“سبتمبر نت”
يعتقد الشاعر أسامة المحوري أمير الشعراء الشباب كما يحلوا للبعض تسميته بأن ما تقوله قريحته يصل إلى المتلقي يفهمه ويستعذبه كما لو كان برتقال نفاثاً يشم ويطعم في الوقت ذاته ؛ ويتوغل الشاعر في الفصحى من خلال أشعاره غير أبهٍ بالعامية “أفيون اللغة”.
بقصيدة “محمد” ألبس الشاعر الشاب جسد اللغة العربية العالمي بعيدها السادس ثياباً مزركشاً بالمعاني والبلاغة والفنون الأدبية والجمالية والأوصاف البديعية مؤمناً كل الإيمان بأن العربية هي الأقوى والأبقى لأنها لغة القرآن الكريم المحفوظة بقلب كل صدر وعلى أريكة كل لسان.
ورغم هذه الثقة إلا أن الهاجس باتّ يُرق كثيرين من المهتمين باللغة العربية بعد تفشي العامية في الإعلام والدراما والتعاملات اليومية للناس والدراسة والمؤسسات والمرافق في ظل تهاون عربي رسمي بل وإعراض المؤسسات الرسمية في أغلب الدول العربية عن اللغة العربية واعتبارها لغة المساجد وخطباء الجمعة وحديث العلماء.
أملٌ رغم الحرب
عن فهم اللغة العربية ومحاربتها خلسة من قبل البعض؛ يتحدث الشاعر المحوري؛ بأن هناك هجمة شرسة على اللغة العربية لا أنكر هذا لكن أبشرك أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم فهي لغة الصغير والكبير ..الأب والأم ..ويسمعها الطفل في برنامج الكرتون و الطالب في الجامعة والخطيب في مسجده والفلاح في حقله والأمي في محيطه ويفهمها”.
ويضيف لـ”سبتمبر نت” ؛ اللغة العربية غنية عن التعريف وهي لغة القرآن الكريم وهي خالدة بخلود هذا الكتاب العظيم وهي هويتينا وأمنا وأساسنا ؛ نفتخر بها ونفاخر بها بين الأمم ودول العالم؛ اللغة العربية هي الأكثر انتشار في المحيط الوطن العربي والمحيط العالمي”.
من جانبه يستبشر الأكاديمي “عبد الحكيم باقيس” قائلاً ؛ على الرغم من اجتياح اللهجات العامية فلا يزال ذلك الرجل المسن أو تلك المرأة العجوز المنعزلة في شعبٍ من الشعاب أوفي قرية من القرى في الوطن العربي تستطيع أن تتلو القرآن الكريم وتفهم مفرداته ويمكن أن تسمع للقرآن وتقف على مُجمل معانيه بمعنى أن اللغة حاضرة في وعيها وذاكرتها ؛ فذهب إلى أي شارع أو أي مكان وأختر أي رجل تضن أنه موغل في العامية واسمعهُ بعض كلمات القرآن أو الحديث ستجد أنه يستعذبه ويفهمه فهماً جيداً.
ويذكر “باقيس” وهو أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة عدن ؛ “أن الإنسان العامي أو الإنسان العادي كما قلنا يستطيع أن يفهم القرآن الكريم والحديث النبوي ويستطيع أن يفهم كلام الخطيب وما يقوله ولكنه لا يقوم بممارسته بشكل يومي وهذا ليس من شان العامة فقط وإنما حتى في بعض المؤسسات التعليمية والثقافية والأكاديمية وغيرها من الجهات”.
الاستعمار ودوره في تشجيع العامية
وعن تفشي العامية واللهجات والإعراض عن اللغة العربية يردف بقوله ؛ “تواجه اللغة العربية اليوم العديد من التحديات ومن بينها التحديات التي أشرت إليه هو اجتياح اللهجات والعاميات وربما هنا وسائل الإعلام والدراما مهدت لظهور لهذه العاميات بكثرة ولا ننسى أن الأمية والمراحل التي مرت بالوطن العربي من نكوص وتراجع أصبحت اللغة العربية كأنها لغة مدرسية أو لغة خاصة بالتعامل خارج حدود المجتمع أما في واقعنا وبعد ذلك في العصور العثمانية والمملوكية وتراجع الثقافة العربية وتراجع الناطقين بها ؛ وظهرت اللهجات وهو مؤشرا لحالة من حالة التفكك والاعتزال الذي تجزأُ عالمنا العربي وهي أيضاً نموذج لانتشار واجتياح الثقافات الشعبية التي أنتجت أيضاً فنوناً.
