بي بي سي
ينتهي عام 2017 والعالم العربي، في رأي العديد من مواطنيه، في أسوأ أحواله من الفرقة والتمزق والتوتر والاختلاف. أحوال لم يسجل لها تاريخ الوطن العربي مثيلا على الإطلاق.
ففي المشرق العربي تواصلت الحرب في سوريا دون هوادة وحصدت المزيد من القتلى والجرحى، وارتفعت أعداد المهجرين والنازحين وازداد الدمار، واستمرت محاولات المفاوضات بين ممثلي الحكومة والمعارضة برعاية دولية تارة وروسيا تارة أخرى، لكن الطرفين ظلا يصطدمان بشروط كل منهما.
وحتى نهاية العام لا يبدو أن السلام عائد إلى ربوع سوريا قريبا. فالمعارضة تشترط تنحي بشار الأسد عن الرئاسة للدخول في مفاوضات سلام جدية. أما دمشق، التي ترى أن المعارضة المسلحة بدأت تفقد قوتها ومموليها، فتعتقد أن الحسم العسكري كفيل بإعادة الأمن إلى البلاد في آخر المطاف مهما كلف ذلك من خسائر في الأرواح.
وفيما انشغلت القوات الحكومية باستعادة بعض المناطق من سيطرة المعارضة، انكبت قوات سوريا الديمقراطية، المكونة أساسا من المقاتلين السوريين الأكراد المدعومين بأسلحة أمريكية، على تطهير مدينة الرقة من تنظيم الدولة الاسلامية ومقاتليها وتشتيت شمل حكمهم.
وقبل انهياره في سوريا، لقي تنظيم الدولة المصير نفسه في العراق، حيث فقد سيطرته على الموصل – والمناطق التي ظل يحتلها منذ عام 2014 – على يد قوات الجيش العراقي المدعومة بقوات الحشد الشعبي. غير أن فرحة القضاء على تنظيم “داعش” أفسدها مضي الأكراد في تنظيم استفتاء أيدت نتيجته الانفصال عن بغداد، ولقي معارضة داخلية وإقليمية ودولية حالت دون ترجمته على أرض الواقع، بل زاد من حدة التوتر بين بغداد والأكراد وعقد الخلافات بين الأطراف السياسية داخل إقليم كردستان العراق.
وفي اليمن استعرت الحرب بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين. وعلى مدى عام 2017 استمر المدنيون في دفع فاتورة الحرب بأرواحهم. فالذين نجوا من قصف جوي أوبري أو تبادل للنار قضوا ضحايا المجاعة وانتشار وباء الكوليرا.
وعلى غرار سوريا لا تبدو أفق الحل في سماء اليمن. فالحوثيون تخلصوا من حليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعدما بدا لهم أن تحالفهم معه بات هشا، وأن مسألة انقلابه عليهم أصبحت مسألة وقت وترتيبات. كما أن السعودية والمتحالفين معها لا يرون في الوقت الراهن حلا غير تشديد الخناق العسكري على الحوثيين ومحاولة إضعاف قبضتهم على البلاد.
وإضافة إلى الصداع الذي يشكله مستنقع الحرب في اليمن لدى الرياض، اندلعت أزمة سياسية ودبلوماسية بين كل من السعودية والامارات من جهة، وقطر من جهة أخرى. فبين عشية وضحاها أقفلت السعودية حدودها البرية مع قطر ومنعت الطائرات القطرية من عبور أجوائها وطردت رعاياها المقيمين في المملكة. والسبب في رأي القياد السعودية؟ قطر تدعم الإرهاب وتموله وتستضيف رؤوسه وتتواطأ مع إيران وحزب الله ضد دول الخليج العربي. وينتهي عام 2017 برفض قطر لتلك الاتهامات جملة وتفصيلا وبمقاطعة سعودية وإماراتية اقتصادية متواصلة لقطر.
