعبة لكسر إرادة المختطفين الذين كانوا كثر، ينتشرون في عنابر يتجاوز بعض المحشورين فيها من الـ60 إلى الـ70 عنصرا، وجميعهم من أنصار صالح.
– كيف استطعت الخروج من تحت رقابة الحوثيين؟
بعد مقتل صالح، كان عدد من قيادات المؤتمر الشعبي في السجون، فواجه الحوثيون ضغوطا شديدة من المجتمع الدولي، فأطلقوهم جميعا وبقيت في السجن، وحينها أصدر الحوثيون عفوا عاما، فمارست القبائل ضغوطا عليهم لإطلاقي لأن القرار لم يشملني، خاصة أنني لم أكن طرفا في الصراع، فاستجابوا للضغوط شريطة أن أبقى في صنعاء تحت الإقامة الجبرية.
وحينها توفي عمي في الضالع، وقمت بإبلاغ بعض الإعلاميين والقيادات بنشر تعزية لي في عمي، ووجدت الفرصة ملائمة فركبت سيارة من نوع هايلوكس وذهبت لشراء بعض الأغنام والأغراض اللازمة وتحميلها بالسيارة لإيهام الحوثيين بذلك، وتوجهت عبر الطريق ومرورا بكل نقاط التفتيش الحوثية، وكانوا يشعرون أنها لبيت العزاء، وتمكنت من الإفلات منهم، وأنا موجود بالرياض حاليا. إطلاق سراحي قصة طويلة ولكن في قلب هذه القصة كانت صحيفة «الوطن» حاضرة وبقوة، كانت من نشر استقالتي وأيضا رد الرئيس السابق علي صالح، وكان أثناء التحقيقات يتكلمون عن «الصندوق الأسود» وباعتباري غنيمة كبيرة بالنسبة لهم وصيدا سهلا، ولكنهم اكتشفوا فجأة أن سبب قطيعتي مع علي صالح كان بسبب تحالفه معهم، والمفارقة أنهم قاموا بالمفاوضات معي، وكانوا قد عادوا لصحيفة «الوطن» التي انفردت بنشر الاستقالة، وكنت أسأل الله تعالى أن لا يقرؤوا النص الذي نشرته الصحفية موقعا بيد الرئيس صالح، لأنهم لو اطلعوا على النص وعرفوا أن ابتعادي عن علي صالح بسبب تحالفه مع الحوثي لكنت ماكثا إلى اليوم في مكان معدوم العنوان تمام.
– ما مصير جثمان الرئيس السابق؟
لم يلق جثمان علي عبدالله صالح التوقير والاحترام الكافيين من قبل هذه الجماعة، كما لم يشارك أيا من أفراد أسرته في عملية الدفن. الحوثي قبل أن يواري جثمان صالح الثرى في منطقة داخل أحد السجون بصنعاء، وفي ليل مظلم، قام بالعبث بسجل واقعة قتله. كما سن سنة سيئة في تحقير الموتى ومنع ذويهم من ممارسة حقهم في أداء هذا الواجب نحو جثمان موتاهم.
إن الحوثي يقتفي أثر «الهادي» في تدمير أخلاق المجتمع وتحويل الانتقام حتى من ضحاياه بعد قتلهم نهجا سيحيل الموتى أنفسهم إلى مقاتلين يتولون أمر مواجهته. إذ ما زال هناك العشرات من الشهداء محرومين من الاستراحة في القبور، وتخضع جثامينهم للمساومة والابتزاز السياسي مثلهم مثل السجناء والمختطفين، وهو أمر يكشف التدني الأخلاقي والانحدار القيمي والسلوك البدائي لقيادة ميليشيات الحوثي، لقد قرروا أن يخوضوا الحرب مع الأحياء والشهداء في وقت واحد.