كسر القواعد القائمة منذ سنواتٍ طويلةٍ يكاد أن يكون الشعار الأبرز لكل أزمات المنطقة في الوقت الحالي، فالتدخلات الإيرانية الميليشياوية والتجسسية والإرهابية أصبحت تحت المجهر الدولي وليس الإقليمي فحسب، وبالتالي فاستهداف الأصل يسهل من مهمة استهداف الفروع، وهذا كله يتم بالتزامن لا بالانتظار. الولايات المتحدة الأميركية تقود جهوداً دولية لمواجهة المشروع الإيراني، وهي تزداد وعياً بخطورة المشروع الأصولي الذي تقوده تركيا وقطر، وتصدر التصريحات والبيانات التي تصب في هذا الاتجاه، والمواقف من أتباع إيران في دول المنطقة يتم العمل عليه في كل لحظةٍ وباتجاهاتٍ تختلف من مكانٍ إلى آخر، بعضها يتم من خلال الدولة نفسها ومحاولة استعادة سيادتها المنتهكة، كما يتم في العراق وفي لبنان مع تفاوتٍ بين تجربة الدولتين وجديتهما في استعادة السيادة، وبعضها يتم بالقوة السياسية والعسكرية كما في اليمن وفي بعض المناطق في سوريا، أما يد إيران وأذرعها في دول الخليج فقد تم بترها، وكذلك يد «الإخوان» والمشروع الأصولي القطري التركي.
في اليمن أطلق «الحوثي» النار على قدمه حين عادى كل التيارات والأحزاب والقبائل بأفعالٍ شنيعةٍ خارجةٍ عن إطار الأعراف اليمنية السائدة، وبدأ في تطبيق النموذج الإيراني بحذافيره، حيث لا عقل ولا دين ولا مبادئ، بل هو القتل والاغتيال والتعذيب والتدمير واستهداف المدنيين والنساء وتجنيد الأطفال وتدمير كل شيء تقريباً بكل عنجهيةٍ ولا وطنيةٍ غير مسبوقةٍ في تاريخ اليمن الحديث. فهو بناء على النموذج الإيراني لا يعبأ بالمحرمات الدينية ولا يعترف بمقدسات المسلمين ولا بالمحرمات الدولية ومنها الصواريخ الباليستية التي تستهدف المدنيين، ومن ذلك الصاروخ الذي أطلقته لاستهداف المسجد الحرام والكعبة، وكذلك الصاروخ الذي استهدف مطار الملك خالد في الرياض، وهو ما أثبتته تحقيقات دولية أعلنتها أميركا رسمياً.
تدور المعارك في اليمن على أكثر من جبهةٍ أهمها جبهتان: الجبهة الشرقية حيث تحرير مديريتي بيحان وعسيلان باتجاه البيضاء، والجبهة الغربية على الساحل الغربي باتجاه الُحديّدة ومن ثم صعدة، وهو ما يعني إطباق الكماشة على «الحوثيين» شيئاً فشيئاً، ما يعني بداية النهاية الحقيقية لميليشيا «الحوثي». السفارات تخرج من صنعاء وتتجه للرياض، ومن آخرها السفارة الروسية، حيث الشرعية اليمنية ومركز التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية، ومؤسسات الإغاثة تهرب موظفيها من صنعاء، ما يمنح مؤشراً واضحاً على عدم استعداد أي دولةٍ أو منظمة دوليةٍ أو مؤسسةٍ خيرية على العمل داخل صنعاء بعد سيطرة النموذج الإيراني بلا شريكٍ ولا غطاء محليٍ بعد اغتيال صالح، وتتبع قيادات المؤتمر بالاغتيال والسجون السرية والتعذيب. حزب «الإصلاح» اليمني الذي ينتمي لجماعة «الإخوان»، كحالةٍ يمنيةٍ خاصةٍ، مثل بقية فروع الجماعة في شتى البلدان، أمام تحدٍ حقيقيٍ لإثبات ولائه الوطني، في لحظةٍ حاسمةٍ من تاريخ اليمن الحديث، وقد التقى رئيس الحزب وأمينه العام، بالأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد في الرياض، وقد أعلن الحزب فك ارتباطه بالجماعة الأم المصنفة إرهابيةً في الرياض وأبوظبي وغيرهما، ويبقى عليه أن يثبت فك ارتباطه بالدولتين الأصوليتين في المنطقة، وأن يخلص في توجهاته لخدمة استعادة الدولة اليمنية واستقرارها وأمنها.
بعد التلاعب على رؤوس الثعابين الذي كان الحزب يشارك فيه في مشهد يمني متقلبٍ خلال السنوات الطوال الماضية، وبعد لعبة التحالف والمعاداة مع الرئيس السابق صالح، والمناورة مع حركة «الحوثي»، وبعد الحياد الذي اتخذه الحزب بعد عاصفة «الحزم»، وانحيازه للانتظار والمراقبة طوال الفترة الماضية، وبعد استقبال قائدي التحالف لقياداته، فأمام الحزب وعناصره لحظة حاسمةٌ وقرار تاريخي، إما الانحياز لمستقبل اليمن وإما الانحصار في مصالح ضيقةٍ. أخيراً، فالاستراتيجية الجديدة في اليمن بالغة التأثير، سياسياً وعسكرياً، وستكون لها الكلمة الأخيرة.
*نقلا عن صحيفة “الاتحاد“.