وفي مصر كان عام 2017 صعبا للغاية اقتصاديا وأمنيا. فقد أدى تحرير الجنيه المصري إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية وتدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من المجتمع. وانضافت الى هذه الضائقة الاقتصادية تزايد عمليات التفجير والهجمات المسلحة التي نفذتها مجموعات متشددة استهدفت دور عبادة مسيحية واسلامية وقوات للشرطة والجيش في القاهرة ومرسى مطروح ومحافظة العريش في سيناء وغيرها.
اما ليبيا فلا تزال في خانة الدول الفاشلة منذ انهيار نظامها السياسي السابق عام 2011 بسبب تعارض مصالح القوى الاجنبية الناشطة في البلاد. ففي 17 ديسمبر/ كانون الأول أعلن اللواء خليفة حفتر، انتهاء فترة صلاحية الاتفاق السياسي بين أطراف الأزمة الليبية، الموقّع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة. ورفض حفتر الخضوع للمؤسسات المنبثقة عن ذلك الاتفاق في إشارة إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج. ورغم أن الوضع في ليبيا هادئ نسبيا إلا أن استتباب الأمن والنظام وتوافق الأطراف لا يبدو قريباً.
وفي تونس انتهى عام 2017 بأزمة مع دولة الإمارات التي منعت التونسيات من كل الأعمار من السفر اليها على متن طائرات شركة الإماراتية أو دخول اراضيها. وعللت أبو ظبي قرارها بوجود خطر قيام سيدة تونسية أو حاملة لجواز سفر تونسي بعملية إرهابية. هذه المبررات لم تقنع التونسيين الذي رأوا في القرار إهانة لهم. فحظروا رحلات شركة الطيران الاماراتية وهاجموا القرار.
وفي الجزائر ظل الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يتصدر الجدل السياسي في البلاد على مدى عام 2017، بين معارضة تعتبره غير قادر على الحكم وأن هناك من يدير البلاد باسمه، وموالاة تنفي وتؤكد أنه بكامل قواه الذهنية رغم معاناته جسديا، مشيرة لاحتمال ترشحه لولاية خامسة العام 2019.
وإضافة إلى ذلك استمرت سياسة التقشف للحكومة التي وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ عدد من الاجراءات لدعم الاقتصاد بسبب تقلص عائداتها من النفط. ومن هذه الاجراءات خفض حجم الانفاق العام وإلغاء عدد من المشاريع الكبرى المكلفة واستيراد عدد من السلع.
أما في المغرب فقد كان عام 2017 سنة المطالبة بالحق في العيش الكريم والاحتجاج. حراك الريف الذي بلغ أوجه في بداية العام ورفعت خلاله مطالب اجتماعية وحقوقية واجهت السلطات نشطاءه بالاعتقال والمحاكمة والسجن لبعض الصحافيين والمدونين.
حراك الريف تجدد في مدينة زاكورة التي طالبت بتوفير ماء الشرب وكذا في مدينة جرادة في الشرق المغربي التي طالبت بتوفير الوظائف لشبابها الذي قضى اثنان منهم في منجم للفحم الحجري. غير أن السلطات لجأت في كل من الريف وزاكورة للعصا الغليظة لمنع انتشار عدواه إلى باقي المناطق التي تعاني الفقر والتهميش.
وسجل العام 2017 في المغرب إعفاء الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران من منصب رئيس الحكومة بعد مرور خمسة أشهر من مفاوضات مع حزب مقرب من القصر الملكي أملى شروطا اعتبرها بنكيران مهينة.
ومع إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة وانتهاء ولايته الثانية على رأس الأمانة العامة لحزبه، يرى العديد من أنصاره أن الدولة العميقة في المغرب والتي تجاوزت خطر ثورات الربيع العربي لم تعد بحاجة إلى بنكيران، خصوصا وأن الرجل طبع المشهد السياسي بشخصيته واكتسب شعبية واسعة بين مؤيديه ومعارضيه، ولا سبيل الآن إلى استمراره في ولاية حكومية ثانية كنموذج للسياسي الذي يجمع بين مرجعيته الاسلامية وسياساته العلمانية.