تعتبر ساحة الحرية في محافظة تعز، جنوبي اليمن، واحدة من أبرز ميادين ثورات الربيع العربي، نتيجة للدور الكبير الذي لعبته في ثورة 11 فبراير/شباط 2011؛ فالساحة التي تقع في قلب مدينة تعز، عرفت قبل ذلك التاريخ باسم شارع صافر، لكنها اكتسبت اسم “الحرية” مع اندلاع شرارة الثورة اليمنية.
ففي يوم الجمعة، 11 فبراير/شباط 2011، وهو اليوم الذي سقط فيه نظام الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، اعتصم مجموعة من الشباب اليمني أمام مبنى المحافظة في تعز للمطالبة بإسقاط النظام، قبل أن ينتقلوا في مساء اليوم ذاته إلى شارع جمال عبدالناصر، أكبر شوارع المدينة، ونتيجة لتعرض عدد منهم للاعتقال من الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، قام شباب الثورة في اليوم التالي بالانتقال إلى شارع صافر الذي نصبوا فيه خيامهم وأطلقوا عليه اسم “ساحة الحرية”.
الخيمة الأولى
الساحة الجديدة أصبحت ملاذًا للثوار الذين تدفقوا إليها من جميع مديريات المحافظة. وعلى اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية؛ اجتمع هؤلاء حول هدف إسقاط نظام صالح، وهم يهتفون بشعار ثورات الربيع العربي الأشهر: “الشعب يريد إسقاط النظام”. هناك شيدوا عشرات الخيام التي تتبع حركات وائتلافات ثورية متنوعة في الانتماءات السياسية والاجتماعية والمناطقية والمهنية، استوعبت الثوار القادمين من مديريات المحافظة، ليزداد عدد المعتصمين يومًا بعد آخر.
اكتسبت ساحة الحرية بتعز أهميتها كونها حازت قصب السبق في الاعتصام ونصب الخيام، لتلحقها بعد ذلك ما يقرب من 17 ساحة للحرية والتغيير في معظم محافظات الجمهورية، أي أنها كانت الملهمة في سُنة الاعتصام الدائم داخل الخيام، والذي صار سمة من سمات ثورة 11 فبراير/شباط في اليمن.
كانت ساحة الحرية أيضًا مدرسة إبداعية احتضنت العديد من الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين والمطربين الذين استفادوا من الزخم الثوري في صياغة حالة فنيّة غنيّة، انعكست على صورة أغانٍ وأناشيد ثورية ومعارض فنية وإصدارات متنوعة في الشعر والرواية والكتابة السياسية والفكرية.
مجزرة مايو
ومثلت ساحة الحرية، كذلك، العنوان الأبرز لصمود الثورة الشبابية الشعبية، كونها استطاعت الثبات في وجه آلة القمع المسلح من قبل جيش صالح، الذي استهدف الساحة بالقصف المتكرر، ووصل إلى ارتكاب أبشع جريمة تمثلت بإحراق الساحة في 29 مايو/أيار 2011، بعد أن اقتحمها، وهاجم المعتصمين السلميين عبر قوات ضخمة مدججة بأنواع مختلفة من السلاح، ولم يكتف باستخدام خراطيم المياه ومسيلات الدموع، ليطلق الذخيرة الحية، قبل أن يأتي على خيام المعتصمين وتطمس بقاياها المحترقة بالجرافات، في أبشع مجزرة شهدتها الثورة الشبابية الشعبية.
غير أن الثوار أثبتوا أن الساحة التي تنبض بالحرية لا يمكن أن تموت. فبعد أن سقط العشرات منهم بين قتيل وجريح، ومن الضحايا من مات حرقًا، بدؤوا محاولات استعادة الساحة في الثاني من يونيو/حزيران 2011، والتي أفضت إلى اندلاع اشتباكات مسلحة بين شباب المقاومة الشعبية وقوات الأمن، استطاع شباب الثورة خلالها، تحت حماية المقاومة المسلحة، من استعادة الساحة في 7 يونيو/ حزيران 2011، لتعود الخيام وتنصب من جديد، وتنكسر آلة القمع البوليسية لنظام صالح.
“مسيرة الحياة”
ومن ساحة الحرية كانت “مسيرة الحياة” الراجلة، ليكون ذلك أعظم حدث في الثورة الشبابية الشعبية، وثورات الربيع العربي كافة، حيث انطلقت المسيرة الراجلة بالآلاف، ليمشي خلالها الثوار من تعز إلى صنعاء، ولمسافة تمتد لأكثر من 260 كيلومترًا، عبروها سيرًا على الأقدام في خمسة أيام، في مشهد سجله التاريخ بأحرف من نور.
وانطلقت المسيرة صباح الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2011 من ساحة الحرية، لتصل صنعاء يوم الأحد 25 ديسمبر/كانون الأول، حيث مرت بمدينتي إب وذمار، لينضم إليها آلاف الثوار في طريقها، وليكملوا معها السير نحو صنعاء، التي وصلوها بعد خمسة أيام منتصرين على كل التحديات.
وفي طريقها، قاومت المسيرة السلمية الاعتداءات المسلحة التي تعرضت لها من قبل من كانوا يوصفون بـ”البلاطجة” التابعين لصالح، وانتصروا كذلك على تحديات الطريق والجوع وبرودة الطقس، وصولًا إلى صنعاء، التي واجهت فيها آلة القمع التابعة لصالح، وقدمت أكثر من 10 شهداء وعشرات الجرحى.
من النضال السلمي إلى المسلح
ومع اندلاع حرب الانقلابيين الحوثيين على تعز، منتصف إبريل/نيسان 2014، التحق بالمقاومة الشعبية العديد من شباب ساحة الحرية، وبرز عدد منهم كقيادات ميدانية في مواجهة الانقلاب، ليأتي كفاحهم المسلح امتدادًا لنضالهم السلمي في وجه أعداء الثورة والدولة. فقام عدد من شباب الثورة بالانضمام إلى صفوف المقاومة الشعبية، مؤمنين بضرورة الكفاح المسلح في مواجهة القوات الانقلابية من مقاتلي جماعة الحوثي وقوات المخلوع صالح.
وبالتزامن مع ذلك، ظلت ساحة الحرية تقوم بدورها السلمي الداعم للمقاومة من خلال لعب دور التوجيه المعنوي، عن طريق إحياء الفعاليات المختلفة الداعمة للمقاومة الشعبية والجيش الوطني، وتوجيه رسائل الثوار من خلال خطب صلاة الجمعة، واحتفالات الأعياد الوطنية، والوقفات الاحتجاجية، وغيرها من الفعاليات.
وخلال مرحلتين من نضالات أبناء تعز في سبيل الحرية، والانعتاق من نظام الاستبداد والانقلاب، وفي مرحلة النضال السلمي، أو مرحلة الكفاح المسلح، ظلت ساحة الحرية هي قبلة الثوار والمقاومين للتعبير عن آمالهم وتطلعاتهم في مواجهة نظام صالح وجماعة الحوثيين اللذين تحالفا في حربهم على المدينة؛ تلك الحرب التي يرى فيها أهالي تعز أنها “انتقام” من مدينة الثورة.