ومع انحسار العصور الأموية والعباسية وحتى المملوكية تراجعت اللغة العربية بشكل كبير ناهيك عن سقوط الخلافة العثمانية في إسطنبول الأمر الذي شجع المستعمر الأجنبي عقب تقاسم الإنجليز والطليان والفرنسيين للوطن العربي والإسلامي مما جعل من الاهتمام باللغة العربية شي من المستحيل وظهرت معه اللهجات بل وزاد من انتشارها لتصبح اللغة العربية حزينة تكورت قباب المسجد الأموي في دمشق والأزهر في مصر ومساجد بغداد والقدس وفاس وصنعاء وعدن.
لقد نجح المستعمر أيما نجاح في واد أحلام العرب وأصاب لغتهم في مقتل بعد أن شجع لغته كما هو الحال في تونس وسوريا ولبنان في الشام وعدد من الدول العربية على حساب اللغة العربية الفصحى أو لصالح اللهجات العامية على أقل تقدير حسب مهتمين.
وتمايزت الشعوب العربية من خلال اللهجات فاستقامت اللهجات على ألسن رودها فبالكاد تستطيع أن تميز اللبناني عن السوري بلهجته والمصري عن السوداني والتونسي عن الموريتاني واليمني عن الخليجي والعراقي عن الأردني فليست الهيئة والملامح والبشرة دليلاً شافياً عن معرفتنا بهوية الإنسان العربي مع وجود اللهجات التي بات المجتمع يستخدمها بشكل مفرط.
اللغة العربية .. صراع من أجل البقاء
أضحت مشاهدة التلفزيون وجبة رابعة بالنسبة للكثير من اليمنيين كونه المتنفس الذي يقيهم شر الرتابة كما هو الحال لربة البيت “فوزية علي” حسب رأيها لـ”سبتمبر نت” والتي تنفق من وقتها يومياً أكثر من سبع ساعات لمشاهدة مسلسلات هندية “مدبلجه” بلهجات عربية دارجة “عامية” من على فضائيات “زي ألوان” و ” (بوليود MBC ( و ” زي أفلام” وفضائيات أخرى في أبشع صور للإدمان على الإطلاق.
لم تكن البيوت وحدها التي تأثرت بالعامية بل سبقها الجميع في المحيط من خلال الأغاني والمسلسلات الدرامية والأشعار الشعبية والمعاملات اليومية حتى صارت العامية تلوكها كل لسان في حين تتعالى الصراخ في المنازل على خلفية منع الأم “فوزية” أطفالها من مشاهدة أفلام الكرتون ” كونها هي الأخرى مدمنة على مشاهدة مسلسلات هندية وتركية كـ””الملكة جانسي” وللعشق جنون” ورباط الحب” وأحلام مراهقتين” و “يغمرني الشوق” و” فدية” وغيرهم من المسلسلات التي تُبث يومنا وجميعها “مدبلجة” باللهجة السورية والمصرية وهذا نوع من أنواع الهجوم على العربية وتشجيع العامية.
ورغم هذا وذاك ؛ “وحسب مهتمين” ما تزال بعض وسائل الإعلام تحرص على الالتزام باللغة العربية وكذا المثقفين والصحفيين والشعراء فالتزم البعض بصف الشعر الفصيح يجعل من الفهم لدى الجمهور أقوى وأبلغ كما هو الحال لخطيب الجمعة الذي يقاتل هو الأخر من أجل العربية.
وعن كتابة الشعر الفصيح والإعراض عن الشعر العامي ؛ يتابع المحوري؛ “أدعو الشعراء إلى كاتبة الشعر العربي بطريقة سهلة كي تصل إلى جمهور واسع ولا يضيق الشعر العربي بمفردات محشوة أو من خارق الإطار العام للمجتمع العربي فالشاعر عندما يحصر نفسه في زاوية الشعر العامي هنا تضيق دائرة إبداعه ودائرة انتشار حرفه وعندما يكتب الشاعر قصيدته باللغة العربية يفهما التونسي السعودي والسوداني والجزائري والسعودي واليمني ويفهمها كل عربي ثم تكون ترجمتها للغة العربية ترجمة سهلة لأن الشعر الشعبي لا يترجم فالشاعر الذي يختار اللغة العربية هو يختار الخلود والانتشار والذيوع كما كتب حينها محمود درويش ونزار قباني وعباقرة الشعر العربي الخالد”.
تهميش اللغة العربية
وعن تهميش اللغة يؤكد “باقيس” لـ”سبتمبر نت”؛ للأسف الشديد ولأن مؤسساتنا العلمية و الأكاديمية واضرب هنا مثلاً مؤسساتنا الجامعية الحكومية والأهلية لا تحفل باللغة العربية و بمعلمي اللغة العربية ولا ببرامج اللغة العربية ؛ أعطيك مثلاً أن متطلب اللغة العربية العام الذي ينبغي أن يدرس في الجامعات اليمنية أو على الأقل على مستوى الجامعة الواحدة؛ وفي جامعة عدن ليس هناك مفردات خاصة أو خطة دراسية يلزمها معلم اللغة العربية أو مدرس هذا المساق.
ويضيف ؛ “لا توجد مفردات خاصة أو خطة دراسية على مستوى الكلية الواحدة فيدرس قسم اللغة العربية بقسم الجغرافيا غير الذي يدرس في قسم الإعلام أو التاريخ ؛ وغير الذي يدرس في الكليات الأخرى يترك الخيار لذائقة المعلم وربما فوضويته في أن يختار ما يشاء من المفردات أو يحذف ما يشاء”.
ويتابع بالقول ؛ “دعني أن أكون معك في منتهى الصراحة ؛ هل رأيت زعيماً عربياً يتكلم أو ينطق بالعربية..؟ بل أن بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة فكيف بهؤلاء الذين لا يحسنون القراءة ولا الكتابة..؟ ؛ ولا اقصد هنا زعيماً بعينة ؛ انظر إلى كلامهم في المحافل الدولية.. أينهم من بني العباس ؛ أينهم من بني أمية .. بل أينهم من بعض المماليك الذين كانوا يجيدون اللغة العربية .. فكيف بمثل هؤلاء الرجال أن يولُ رجالاً من بعدهم يتولون أمر اللغة العربية ؛ إن كانت قد غابت”.
عيد اللغة العربية العالمي
يحتفل الوطن العربي بـ18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام بيوم اللغة العربية العالمي وذلك احتفاءً بهذه المناسبة التي تخيرتها الأمم المتحدة واعترافها باللغة العربية كسادس لغة رسمية ضمن اللغات التي يتم التعاطي معها في وثائق الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب اللغة الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية بالإضافة إلى اللغة الإسبانية.
في سبتمبر/أيلول من العام 2012م تم اعتماد هذا اليوم بصفة رسمية وفي العام الثاني (2013م) كان الاحتفال عالمياً للمرة الأولى بهذه اليوم بوصفه يوم اللغة العالمي وبالتزامن مع حلول هذه المناسبة يحتفل الوطن العربي على مدى الخمس السنوات الأخيرة باستمرار.
ومن بين الدول العربية تحتفل اليمن بهذه المناسبة ولأن البلاد شهدت حرباً طيلة السنوات القليلة الماضية وما ترتب عليه من أوضاع سلبية بسبب الحرب الدائرة بين الشرعية والانقلابيين تأجل الاحتفاء بهذه المناسبة لتحتفل بعدها جامعة عدن للعام الثاني كأول مؤسسة رسمية يمنية بهذه المناسبة حيث أحتفل قسم اللغة العربية بكلية الآداب بعيد اللغة العالمي بعامي (2016 و 2017م).
وتتألف اللغة العربية من (28) حرفاً وتُكتب العربية من اليمين إلى اليسار ويتداولها ثلثي العالم ؛ وأصبح لزاماً على الشعوب الإسلامية تعلم العربية لأنها لغة القرآن فيحرص السنغالي والتركي والأحوازي والكردي والمالي وغيرهم من تعلم العربية لتصبح بذلك أوسع لغة انتشارا.